يقصد بقتل المريض: إزهاق روح من عرضت له آفة من الآفات في بدنه أو عقله أو نفسه، وإزالة حياته بفعل الغير، سواء أكان القتل بيد طبيب أو غير طبيب، وسواء أكان سلوك الجريمة إيجابياً أم سلبياً؛ والسلوك الإيجابي في جريمة قتل المريض من صوره: رفع أجهزة الإنعاش لمن حياته مستقرة بقصد إنهاء حياته، أو إعطاء المريض حقن أو عقاقير مميتة، أو عمل جراحة له ليتم فيها قطع عرق فيه أو قتله بأي طريقة تقليدية يستخدمها سائر المجرمين كالخنق وكتم النفس، مثلاً.
هذا النوع من القتل له جملة من الأسباب والدوافع، منها:
الدافع الأول: قتل المريض بدافع الشفقة، ويطلق على هذا النوع من القتل قتل المرحمة أو قتل الرحمة، وليس في الفقه الإسلامي قتل يدعى قتل الشفقة أو الرحمة بالنسبة للإنسان، فالتعبير مستحدث.
وعرف هذا المصطلح بأنه: (الموت الهادئ أو الموت الحسن دون آلام، وهو طريقة لإعانة الشخص على الموت بنفسه أو بمساعدة غيره موتاً هادئاً)، ولهم في تعريفه تعريفات أخرى.
وهذا القتل قد يرتكبه الطبيب وغير الطبيب بدافع تخليص المريض من المعاناة والآلام، فالجاني في هذه الحالة متعمد القتل بلا شك غير أن دافعه لارتكاب هذه الجريمة هو دافع الرحمة والشفقة على بعض أصحاب الحالات المرضية المستعصية، مثل: المرضى بمرض غير قابل للعلاج، والأطفال ناقصي الخلقة، والبلهاء، وكما يكون القتل شفقة على المرضى يكون شفقة على ذويهم، وتخلصاً من التكاليف المالية الباهظة التي تلزمهم بعلاج المريض.
والشريعة الإسلامية تعتبر القتل بهذا الدافع جريمة عمد تتوافر فيها جميع أركان الجريمة، من فعل مادي من شأنه إزهاق روح إنسان حي، وقصد جنائي يتوافر باتجاه إرادة الجاني إلى الاعتداء على حياة إنسان حي وإزهاق روحه مع علمه بذلك، بصرف النظر عن الدوافع أو البواعث إلى ارتكابها؛ لأنه لا عبرة في التشريع الجنائي الإسلامي بالدوافع، فالجريمة جريمةٌ وإن كان الحامل عليها براً وخيراً، فمثلاً ممارسة المرأة للبغاء لتنفق على أبويها العاجزين أو أطفالها الأيتام لا يخرج فعلها عن كونه جريمة بغاء تستوجب العقوبة الشرعية.
ويدل على تحريم القتل، وإن كان الدافع نبيلاً:
1ـ قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا) [الإسراء: 31]؛ حيث إنه وإن كان الظاهر في العملية الإجرامية كون الباعث نبيلاً وهو في الآية الشفقة على الولد من التعرض للفقر والمعاناة، فهو منتف في الباطن؛ لأن أمر العباد في أرزاقهم وآجالهم إلى الله، والاعتداء على الأنفس لهذا الباعث يتضمن في باطنه الاعتراض على حكم الله، وضعف الإيمان به، وترك الاعتماد عليه في الأمور التي يختص بها سبحانه، مع التعلق الكامل بالأسباب المادية والاعتماد عليها بحيث يقنط الإنسان تماماً حتى ليصل به قنوطه إلى القتل إذا ما نفذت وذهبت من يديه، وقتل المريض شفقة عليه من مرضه ورحمة به مما يقاسيه لا يبعد عما سبق، وعليه فهو قتل محرم وإن دفعت إليه الرحمة والرغبة في الإحسان.
2ـ الأحاديث الدالة على أن المسلم موعود بتكفير خطاياه ومحو ذنوبه إن ألم به شيء من الأوجاع والأسقام، وعليه فإن قتل المريض مع ما فيه من إزهاق نفسه التي هي هبة الله له فيه حرمان له من تكفير الخطايا، واستمرار الأجر، ورفعة الدرجات الحاصلة له بابتلائه بالداء وصبره عليه.
3ـ أن هذا الفعل بغض النظر عن باعثه يعتبر من قتل النفس المحرمة، وقد اتفق العلماء على تحريم قتل النفس، وأنه من كبائر الذنوب.
4ـ أن بعض الصحابة في بعض الغزوات أصيب بإصابات قاتلة ولبثوا أياماً يعانون من الآلام المبرحة قبل أن يتوفاهم الله، ولكن لم يتبادر إلى ذهن أحد منهم أو من غيرهم أن يضع حداً لهذه الآلام عن طريق القتل؛ لأن القتل لهذا الدافع فيه تعارض مع عقيدة المسلم وإيمانه بأن الله عز وجل هو الشافي من كل مرض.
