إذا وقع المجاهد في الأسر لدى الأعداء وقاموا بتعذيبه أشد أنواع التعذيب، كالإحراق بالنار أو تقطيع أجزاء من جسمه؛ أو غلب على ظنه أنهم سيفعلون به ذلك؛ فهل يجوز له أن يقتل نفسه في هذه الحال؟
الأصل في قتل النفس أنه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب؛ لقول الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) [النساء: 29-30].
ولما جاء في الصحيحين من حديث جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (كان رجل ممن كان قبلكم، وكان به جرح فأخذ سكينا نحر بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) [البخاري (1364) ومسلم (113)].
فالآية والحديث دليلان صريحان على أن قتل النفس محرم ومن الكبائر ويعذب فاعله عذابا شديدا.
أما إذا قتل نفسه بسبب أنه تأكد من أن الأعداء سيقتلونه؛ ولكنهم يعذبونه قبل ذلك تنكيلا به وإغاظة للمسلمين؛ فقد نص بعض المعاصرين على أنه لا يبعد جوازه، واستدل بقصة الصحابي الذي كان مع عاصم بن ثابت في سرية بعثها رسول الله ﷺ حيث أحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق، قال عاصم: أما أنا فوالله لا أنزل في ذمة كافر؛ فرموهم بالنبل؛ فقتلوا عاصما في سبعة معه، فنزل إليهم خبيب الأنصاري وابن الدثنة ورجل ثالث بالعهد والميثاق فلما استمكنوا منهم أوثقوهم، فقال الرجل: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم، إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن الدثنة حتى باعوهما بمكة فعذبتهما قريش قبل أن تقتلهما.
كما قاسوا المسألة على ما ذكره ابن قدامة([1]) أن المحاربين لو ألقي في مركبهم نار فاشتعلت وأيقنوا الهلاك: “أن لهم أن يبقوا في المركب حتى يموتوا، ولهم أن يلقوا بأنفسهم في الماء ولو تأكد غرقهم، وفي هذا يقول الإمام أحمد: كيف شاء صنع، وقال الأوزاعي: موتتان فاختر أيسرهما”.
1. الأعمال الفدائية، سامي الحمود ص(169).
2. الجهاد والفدائية في الإسلام، حسن أيوب ص(166).
3. العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي، نواف تكروري ص(141).