طريقة الصعق الكهربائي تكون بتسليط التيار على الموضع الملائم من رأس الحيوان، فإذا حصل ذلك حصل للمخ صدمة عصبية يفقد الحيوان على أثرها الوعي، وقد تكون قاتلة إن كان الضغط الكهربائي أعلى مما يطيقه الحيوان، فإذا كانت ضعيفة فإنها لا تفقد الحيوان الوعي، ويتعذب الحيوان بها.
للفقهاء المعاصرين تفصيل في المسألة وضوابط كالتالي:
أولا: الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء المعاصرون بما يلي:
- أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي القذالي (القفوي).
- أن يتراوح الفولط ما بين (100-400 فولط).
- أن تتراوح شدة التيار ما بين (0.75 إلى 1.0 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2 إلى 2.5 أمبير) بالنسبة للبقر.
- أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين (3 إلى 6 ثوان).
ولا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.
كما لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية؛ لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.
ولا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته.
ثانيا: إن كان صعق الذبيحة بضرب رأسها أو تسليط تيار كهربائي عليها مثلاً فماتت من ذلك قبل أن تذكى فهي موقوذة لا تؤكل، ولو قطع رقبتها أو نحرها في لبتها بعد ذلك، وقد حرمها الله تعالى في قوله: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الآية [المائدة: ٣], وقد أجمع علماء الإسلام على تحريم مثل هذه الذبيحة.
وإن أدركت حية بعد صعقها بما ذكر ونحوه وذبحت أو نحرت جاز أكلها؛ لقوله تعالى في آخر هذه الآية بالنسبة للمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع: ( إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) [المائدة:3] فاستثنى سبحانه من هذه المحرمات ما أدرك منها حيًّا وذكي، فيؤكل؛ لتأثير التذكية فيه، بخلاف ما مات منها بالصعق قبل الذبح أو النحر، فإن التذكية لا تأثير لها في حله، وبهذا يعلم أن القرآن حرم ما يصعق من الحيوانات إذا مات بالصعق قبل تذكيته؛ لأن المصعوقة موقوذة، وقد بين الله في آية المائدة تحريمها إلا إذا أدركت حية وذكيت بذبح أو نحر.
ثالثا: يحرم صعق الحيوان بضرب أو تسليط كهرباء أو نحوهما عليه؛ لما فيه من تعذيبه، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن إيذائه وتعذيبه، وأمر بالرفق والإحسان مطلقًا، وفي الذبح خاصة، فقد روى عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا» رواه مسلم (1957)..
وعن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتل شيء من الدواب صبرًا» [مسلم (1959)].
وعن شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» [مسلم (1955)].
فإن كان لا يتيسر ذبح الحيوان أو نحره إلا بعد صعقه صعقًا لا يقضي عليه قبل ذبحه أو نحره جاز صعقه ثم تذكيته حال حياته؛ للضرورة، وإن كان لا يتيسر تذكيته إلا بما يقضي على حياته كان حكمه حكم الصيد يرمى بما ينفذ فيه من سهم أو رصاص أو نحوهما، لا بخنق ولا بكهرباء أو نحوهما، فإن أدرك حيًّا ذكي، وإلا كانت إصابته بما رمي به ذكاة له, فعن عبد الله بن مغفل -رضي الله عنه-: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الخذف، وقال: إنها لا تصيد صيدًا ولا تنكأ عدوًا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين» [البخاري(5162)، ومسلم(1954)].
وعن رافع ابن خديج -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة، قال: وأصبنا نهب إبل وغنم، فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فإذا ند عليكم منها شيء فافعلوا به هكذا» [البخاري (5179)، ومسلم (1968)], وعن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيًّا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله تعالى، فإن غاب عنك يومًا فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل» [البخاري (173)، ومسلم(1929) ].
وعن عدي بن حاتم -رضي الله عنه- قال: «سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيد المعراض، فقال: إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل» [البخاري(5158)].
وعلى القائمين على الذبح منع القسوة على الحيوان, وأن يترفقوا بالحيوانات التي يراد ذبحها، فلا يضربوها في رأسها، ولا يسلطوا عليها تيارًا كهربائيًّا مثلاً، ولا يسمحوا لأحد أن يفعل ذلك بالحيوانات عند تذكيتها بذبح أو نحر إلا إذا لم يمكن تذكيته إلا رميًا يضبطه ويمكن من تذكيته، كربطه بحبال ونحوها، فإن لم يمكن ذلك طعن أو رمي بما ينفذ فيه ليكون ذكاة له إذا لم يدرك حيًّا بعد رميه أو طعنه؛ لما سبق من الأحاديث، ولقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [التغابن: ١٦].
1. أحكام الذبائح واللحوم المستوردة, عبدالله بن محمد الطريقي, ص(334).
2. الأطعمة وأحكام الصيد، للشيخ صالح الفوزان ص(154-166).
3. فتاوى اللجنة الدائمة، الفتوى رقم: (1665) 22/455.
4. قرارات المجمع الفقهي الإسلامي, الدورة العاشرة, القرار رقم (4), (هـ 1408).
5. مجلة الجامعة الإسلامية، العدد 3 عام 1393هـ
6. مجلة المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، قرار رقم: (95).
7. مجمع الفقه الإسلامي بالهند، قرار رقم: (32).
8. مجموع فتاوى ابن باز 23/82.
9. الممارسات المستحدثة للذبح في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، د. محمد عبد الحليم عمر ص27.
10. نوازل الحيوان, عاصم أبا حسين, 320.