قد يبتلى بعض المرضى النفسيين بالوسوسة في الطلاق فتجده دائم التفكير هل طلق امرأته أو لا؟ ويخيل إليه في كل فعل أو قول أنه وقع منه الطلاق فيطول همه ويكثر تردده على المفتين ليسأل عن صحة عقد النكاح، وهل يقع طلاقه أو لا؟
لا يخلو الموسوس من أربع حالات:
الحالة الأولى: أن يتلفظ المريض بالوسوسة بصريح الطلاق قاصداً له فهنا يقع طلاقه، لأنه صادر من أهله وفي محله كغير الموسوس.
الحالة الثانية: أن ينوي المريض بالوسوسة الطلاق بقلبه من غير أن يتلفظ به أو يحدث به نفسه، فهنا لا يقع طلاقه بالاتفاق.
لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) [البقرة: 286]، ولقاعدة: لا عبرة بالتوهم.
الحالة الثالثة: أن يحدث المريض بالوسوسة نفسه بالطلاق من غير أن ينطق به وللفقهاء في هذه الصورة قولان:
القول الأول: أن الطلاق لا يقع من المريض بالوسوسة إلا بالقول ولا يقع بحديث النفس ما لم يتلفظ به، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وهي الرواية المشهورة عند المالكية([1]).
أدلة القول الأول:
1- قول الله تعالى: (رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) [البقرة: 286].
وجه الدلالة: أن الخواطر ليس في وسع المريض النفسي دفعها، بل هي أمر غالب عليه، فتكون معفواً عنها.
2- قول النبي : “إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تتكلم”. [البخاري (2528)، ومسلم (127)].
وجه الدلالة: دل الحديث على أن وساوس الصدر لا حكم لها، فلو تكلم الموسوس بالطلاق في صدره دون لسانه فهو غير واقع.
القول الثاني: أن طلاق المريض بالوسوسة يقع ولو لم يتلفظ به، وهذه رواية عند المالكية([2]).
ومن أدلة القول الثاني:
1- قول الله – تعالى –: ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) [البقرة: 284].
وجه الدلالة: أن المرء محاسب على ما يخفيه في نفسه ومن ذلك طلاقه.
2- حديث عمر رضي الله عنه : “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”.
وجه الدلالة: دل الحديث على اعتبار النيات، ومن ذلك المؤاخذة بالطلاق.
الحالة الرابعة: أن ينطق الموسوس بالطلاق ليرتاح من الوسوسة، وللفقهاء في هذا قولان:
القول الأول: أن طلاق الموسوس لا يقع إن نطق به ليرتاح من الوسوسة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية([3])، وما عليه كثير من المعاصرين.
فهو ما تفتي به اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وهو قول الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ محمد بن عثيمين –رحمهما الله- وعليه الفتوى في عدد من المواقع الإسلامية.
أدلة القول الأول:
1- حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله ﷺ : “لا طلاق ولا عتاق في إغلاق”. [أخرجه أبو داود (2193)، وابن ماجه (2046)، وأحمد (26360)، والبيهقي (15097)، والحاكم (2802)، وقال: هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه، وحسنه الألباني في الإرواء 7/113].
وجه الدلالة: بين النبي ﷺ عدم وقوع الطلاق حال الإغلاق وهو الإكراه، والموسوس مغلق عليه مكره لقوة الدافع وقلة المانع.
وقد بوب البخاري في صحيحه 7/45: “باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره لقول النبي ﷺ الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى وتلا الشعبي لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، وقال عقبة بن عامر لا يجوز طلاق الموسوس”أ.هـ مختصراً
2- أن مجرد التكلم بلفظ الطلاق ليس موجباً لوقوعه على أي حال كان بل لا بد من أمر آخر وراء التكلم باللفظ وهو القصد والإرادة.
القول الثاني: أن الموسوس إن نطق بالطلاق ليرتاح وعقله حال نطقه لزمه، وهو قول الإمام الشافعي وبعض الحنابلة([4]).
واستدلوا: بأنه طلاق من مكلف في محل يملكه فينفذ كطلاق غير الموسوس.
([1]) ينظر: بدائع الصنائع 3/100، حاشية ابن عابدين 3/272، الحاوي 10/150، مغني المحتاج 4/457،المغني 7/385، كشاف القناع 5/245، الكافي لابن عبدالبر 1/571، التاج والإكليل 5/307.
([2]) ينظر: التاج والإكليل 5/310، الكافي لابن عبدالبر 1/571، البيان والتحصيل 6/89.
([3]) ينظر: البحر الرائق 5/79، حاشية ابن عابدين 4/409، المدونة الكبرى 2/83، البيان والتحصيل 6/161.
([4]) الحاوي 10/150، مغني المحتاج 4/457،المغني 7/385، كشاف القناع 5/245.
– أحكام المريض النفسي في الفقه الإسلامي، د. خلود بنت عبدالرحمن المهيزع، دار الصميعي، ط1، 1434هـ/2013م، ص290 – 296.
– الموسوعة وأحكامها في الفقه، حامد بن مدة الجدعاني، تقريظ: الشيخ د. علي الدبيان، ود. طارق الحبيب، دار الأندلس الخضراء، ط2، 1422هـ/2002م، ص350.
– الشرح الممتع، للشيخ ابن عثيمين، 13/29.
– فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 11/17 – 18.
– فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء، 20/212 الفتوى رقم (15674) alifta.net.
– موقع إسلام ويب، مركز الفتوى (147855) (320125)
fatwa.islamweb.net
– طلاق الموسوس، الشيخ أحمد الزومان، موقع الألوكة alukah.net.
– فتوى إسلام أون لاين، هل يقع طلاق مريض الوسواس؟
fatwa.islamonline.net
– موقع الإسلام سؤال وجواب (127870) (62839) (105994) Islamqa.info
– موقع طريق الإسلام، هل يقع طلاق الموسوس، خالد عبدالمنعم الرفاعي Ar.islamway.net