5ـ أن القتل لهذا الدافع يثير حول الطبيب أكثر من شبهة مثل الضعف العلمي، واستغلال المهنة لأغراض غير مشروعة، لاسيما مع فساد الزمان ورقة الدين وتغير الأحوال.
6ـ أن القتل بدافع الشفقة والرحمة يناقض المقصود من شرع التداوي؛ إذ هو مشروع لحفظ النفس المعصومة، واستنقاذها من الهلكة، وواجب الطبيب رعاية الحياة والعناية بها، والمحافظة على ما تبقى منها.
الدافع الثاني: قتل ميت المخ وبعض أصحاب الأمراض المزمنة والمسنين بقصد التخلص من رعايتهم والنفقات المترتبة على وجودهم في المستشفى.
الدافع الثالث: القتل لغرض الاستفادة من الأعضاء لمصلحة إنسان آخر أو لقصد الاتجار بها.
والقتل لهذه الدوافع أو لغيرها هو من الاعتداء المحرم على الأنفس المعصومة.
وقد جاء في ندوة حقوق المسنين من منظور إسلامي المنعقدة في الكويت في رجب 1420هـ عند الحديث عن قتل المسنين سواء أكان عن طريق التدخل الطبي المباشر أم تهيئة الظروف للمريض لفعل ذلك: (قتل الرحمة، وهو قتل المريض بتدخل طبي مباشر، مناف للإسلام، حتى لو طلب المريض أو أهله ذلك، ويمكن وقف العلاج المقطوع بعدم جدواه، لكن يجب أن تبقى للمريض حقوقه الإنسانية العامة من التغذية والتمريض والراحة من الألم).
الدافع الرابع: قتل المريض لتحقيق مصلحة دينية أو سياسية:
وهنا لا يوجد للطبيب شيء من الدوافع السابقة، وإنما يندفع لقتل المريض بسبب العداوة الدينية مثلاً، أو لتحقيق مصالح سياسية، عن طريق حقن المريض أو غيره من مرتادي العيادة الطبية كما يقصد المنشأة الصحية لأخذ الأمصال الواقية من المرض، عملية التطعيم بمادة كيميائية سامة أو بفيروس قاتل، أو إعطاء المريض عقار يشتمل على شيء من المواد الضارة بقصد إيذاء المريض والإضرار به.
وكما تكون الجريمة إيجابية تكون أيضاً سلبية.
ومثالها: رفض الطبيب علاج المريض أو امتناعه عن إسعافه إن كان بحاجة إلى إسعاف، أو الامتناع عن إعطائه الدواء في الوقت المناسب مما يترتب عليه الإضرار به، وعرف هذا النوع من الجرائم بأنه: إحجام الطبيب عن تقديم الخدمة الطبية لمن يحتاجها في أحوال معينة وبشروط مخصوصة، فيخل بواجب ناشئ عن عقد أو عرف أو إلزام شرعي.
ولأن إسعاف المريض شكل من أشكال التداوي؛ إذ يؤدي إلى القيام بدور بعض الوظائف الحيوية لدى المريض عند تعطلها تعطلاً مؤقتاً، ويسهم في حفظ الحياة، وتوفير الرعاية اللازمة للمريض ريثما تعود إليه تلك الوظائف، فإن القيام به من قبل الطبيب ومن في حكمه من الممرضين ونحوهم للمحتاجين من المرضى يعد واجباً من الواجبات الكفائية الشرعية متى ما قام به من يكفي سقط التكليف عن البقية؛ قياساً على إنقاذ الغرقى والهدمى، وسبب وجوبه: كونه وسيلة لمقصد شرعي مطلوب، وهو إنقاذ الحياة المعصومة، والنفس المحترمة، والوسائل لها أحكام المقاصد في الشريعة، وعملاً بقاعدة: الضرر يزال.
ويمكن تخريج مسألة (إسعاف المرضى من المختصين المقتدرين) على مسألة: (إنقاذ القادر ذي مخمصة من الهلكة).
وإذا ثبت أن وجوب إسعاف المرضى المحتاجين لذلك على الكفاية فهل يأثم الممتنع عن الإسعاف، وهل يعد امتناعه جريمة مساوية للجرائم الإيجابية؟
والذي يظهر من كلام الفقهاء استواء القتل بالامتناع بالقتل بفعل إيجابي في الإثم والمسؤولية في الآخرة، إلى جانب أن صون المال واجب، والتفريط فيه مع القدرة محرم موجب للضمان، فكيف بالأنفس المحترمة، لا شك أن إيجاب الضمان ينافي الجواز الشرعي، وعليه، فالامتناع عن بذل ما يمكن بذله لإنقاذ النفس البشرية جريمة من أقبح الجرائم.
• النوازل الفقهية في الجنايات والحدود وتطبيقاتها القضائية (بحث تكميلي في مرحلة الماجستير ـ الفقه المقارن ـ المعهد العالي للقضاء)، سعد الجلعود (176).
• جريمة القتل الرحيم بين الشريعة والقانون، بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في القانون الجنائي في جامعة البحرين، من إعداد نواف الشمري.
• نوازل فقهية معاصرة، خالد سيف الله الرحماني، (2/244).