قسم العباداتباب الحج

طواف الحائض عند امتناع بقائها وامتناع رجوعها لمكة

مسألة رقم 151

صورة المسألة

أكثر الحجاج في هذه الأزمان يقدمون مكة مع حملات تنظم دخولها وخروجها في أوقات معينة ومدد محددة، كما أن الحجاج القادمين من خارج المملكة ملتزمون بتأشيرات خروج معينة لا يسعهم تجاوزها؛ أو رحلات طيران لا يستطيعون تغييرها.
فلو حصل للمرأة حيض مع امتناع بقائها حتى تطهر وامتناع عودتها إلى مكة بعد الطهر؛ فما حكم طوافها؟

حكم المسألة

اتفق الفقهاء على تحريم طوائف الحائض إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر.

واتفقوا على أن طواف القدوم والوداع لا يجبان على الحائض.

واتفقوا على استحباب انتظار الحائض إذا حاضت قبل الإفاضة حتى تطهر، ثم تطوف، ثم تنفر، ولكنهم اختلفوا في ما إذا امتنع رفقتها من انتظارها، وتعذر بقاؤها وحدها، وتعذر رجوعها بعد طهرها لمكة، هل يجوز لها أن تطوف للإفاضة وهي حائض، وهل يجزئ عنها ذلك؟ خلاف على ثلاثة أقوال([1]):

القول الأول: يجوز للحائض أن تطوف في هذه الحال على أن تتحفظ من الدم لكيلا يلوث المسجد، ولا فدية عليها.

وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن عثيمين.

واستدلوا بما يلي:

الدليل الأول: قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: 16]، وقوله ﷺ : (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) [البخاري (6858)، ومسلم (337)].

وجه الاستدلال: أن طواف الحائض مع التحفظ هو مدى استطاعتها في هذه الحالة، وإلا سيترتب على ذلك سقوط الركن، أو تكليفها بما لا تطيق، وكلاهما ممنوع شرعا، فلم يبق إلا أن تأتي بالركن على قدر استطاعتها.

 

الدليل الثاني: أن الطهارة شرط لصحة الصلاة بالإجماع، ومع ذلك تسقط مع العجز؛ فالطواف من باب أولى.

 

الدليل الثالث: أن السنة قد مضت بأنه يرخص للحائض ما لا يرخص للجنب؛ لطول مدة الحيض، مثل قراءة القرآن؛ لحاجتها إلى مراجعته، فكذلك الطواف.

 

الدليل الرابع: أما دليل عدم وجوب الفدية؛ فلأن الطهارة واجب يؤمر به؛ مع القدرة لا مع العجز؛ ولزوم الفدية يكون بترك المأمور أو فعل المحظور؛ وهذه لم تترك مأموراً ولم تفعل محظورا وفعلها من جنس اللبث في المسجد؛ وهذا يجوز للحاجة بلا فدية.

 

القول الثاني: للحائض أن تطوف في هذه الحالة ؛ وعليها فدية.

وهو مذهب الحنفية ورواية عن الإمام أحمد.

واستدلوا:

الدليل الأول: قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) [الحج: 29].

وجه الاستدلال: أن الله أمر بالطواف، وهو الدوران حول الكعبة وهو يتحقق من المحدث والطاهر.

 

الدليل الثاني: ما رواه عطاء، قال: (حاضت امرأة مع عائشة رضي الله عنها ؛ فأتمت بها عائشة طوافها) [المحلى 7/180].

وجه الاستدلال: دلالته على الجواز واضحة؛ إذ إن عائشة رضي الله عنها إنما أخذ الناس منع الحائض من الطواف من حديثها وهذا فعلها ويحمل على الحاجة.

 

الدليل الثالث: أما وجوب الدم فلأن الطهارة واجبة؛ ومن تركها فقد ترك واجبا من واجبات الحج؛ فعليه فدية لقول ابن عباس رضي الله عنهما : (من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما) [الموطأ (1/419)، الدارقطني (2/244)، البيهقي (5/30)].

 

القول الثالث: لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت مطلقا.

وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.

واستدلوا:

الدليل الأول: ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها حين حاضت، وفيه قول النبي ﷺ لها: (وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) [البخاري (299)، مسلم (1211)].

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ نهى عائشة رضي الله عنها عن الطواف حال حيضها، والنهي يقتضي الفساد.

 

الدليل الثاني: ما روته عائشة أن صفية بنت حيي رضي الله عنهما حاضت فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ فقال: (أحابستنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت؛ قال: فلا إذن) [البخاري (1670)، مسلم (1211)].

وجه الاستدلال: فيه دليل على أن الحائض لا تطوف؛ وإلا لما حبس النبي ﷺ عليها.


([1]) المبسوط (4/34-38)، بدائع الصنائع (2/129)، التمهيد لابن عبدالبر (8/215)، التفريع (1/339)، الحاوي (4/214)، المجوع (8/18)، المقنع شرح مختصر الخرقي (2/619)، المستوعب (4/216)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (26/176)، إعلام الموقعين (3/15).

المراجع

1. فتاوى ابن عثيمين (22/359).
2. النوازل في الحج للشلعان ص(310).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى