سندات المقارضة: أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة، ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصًا شائعة في رأس مال المضاربة، وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه، ويقوم طرف ثالث كالحكومة بضمان رأس المال.
وهي تجمع بين خصائص شهادات الوحدة الاستثمارية المبنية على عقد المضاربة، وخصائص شهادات القيمة الاسمية المبنية على عقد القرض.
وقد ظهرت فكرة سندات المقارضة: لإيجاد بديل شرعي لسندات القرض الربوية، وذلك أثناء وضع مشروع البنك الإسلامي الأردني خلال عام 1397هـ من ابتكار د. سامي حمود.
للعلماء تخريجان لسندات المقارضة:
التخريج الأول: أنه عقد مضاربة، يجوز بشروطه، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي، وهو قول بعض الباحثين.
الأدلة:
- سندات المقارضة تمثل حصصًا شائعة في رأس مال المضاربة، فحكمه حكم المضاربة.
- أن أركان عقد المضاربة قد تحققت في هذه السندات (رب المال)، و(المضارب)، و(رأس المال)، والجديد في هذه المعاملة هو تقسيم رأس المال إلى وحدات متساوية القيمة الاسمية لأجل تسهيل تداول هذه الحصص دون الحاجة إلى تصفية المشروع محل الاستثمار.
- أن في عقد المضاربة يدفع المضارب ماله للعامل ليستثمره على أن يكون الربح بينهما بالنسبة التي يتم الاتفاق عليها، وكذلك الحال في سندات المقارضة إذ يدفع مالكو هذه السندات أموالهم لجهة الإصدار على أن تستثمرها، ويكون الربح بينهما.
- في عقد المضاربة للمضارب الحق باستعادة رأس ماله بزيادة الربح الذي يستحقه، أو يخصم الخسارة التي وقعت، وكذلك استرداد مالكي سندات المقارضة موالأموالهم حين يقتضيه العقد.
- لا يتحمل المضارب الخسارة، وإنما الذي يتحملها طرف ثالث منفصل في ذمته عن طرفي العقد قد وعد بالتبرع بلا مقابل، كالحكومة مثلا، وقد أجاز الشارع التبرع بالمال، فالتبرع بضمان المال أولى.
- لا يجب في المضاربة توزيع الربح بكامله، بل يوزع بحسب الاتفاق بين المضارب ورب المال.
- الغرض من هذه السندات غرض استثماري بمضاربة، فهي تصدر بغرض تمويل مشروع أو عدة مشروعات بخلاف شهادات الاستثمار الربوية التي تصدر بهدف الاقتراض الصريح على أساس الالتزام بدفع فائدة محددة حسب أسعار الأسواق العالمية.
- أن في تكييفها على أساس المضاربة توسيعا لدائرة الأدوات المالية الاستثمارية بما لا يتعارض مع القواعد الشرعية.
التخريج الثاني: أنه عقد قرض، يحرم التعامل به، وهذا اختيار عبد الله بن منيع، ورفيق المصري، ويوسف الشبيلي.
الأدلة:
- ما فيه من ضمان رأس المال على المضارب، الذي هو أصلاً لا يقع عليه ضمان، ولا يجوز بالإجماع اشتراط الضمان عليه إلا إذا تعدى أو فرط، قال ابن قدامة: “متى شرط على المضارب ضمان المال، أو سهما من الوضيعة، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا”([1]).
- ما فيه من ضمان ربح مقطوع، أو منسوب إلى رأس المال.
- أن هذه السندات في حقيقتها عقد قرض، اشترط فيه المقترض للمقرض زيادة على ما اقترضه منه، ووثق هذا العقد بكفيل، فهو استقراض أموال من المكتتبين، والتعهد بإرجاعها لهم على التدريج مع زيادة سنوية تسمى ربحًا.
- لو كانت هذه السندات مشاركات وليست قروضا لكان التسديد بقيمتها وقت السداد لا بقيمتها الاسمية، لأن الشركاء يملكون صافي موجودات المشروع؛ أي لهم حق عيني على الموجودات، وما يطرأ عليها من أرباح أو خسائر رأس مالية، والظاهر أن مالكي سندات المقارضة ليس لهم إلا حق نقدي اسمي في ذمة الطرف الآخر، وهذا مركز الدائن لا مركز الشريك.
- أن طريقة توزيع الأرباح في هذه السندات لا تتماشى مع قواعد المضاربة، وذلك من وجهين:
- أن المعروف في عقد المضاربة أن يوزع الربح بكامله بين أرباب المال والمضارب، كل على حسب نسبته، في حين أن في هذه السندات يخصص جزء من الأرباح المستحقة لمالكي السندات لتسديد أصل قيمة السند، وهو ما يعرف بإطفاء السندات، وهذا فيه ظلم بين، فإن مالكي السندات يستحقون ربحهم كاملًا مع بقاء أصل مالهم في الشركة، فكيف تخصم هذه الأرباح من رؤوس أموالهم.
- أن محل القسمة في المضاربة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال، وليس الإيراد، أو الغلة، ويعرف مقدار الربح إما بالتنضيض، أو بالتقويم، وما زاد عن رأس المال فهو الربح الذي يوزع وفقًا لشروط العقد، لكن في هذه السندات يوزع الإيراد السنوي كما نص على ذلك القانون الخاص بسندات المقارضة.
