قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

كفارة القتل في حوادث السيارات

مسألة رقم 269

العناوين المرادفة

1. كفارة القتل الخطأ.
2. كفارة القتل الخطأ في حوادث السير.

صورة المسألة

إذا أدت حوادث السيارات إلى إتلاف النفس هل تشرع بسببه الكفارة؟

حكم المسألة

تناول الفقهاء المتقدمون الجناية الحاصلة بسبب حوادث السير؛ كاصطدام الراكبين والسفينتين والفارسين…إذا أدى ذلك إلى الإتلاف، وما يترتب على ذلك من آثار تثبت على ذمة الجاني أو وليه.

وخلاصة ما ذكروه أن إتلاف النفس إذا حصل بسبب حوادث السير له حالتان:

الأولى: أن تدل القرائن على أن القتل واقع على جهة العمد من طرف المتسبب؛ وذلك كما لو تربص للمقتول لعداوة بينهما، أو ثبت بالتحقيقات قصد الجناية منه، كأن يهاجمه بالسيارة بسرعة مذهلة في غير الطرق المخصصة، فإذا ثبت قصد الجناية في الحادث، فإن الفقهاء قد اختلفوا في لزوم الكفارة بالقتل العمد على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن القتل العمد لا يوجب الكفارة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية([1])، والمشهور عند الحنابلة، وقال به الثوري وأبو ثور وابن المنذر، واستدلوا على ذلك بأدلة، من أبرزها:

  1. قوله تعالى:(وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا)[النساء:92] فقيّد كفارة القتل بالخطأ؛ وذلك دليل شرطيته في ثبوت الكفارة، والشرط ينتفي الحكم على تقدير انتفائه.

ونوقش: أنه معارض بكفارة الصيد الحرمي بالنسبة للمحرم، فقد ورد تقييده بالعمد مع استواء الصورتين صورة العمد وصورة الخطأ في الحكم.

  1. ولأن العمد سبب يوجب القتل، فلم يوجب الكفارة قياسا على الزنا والردة في أنهما يوجبان القتل دون الكفارة.
  2. ولأن القصاص عقوبة بدنية، والكفارة عقوبة مالية؛ فلم يجتمعا في القتل الواحد قياسا على القصاص والدية: أنهما لا يجتمعان في قتل واحد.

 

الاتجاه الثاني: أن القتل العمد يوجب الكفارة، وهو مذهب الشافعية، واستدلوا على ذلك بما يلي:

  1. ما رواه واثلة بن الأسقع قال: أتينا رسول الله – ﷺ – في صاحب لنا استوجب النار بالقتل، فقال: (أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار) [أخرجه أحمد برقم: (16012) 25/393، وابن ماجه برقم: (3014) 2/1003، وأبو داود برقم: (3964) 4/29، والنسائي في السنن الكبرى برقم: (4872) 5/11].

وجه الدلالة: أنه لا يستوجب النار إلا في العمد، وهو نص في وجوب الكفارة به.

نوقش: أن الخطاب لغير القاتل، وذلك لا يوجب الكفارة عليه.

  1. ولأنه قتل معصوم، والكفارة شرعت لمحو الذنب؛ وذلك في العمد أعظم؛ فوجوب الكفارة فيه أولى من الخطأ.

ونوقش من وجهين:

الأول: أن الكفارة من جنس المقادير الشرعية، ومن ثم فلا يلزم ثبوتها في الأدنى لدفع الإثم أن تثبت فيما هو أعلى؛ لأن ذلك توقيف من الشارع.

الثاني: أن الذنب الحاصل بالعمد لا تقوى الكفارة على محوه، بدليل قوله: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا) [النساء:92].

  1. ولأن الكفارة إذا وجبت بقتل الخطأ وجبت في عمده؛ كجزاء الصيد لما وجب في الخطأ وجب في العمد.

الثانية: أن تثبت القرائن بعد التحقيقات أن القتل الحاصل بسبب الحادث واقع على سبيل الخطأ؛ كأن يباغته المارة في الطريق على وجه الصدفة بحيث يتعذر إيقاف السيارة على الفور، فتشرع الكفارة في هذه الحالة بالإجماع؛ وذلك للآية المتقدمة.


([1]) ولكن استحبه المالكية. انظر: شرح الخرشي 8/49.

المراجع

1. الإنصاف لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ).
2. بدائع الصنائع لعلاء الدين أبوبكر بن مسعود الكاساني (ت 587 هـ).
3. البناية شرح الهداية لأبي محمود بن أحمد بدر الدين العيني(ت 855 هـ).
4. الحاوي لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ).
5. شرح مختصر خليل لمحمد بن عبدالله الخرشي (ت 1101 هـ)

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى