المسألة لها ثلاث صور:
الصورة الأولى: الزكاة في عين الأرض أو البيت السكني ونحوه، هذا لا خلاف في عدم وجوبه، وحكى ابن حزم الإجماع على أنه لا زكاة في الضياع.
الصورة الثانية: الزكاة في قيمة الأرض إذا كانت عروضا للتجارة، وهنا تجب الزكاة باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة.
الصورة الثالثة: فرض رسوم حكومية على الأراضي، وهنا محل بحث المسألة( ).
للمعاصرين اتجاهان في حكم فرض رسوم حكومية على الأراضي:
الاتجاه الأول: الجواز بشروط، ومن هؤلاء عبد الله بن منيع، وسعد الخثلان، ويوسف الشبيلي.
ومن الشروط المذكورة:
- أن تكون الأراضي داخل النطاق العمراني.
- أن لا تكون الرسوم بمجرد تملك الأرض، المعروفة بضريبة التملك.
- أن تكون الرسوم قاصرة على المحتكرين من التجار لا على المحتاجين.
- أن يكون الغرض من الرسوم رفع الضرر لا الجباية([1]).
الاتجاه الثاني: المنع، وبهذا صدرت فتوى اللجنة الدائمة، وابن عثيمين.
الأدلة:
أدلة الجواز:
- النصوص المفيدة وجود حق في المال سوى الزكاة.
- الأصول والقواعد الشرعية تقضي بأن تصرفات ولي الأمر منوطة بتحقيق المصلحة.
- لفرض الرسوم أثر كبير في انخفاض أسعار الأراضي، والحد من ارتفاعها المبالغ فيه، والذي ترتب عليه ضرر على عامة الناس في أمر ضروري يتعلق بسكناهم.
- في فرض الرسوم معالجة جذرية لمشكلة احتكار الأراضي لفترات طويلة، وفي حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه: (لا يحتكر إلا خاطئ) [أخرجه مسلم (3/ 1228 رقم 1605)]، والاحتكار لا يختص بالطعام، وإنما هو حبس كل شيء يتضرر الناس بحبسه.
- القاعدة الشرعية: (يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)، وفي ذلك مصلحة لعامة الناس بانخفاض أراضي السكنى، وإن تضرر بذلك بعض تجار العقار.
- أفتى العلماء قديما كالجويني والغزالي والشاطبي بجواز توظيف الإمام على الأغنياء ما يكفي لسد الحاجة.
- أن الفقهاء على اختلاف مذاهبهم أقروا أنواعا من الرسوم بتسميات مختلفة، كما أقر عمر بن الخطاب رضي الله العشر على تجار أهل العرب، ومن تجار أهل الذمة نصف العشر، ومن تجار المسلمين ربع العشر([2]).
أدلة المنع:
- أنها من المكوس، والأصل حرمة الأموال وعصمتها وبراءة الذمة من الواجبات حتى يأتي الدليل الخاص على شغلها بوجوب مال معين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)، [أخرجه البخاري (5/ 177 رقم 4406)، ومسلم (3/ 1306 رقم 1679) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه]. وقال: (إن صاحب المَكْس في النار)، [أخرجه أحمد رقم (17464) من حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه]. وقال في المرأة التي زنت ثم تابت: (مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْس لغفر له)، [أخرجه مسلم (رقم 1695) من حديث بريدة رضي الله عنه في قصة رجم الغامدية]. وقال: (لا يدخل الجنة صاحب مكس)، [أخرجه أحمد (رقم 17294) وأبو داود (رقم 2937) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه]. قال النووي: المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها وصرفها في غير وجهها، وأدرج الذهبي المكوس في كتابه الكبائر.
- نقل ابن حزم الاتفاق على تحريم فرض وظائف مالية على السلع والتجار([3]).
- قرر ابن تيمية أن الوظائف السلطانية ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة ولا في سنة الخلفاء الراشدين، ولا ذكرها أهل العلم المصنفون للشريعة، ولا أصل لها في كتب الفقه والحديث والرأي
- السعي إلى خفض أسعار الأراضي ليس دليلا ولا مسوغا لجباية المال.
- المختصون في العقار يؤكدون أن فرض الرسوم لن يؤدي بالضرورة إلى علاج مشكلة ارتفاع أسعار الأراضي لعدة أسباب:
- أن الارتفاع له عدة أسباب منها أسباب طبعية وكسبية مفتعلة، فالعلاج يجب أن يتوجه لهذه الأسباب.
- أن فرض الرسوم لمجرد علاج هذه المشكلة قد يؤدي إلى تحميل المستهلك النهائي وهو الحلقة الأضعف في تدوال الأراضي للارتفاع؛ إذ إن تجار العقار سيرفعون الأسعار بسبب فرض الرسوم.
- لا يصح أن يطلق عليها رسوم؛ لأن الرسوم تكون مقابل خدمة مقدمة ونفع يستفيد منه الدافع، وإنما هي ضريبة.
- عدم انطباق الضرورة على رسوم الأراضي، فإن الضرورةَ التي يستباحُ بها المُحرَّمُ لا بدَّ أنْ يتحققَ فيها عدم إمكان دفع الضرورة إلا من هذا الطريق المحرم، وأن يتيقن اندفاع الضرورة بهذا المحرم.
- أن الضرائب عند من أجازها لا تحل إلا ذا صفر بيت مال المسلمين بأن لا تكون هناك موارد أخرى تستطيع الدولة بها أن تسير أعمالها، وأن يكون استثنائيا وتدبيرا مؤقتا([4])
الملاحق:
المجمع الفقهي الإسلامي:
قرار المجمع الفقهي بشأن زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني، من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ 22 – 28 ديسمبر 1985م.
بعد أن استمع المجلس لما أعد من دراسات في موضوع: “زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية”.
وبعد أن ناقش الموضوع مناقشة وافية ومعمقة، تبين:
أولا: أنه لم يؤثر نص واضح يوجب الزكاة في العقارات، والأراضي المأجورة.
ثانيا: أنه لم يؤثر نص كذلك يوجب الزكاة الفورية في غلة العقارات، والأراضي المأجورة غير الزراعية.
ولذلك قرر:
أولا: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة.
ثانيا: أن الزكاة تجب في الغلة، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض، مع اعتبار توافر شروط الزكاة، وانتفاء الموانع([5]).
([2]) غياث الأمم في التياث الظلم (ص: 267)، المستصفى (ص: 177)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (3/ 368) ذلك، نوازل الإسكان ص 78، فرض الرسوم على الأراضي يتفق مع الأصول والقواعد الشرعية.
ساعة حوار 12ـ11ـ1432هـ ـ غلاء الأراضي وحلول مونوبولي.
([3]) قال ابن حزم: (اتفقوا أنَّ المراصدَ الموضوعةَ للمغارمِ على الطرقِ وعند أبوابِ المدنِ، وما يؤخذُ في الأسواقِ منَ المكوسِ على السلعِ المجلوبةِ منَ المارَّةِ والتجارِ ظلمٌ عظيمٌ وحرامٌ وفسقٌ) مراتب الإجماع ، ص 203.
([4]) غياث الأمم في التياث الظلم (ص: 267)، المستصفى (ص: 177)، شرح النووي على مسلم (11/ 203)، جامع المسائل لابن تيمية – المجموعة الخامسة (ص: 394)، والكبائر للذهبي (ص: 115)، الحلول المقترحة لمشكلة الأراضي البيضاء.
صحيفة الاقتصادية، مخاوف من تحميل رسوم الأراضي البيضاء للمستهلك النهائي.
المخارج الفقهية لأزمة الإسكان، محمد السعيدي، الثلاثاء – 11 ذو القعدة 1439هـ 24 یولیو 2018م.
([5]) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، الدورة الحادية عشرة، ص 247
– مراتب الإجماع، ابن حزم الظاهري، طبعة دار ابن حزم، بيروت.
– غياث الأمم في التياث الظلم، أبو المعالي الجويني، تحقيق عبد العظيم الديب، نشر مكتبة إمام الحرمين، الطبعة: الثانية، 1401هـ.
– المستصفى، أبو حامد محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، نشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1413هـ – 1993م.
– جامع المسائل لابن تيمية، المجموعة الخامسة، تحقيق: محمد عزير شمس، دار عالم الفوائد- مكة المكرمة، الطبعة الأولى: 1424 هـ.
– قررات مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي، الطبعة الثانية.
– فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الأولى 23/ 489 رقم 4012).
– فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الأولى): جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، نشر: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء – الإدارة العامة للطبع – الرياض.
– لقاء الباب المفتوح، محمد بن صالح العثيمين، (اللقاء رقم 65).
– نوازل الإسكان دراسة فقهية تطبيقية، حسين بن سليمان بن راشد الطيار، رسالة دكتوراه في الفقه المقارن، المعهد العالي للقضاء 1435 – 1436 هـ.
– أحكام إخراج زكاة الأراضي، د. صالح بن محمد الفوزان، مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد 19: جمادى الآخرة/رمضان 1435هـ/2014م. ص 483- 524.
– الحلول المقترحة لمشكلة الأراضي البيضاء: https://almosleh.com/ar/index-ar-show-64460.html
– صحيفة الاقتصادية، مخاوف من تحميل رسوم الأراضي البيضاء للمستهلك النهائي: http://www.aleqt.com/2012/07/18/article_675385.html
– المخارج الفقهية لأزمة الإسكان، محمد السعيدي، الثلاثاء – 11 ذو القعدة 1439 هـ 24 یولیو 2018 م: http://www.mohamadalsaidi.com
– الحلول المقترحة لمشكلة الأراضي البيضاء، خالد المصلح: https://almosleh.com/ar/index-ar-show-64460.html