- أن تجويزهم للحكومة ضمان أصل المال على أنه من باب الوعد الملزم، هو من قلب الحقائق؛ لأن الكفيل لا يضمن ما ليس مضمونا على الأصيل، ولو جوزنا للحكومة ذلك فما الذي يمنع كذلك فيما بعد من كفالتها لقدر معين من الربح؟ وعندئذ ماذا يبقى من فرق بين سندات المقارضة وسندات القروض الربوية؟ وبذا يفتح باب الربا على مصراعيه، وتقبل كل الفوائد الربوية على أنها وعد ملزم([2]).
الملاحق:
قرار مجمع الفقه الإسلامي:
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير)1988م، بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع سندات المقارضة وسندات الاستثمار … قرر ما يلي:
أولاً: من حيث الصيغة المقبولة شرعاً لصكوك المقارضة:
- سندات المقارضة هي: أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه، ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية صكوك المقارضة.
- الصورة المقبولة شرعاً لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول: أنَّ يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته. وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها، مع ملاحظة أنَّ الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني: يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أنَّ شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار وأنَّ الإيجاب يعبر عنه الاكتتاب في هذه الصكوك، وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة. ولابد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاً في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.
العنصر الثالث: أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بع انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذوناً فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
- إذا كان مال القراض المجتمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقوداً فإنَّ تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتُطبق عليه أحكام الصرف.
- إذا أصبح مال القراض ديوناً تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام التعامل بالديون.
- إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع. أما إذا كان الغالب نقوداً أو ديوناً فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة. وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصولياً في سجلات الجهة المصدرة.
العنصر الرابع: أنَّ من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة، ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك، فهو رب مال بما أسهم به، بالإضافة إلى أنَّ المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار، وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس. وأنَّ يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول: يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية، إن وجدت، بالضوابط الشرعية، وذلك وفقاً لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة، وفقاً لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.
- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمناً بَطَلَ شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.
- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقاً أو مضافاً للمستقبل، وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعداً بالبيع وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضا الطرفين.
- لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصاً يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلاً، ويترتب على ذلك:
- عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
- أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند النقيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقاً لشروط العقد.
- أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلناً وتحت تصرف حملة الصكوك. 7
- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة، وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيراداً أو غلــة فإنه يجوز أن توزع غلته، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
- ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.
- ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أنَّ هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد ([3]).
هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية: المعيار الشرعي رقم (17):
صكوك الاستثمار: وثائق متساوية القيمة تمثل حصصاً شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله”. وبهدف تحديد ماهية الصكوك على نحو دقيق يفرق بينها وبين بقية الأوراق المالية وكما يتضح من الآتي:
التفريق بين الصكوك الإسلامية والسندات: تمثل السندات التقليدية ديوناً تستحق لحاملها في ذمة مصدرها (المقترض) بقيمة القرض زائداً الفوائد المترتبة عليه، وتتيح العلاقة الدَينية للدائن الأولوية في استيفاء حقه من المشروع في حال التصفية أو التفليس. ومثل هذه السندات لا يجوز إصدارها وتداولها لقيامها على أساس الربا.
وفي صورة أخرى للسندات تم توريق الديون الربوية المستقرة في ذمة المدينين وجعلت أوراقاً قابلة للتداول في الأسواق المالية. وهذا هو الآخر أمر مرفوض؛ فقد جاء بشأن بيع الدين الصحيح مطلقاً: “لا يجوز توريق (تصكيك) الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية؛ لأنه في معنى حسم الأوراق التجارية” (المجمع الفقهي: القرار الأول، الدورة 16 لسنة 1422هـ، البند ثالثاً).
وواضح أن هدف توريق الديون هو حصول أصحاب هذه الديون على السيولة، وارتباح المشاركين من المتاجرة بهذه الأوراق، وهذا أمر مختلف عن التسنيد الربوي الذي عرف تقليدياً، وكان هدفه حشد التمويل للاستثمار الحقيقي عبر الاقتراض غير المباشر.
وأما صكوك الاستثمار الإسلامية فينبغي أن تقوم على أساس العقد المسمى الذي صدرت بموجبه لا على أساس القرض الربوي ولا على أساس توريق الدين، وبالتالي فلا مورد لضمان عائد معين للصك ولا ضمان لقيمته أصلاً لأنها ترتبط بقيمة الموجودات التي تمثلها، فإن حصل الربح كان لحامل الصك نصيبه منه. وليس لحامل الصك الأولوية في حال التصفية أو التفليس إنما هو في مركزه غريم مكافئ لبقية الغرماء (هيئة المحاسبة: 313). وتداول صكوك الاستثمار الإسلامية رهين بطبيعة الموجودات التي تمثلها تلك الصكوك وبطبيعة العقد الذي صدرت بموجبه.
([1]) المغني لابن قدامة (5/49).
([2]) مجلة مجمع الفقه الإِسلامي (ع 4 ج 3 ص 1825، 1951)، الخدمات الاستثمارية في المصارف للشبيلي (1/ 361، 362، 364)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (13/365، 369).
1. مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد الثاني، العدد الثالث.
2. المعايير الشرعية، النص الكامل للمعايير الشرعية التي تم اعتمادها حتى 1439 هـ نوفمبر 2017م. هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
3. بحوث في قضايا فقهية معاصرة: القاضي محمد تقي العثماني بن الشيخ المفتي محمد شفيع. ط. دار القلم – دمشق، الطبعة: الثانية، 1424هـ – 2003 م.
4. المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، دبيان الدبيان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض- المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1432هـ.
5. العمولات المصرفية، حقيقتها وأحكامها الفقهية، عبد الكريم بن محمد السماعيل، دار كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الثانية: 1432 هـ / 2011 م.