إذا وقع المجاهد في أيدي الأعداء وهو يحمل أسرارا مهمة يلحق كشفها أضرارا كبيرة بالمسلمين ويخشى من عدم قدرته على تحمل التعذيب؛ أو قد يكون عند العدو وسائل تجعل الشخص يدلي بما عنده لا شعوريا؛ فهل يجوز للمجاهد في هذه الحالة أن يقتل نفسه حماية لمن خلفه من المسلمين.
لم يذكر الفقهاء المتقدمون ما يشير إلى هذه المسألة صراحة، أما المتأخرون فقد اختلفوا على اتجاهين:
الاتجاه الأول: تحريم قتل المجاهد نفسه خشية إفشاء سر المسلمين لعدوهم، ونسب إلى بعض الفقهاء المعاصرين.
واستدلوا بمايلي:
عموم النصوص التي تحرم قتل النفس وإزهاقها، كقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) [النساء: 29]، وقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ) [البقرة: 195].
الاتجاه الثاني: الجواز بشرط أن يكون السر عظيما يلحق كشفه بالمسلمين ضررا بالغا؛ وأن يغلب على ظنه عدم الصمود مطلقا، وأنه إن عذب فسيفشي السر. وهو قول جماعة من الفقهاء المعاصرين كالشيخ محمد بن إبراهيم، وحسن أيوب، وعجيل النشمي. واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: أن الصحابة رضي الله عنهم فدوا رسول الله ﷺ بأنفسهم يوم أحد، حتى قال أبوطلحة رضي الله عنه : (نحري دون نحرك)، [البخاري (3600), ومسلم (1811)].
وجه الاستدلال: فيه مشروعية الفداء بالنفس إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام وحفظ لأرواح المسلمين.
الدليل الثاني: ما ورد في قصة الغلام المؤمن مع أصاب الأخدود عندما أرشد الملك إلى كيفية قتله؛ لما كان في ذلك مصلحة للدين؛ مما يدل على مشروعية قتل النفس والإعانة عليه إذا كان ذلك يحقق مصلحة كبيرة للمسلمين أو يمنع خطرا عظيما يتهددهم.
الدليل الثالث: أن هذا المأسور الذي لا صبر له على تحمل العذاب ويخشى أن يفشي السر سيتسبب في قتل غيره إن لم يقتل نفسه؛ ومعلوم أن قتل المسلم لأخيه يوجب عليه حقين: حق الله، وحق أخيه؛ أما قتله لنفسه ففيه حق واحد لله وهو أخف، والقاعدة الشرعية تقول: “يحتمل الضرر الأخف لمنع الضرر الأكبر”.
1. الأعمال الفدائية، سامي الحمود ص(177).
2. الجهاد والفدائية في الإسلام، حسن أيوب ص(247).
3. العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي، نواف تكروري ص(140).
4. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (6/ 207).