قسم الفقه الطّبيمسائل متنوعة

فصل التوائم

المسألة رقم 83

العناوين المرادفة

التوأم السيامي.

صورة المسألة

وهي جراحة يقصد بها فصل التوائم السيامية، والمراد بالتوائم السيامية كل مولودين منفصلين أو ملتحمين ببعضهما في منطقة من جسدهما، وسميت بالتوائم السيامية نسبة إلى مدينة سيام في جنوب شرق آسيا، وهي حالة من التوائم المتلاصقة التي أنجبت عام 1226 الموافق 1811م لأبوين صينيين.
وقد اشتهرت تسمية هذه الحالة بهذا الاسم باعتبارها أول حالة حديثة حظيت بالشهرة، ولقد سجل التاريخ الإسلامي حالات كثيرة أسبق منها بكثير، فلئن كانت الحالة السيامية ترجع إلى مائتي سنة من اليوم فما ذكره المؤرخون يرجع إلى أكثر من ألف ومائتي سنة .(1)

حكم المسألة

اختلف المعاصرون في حكم جراحة فصل التوائم على أربعة اتجاهات:

الاتجاه الأول: أن العملية الجراحية لفصل التوائم المتلاصقة جائزة عموما لما يلي:

الدليل الأول: إعمالًا للقواعد الشرعية في حالات الضرر، كقاعدة: لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة: الضرر يدفع قدر الإمكان، وقاعدة: الضرر يزال، وقاعدة: الضرر لا يزال بالضرر. فالضرر الحاصل ببقاء التوائم متلاصقة يحتاج إلى إزالة، وهذا الفصل يتفق مع هذه القواعد التي تتضمن إزالة الضرر، ويتقيد بالقواعد المعتبرة له فلا يزال بضرر مثله أو أشد منه.

الدليل الثاني:قاعدة: رفع الحرج والقواعد المندرجة تحتها مثل قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة: الحاجة تنـزل منـزلة الضرورة، فمن هذه القاعدة والقواعد المندرجة تحتها يتبين أن العملية الجراحية لفصل التوائم المتلاصقة لا مانع منها رفعًا للحرج الحاصل ببقاء التوائم ملتصقين.

الدليل الثالث: قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ويندرج تحتها قاعدة: تقديم أعلى المصالح، فمن هذه القاعدة وما يندرج تحتها يستفاد أنه إذا كان فصل التوائم يفضي إلى مفسدة هلاكهما فيقدم درء المفسدة على جلب المصلحة في الفصل؛حفظًا للنفوس من الهلاك ويراعى تقديم درء المفاسد على جلب المصالح.

الدليل الرابع: قاعدة: القرعة عند التزاحم، وهذه قاعدة مهمة في باب فصل التوأم الملتصق من الجنب مثلا، إذاتساوت حالتهم وقرر الأطباء المختصون إجراء عملية الفصل؛درءًا لمفسدة موتهما لو تركا دون فصل، ولكن قد ينتج عن عملية الفصل بعض الضرر لأحدهما، ولدى الأطباء المقدرة على أن يكون الضرر لاحقًابالأول أو الثاني، فهنا تكون القرعة؛ لتساويهما في الاستحقاق، وذلك أولى من التضحية بحياتهما معًا.

 

الاتجاه الثاني: أنه ينطبق على جراحة فصل التوائم ما ذكره بعض أهل العلم في حكم التداوي من تفصيل:

فيكون واجبًا إذا كان بقاؤهما على قيد الحياة لا يحصل إلا بفصلهما جراحيًا، وكان عدم إجراء العملية يفضي بحياتهما إلى خطر الموت، ويستحب إجراء العملية إذا كان بقاء التوأم دون فصل لا يترتب عليه ذهاب الحياة، لكن الفصل أفضل لهما ولصحتهما، ويكون مباحًا إذا تساوى بقاؤهما ملتصقين أو منفصلين، ويكون مكروهًا إذا كان بقاؤهما ملتصقين أفضل لهما ولصحتها، ويكون محرمًا إن كان مفضيًا إلى هلاكهما أو هلاك أحدهما وكان تركهما دون فصل لا يؤثر على بقاء حياتهما، فلو قرر الأطباء المختصون أن إجراء جراحة الفصل مفيدة من الناحية العلمية الطبية التجريبية، ولكنها تفضي إلى هلاكهما معًا أو هلاك أحدهما فإن النصوص الشرعية ومقاصد الدين وقواعده تمنع من إجراء الجراحة، فيكون فعلها محرمًا.

أدلة هذا الاتجاه:

الدليل الأول: قوله تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ) سورة النساء من الآية 29.

الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) سورة البقرة من الآية195.

الدليل الثالث: قول النبي ﷺ : (أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين وقول الزور أو قال وشهادة الزور).أخرجه البخاري ح 6871، وأخرجه مسلم ح87و88.

4-ولأن من مقاصد الشريعة حفظ الضرورات الخمس، ولأن هلاكهما ضرر، والضرر يجب دفعه، ولأن درء مفسدة هلاكها أولى من جلب مصلحة علمية أو تكميليةيترتب عليها فوات النفس المعصومة.

 

فعلى ضوء هذه الأدلة وغيرها يقال:

– وإذا قرر الأطباء ضرورة فصل التوأم لحفظ حياة أحدهما بعينه أو دون تمييز له؛لأنهما لو تركا هلكا معًا، فيجب إجراء عملية الفصل دفعًا لمفسدة هلاكها معًا واختيارًا لأهون الضررين.

– وإذاأفاد الأطباء أن أحد التوأمين بعينه أو دون تمييز له سيهلك إذا أجريت لهما عملية الفصل -ولا يلزم في تقرير الأطباء أن تجرى عملية الفصل؛لإمكان بقائهما دون فصل-فيحرم إجراؤها منعًا لمفسدة هلاكهما، واختيارًا لأهون الضررين.

-إذا أفاد الأطباء بضعف أحدهما بعينه أو دون تمييز له إذا أجريت لهما عملية الفصل، ويلزم في تقرير الأطباء أن تجرى عملية الفصل؛منعًا لهلاكهما معا إذا تركا دون فصل، فيجب إجراء عملية الفصل.

-إذا أفاد الأطباء بضعف أحدهما بعينه أو دون تمييز له إذا أجريت لهما عملية الفصل، ولا يلزم في تقريرهم إجراء العملية لإمكان بقائهما دون فصل فيتوجه القول بالمنع؛لأن درء المفسدة هنا مقدم على جلب المصلحة.

– إذا لم يترجح فصل التوأم أو تركهما، فلا يحل الإقدام على الفصل مع عدم الترجيح.

 

الاتجاه الثالث: أن فصل التوأمين ضرورة حتمية تجب إزالتها ما وجد سبيل إلى ذلك، إلا إذا خشي موتهما أو موت أحدهما فيحرم.

أدلة هذا الاتجاه:

الدليل الأول: أن بقاءهما يؤدي إلى تعذر الحياة بينهما,وقد يفضلان الموت على الحياة.

الدليل الثاني: أن الضرر يزال عن الإنسان بأي وسيلة؛لأن مبنى الشريعة على جلب المصالح ودرء المفاسد,والمصلحة تكمن هنا في إزالة هذا الالتصاق,فإن بقاء مهجة الحياة مقصد شرعي للاستخلاف في الأرض، لذلك كان من الكليات الخمس المتفق عليها بين الشرائع,وعملية فصل التوائم ترجع إلى حفظ النفس من جانب الوجود،بمحاولة إحياء النفسين أو أحدهما، ومن جانب العدم؛لئلا يفضي بقاؤهما بذلك الوضع إلى الموت.

 

الاتجاه الرابع: يجوز فصل التوأم الملتصق بشروط هي:

1-أن يقرر فريق من الأطباء المختصين المشهود لهم بالخبرة والكفاية في هذا المجال إمكان فصل التوأم دونالتسبب بوفاتهما أو وفاة أحدهما، ودون أن يترتب على الفصل إصابتهما أو أحدهما بضرر أكبر من ضرر بقائهما ملتصقين.

2- أن يجري عملية الفصل فريق من الأطباء المتخصصين في هذا المجال، مشهود لهم بالخبرة والكفاية والتمرس في هذا النوع من العمليات.

3- أن يأذن التوأم في إجراء عملية الفصل، إن كان إذنهما معتبرًا،بأن كانا بالغين عاقلين مختارين، عالمين بحقيقة ماسيُجرى لهما، ومدى خطورته على حياتهما،وأن يكون إذنهما صريحا أو مايجري مجرى الصريح من الصيغ.

فإن كان إذنهما غير معتبر شرعا بأن كانا صغيرين أو كان بهما جنون أو عته،أو لايدركان؛ لقصور فهمهما حقيقة ما يجري لهما فإن وليهما يكون له حق الإذن في إجرائها في هذه الحالة إن كان لهما ولي، وإلا انتقلت الولاية إلى الولي العام أو نائبه في البلد الذي يوجد فيه التوأم باعتبار أنه ولي من لاولي له، ويجب عليه تحري مصلحتهما في ذلك.

 

ودليل هذا الاتجاه ما يترتب على فصلهما من مصالح معتبرة، أهمها:

1-حفظ النفس من الهلاك أو الضرر المترتب على بقائهما ملتصقين.

2-استقلال كل منهما بأداء التكاليف الشرعية دون قيد عليه،من موافقة أو معارضة توأمه في ذلك.

3-استقلال كل فرد من التوأم المتلاصق بالحياة عن الآخر ليمارس حياته بحرية تامة،وليتخذ السلوك أو التصرف المناسب دون أن يقيده في ذلك توأمه.

4-حفظ العورات وسترها المأمور به شرعا.

5-تحديد المسؤولية عما يرتكبه كل توأم من أعمال وتصرفات.

6-التخفيف من عناء الأسرة في رعاية هؤلاء والقيام بشؤونهم.

وبهذا صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته العشرين المنعقدة في الفترة من 19-23محرم 1432.


ينظر في ذلك: نشوار المحاضرة للتنوخي 4/ 241، دار صادر 1391، المنتظم لابن الجوزي 14/ 151، 16/ 95، دار الكتب العلمية، ط.1، 1412، الكامل في التاريخ لابن الأثير 8/ 208، 10/ 209، دار الكتاب العربي، ط.1، 1417، العبر في خبر مَن غبر للذهبي 2/ 308، 4/ 128، دار الكتب العلمية، الطرق الحكمية لابن القيم ص49، دار البيان، البداية والنهاية لابن كثير 15/ 262، 18/ 458، دار هجر، ط.1، 1418.

المراجع

1. جراحة فصل التوائم المتلاصقة، إعداد د. بندر بن فهد السويلم، بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 76.
2. أحكام التوائم الملتصقة في الفقه الإسلامي، د.فيصل سعيد بالعمش أستاذ الفقه الإسلامي المشارك بقسم الدراسات الإسلامية كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، بحث مقدم للدورة العشرين للمجمع الفقهي المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من 19-23 محرم1432.
3. التوأم المتلاصق السيامي، ا.د.سعد بن ناصر الشثري، بحث مقدم للدورة العاشرة للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة في الفترة من 19-23 محرم 1432.
4. التوائم المتلاصقة (السيامي) وحكم فصله، بحث مقدم للدورة العاشرة للمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي، د.أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد، كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي.
5. مجلة المجمع الفقهي الإسلامي التابع للرابطة، العدد السادس والعشرون السنة الرابعة والعشرون
6. أحكام التوائم المتلاصقة، بحث من إعداد ا.د. فهد بن عبد الكريم السنيدي،الأستاذ بقسم الفقه، كلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
7. الجنايات الخاصة بالتوائم الملتصقة، لمحمد شافعي مفتاح، دار الصميعي، ط1.
8. بحوث فقهية في مسائل طبية، د. علي محمد المحمدي، دار البشائر الإسلامية، ط1.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى