أكثر الأنظمة الدولية تنص على أن التداوي حق شخصي، لا يمكن إجبار المريض عليه إذا كان كامل الأهلية، ولكن هل هناك حالات يسقط فيها الإذن؟
تكاد تتفق كلمة الفقهاء المعاصرين على أن الإذن في المعالجة يسقط في عدة حالات منها:
– الحالات الخطرة التي تهدد حياة المريض بالموت,أو تهدد بتلف عضو من أعضائه,ويكون فيها فاقدًا للوعي,أو أن حالته النفسية لا تسمح بأخذ إذنه,ولا يكون وليه حاضرًا لأخذ الأذن منه.
– الحالات التي تقتضي المصلحة العامة معالجتها,كالأمراض السارية المعدية والتي يشتد خطرها على المجتمع,مراعاة للمصلحة العامة.
– الحالات اليسيرة للصغار عندما يكون العرف السائد يقتضي ذهابهم دون إذن ولي أمرهم إلى طبيب الوحدة الصحية المدرسية,ونحوها مما يتسامح به الناس في العادة.
– المريض المشرف على الهلاك,ولا يمكن أخذ إذنه,ويمكن معالجته ويحتمل بقاؤه حيًا بسبب هذه المعالجة، كمثل حوادث السيارات-طب الطوارئ- ففي هذه الحالة يجب على الطبيب مباشرة العلاج دون استئذان وذلك لإنقاذ هذا المريض من الموت.وقد أشار إلى ذلك مجمع الفقه الإسلامي الدولي وأصدر قرارابرقم 184(10/19) في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقةمن 1 إلى 5 جمادى الأولى بشأن الإذن في العمليات الطبية المستعجلة، كما قرر أنه:
يقصد بالحالات المستعجلة: الحالات المرضية التي تستدعي إجراء عمل علاجي أو جراحي دون أي تأخير نظرا لخطورة الوضع الصحي الذي يعاني منه المريض إنقاذا لحياته أو منعا لتلف عضو من أعضائه من مثل:
أ- الحالات التي تتطلب إجراء ولادة قيصرية إنقاذا لحياة الأم أو الجنين أو هما معا كما في حالة التفاف الحبل السري وحالة التمزق الرحمي عند الأم أثناء الولادة.
ب- الحالات التي تتطلب إجراء جراحية ضرورية كما في حالة الزائدة الملتهبة.
ج- الحالات التي تتطلب إجراء علاجيا معينا من مثل غسيل الكلى ونقل الدم.
- إذا كان المريض كامل الأهلية وتام الوعي ولديه قدرة علىالاستيعاب واتخاذ القرار دون إكراه وقرر الأطباء أن حالته مستعجلة وأن حاجته لإجراء علاجي أو جراحي أصبحت أمرًا ضروريًا فإن إعطاء الإذن بعلاجه واجب شرعًا يأثم المريض بتركه.
- يجوز للطبيب إجراء التدخل العلاجي اللازم إنقاذًا لحياة المريض استنادًا لأحكام الضرورة في الشريعة.
- إذا كان المريض ناقص الأهلية ورفض وليه إعطاء الإذن الطبي لعلاجه في الحالات المستعجلة فلا يعتد برفضه، وينتقل الحق في الإذن إلى ولي الأمر أو من ينيبه من الجهات المختصة في الدولة.
- إذا كانت الجراحة القيصرية ضرورية لإنقاذ حياة الجنين أو الأم أو هما معًا ورفض الزوجان أو أحدهما الإذن بذلك، فلا يعتد بهذا الرفض، وينتقل الحق بذلك إلى ولي الأمر أو من ينيبه في إجراء هذه الجراحة.
- يشترط للتدخل الطبي في الحالات المستعجلة ما يأتي:
أ) أن يشرح الطبيب للمريض أو وليه أهمية العلاج الطبي وخطورة الحالة المرضية والآثار المترتبة على رفضه وفي حالة الإصرار على الرفض يقوم الطبيب بتوثيق ذلك.
ب) أن يقوم الطبيب ببذل جهد كبير لإقناع المريض وأهله للرجوع عن رفضه للإذن تفاديًا لتردي حالته.
ج) يتولى فريق طبي لا يقل عن ثلاثة أطباء استشاريين -على ألا يكون الطبيب المعالج من بينهم- التأكد من تشخيص المرض والعلاج المقترح له مع إعداد محضر بذلك موقع عليه من الفريق، وإعلام إدارة المستشفى بذلك.
د) أن تكون المعالجة مجانية، أو تقوم إحدى الجهات المحايدة بتقدير التكلفة.
وجاء في قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (رقم 191 وتاريخ 26/5/1404) ما يلي: ” لا تجوز عملية جراحية إلا بإذن المريض”.
ترتيب الأولياء في الإذن: يكون ترتيب الأولياء في الإذن بحسب قرابتهم من المريض فالأقرب أولى من الأبعد,كما هو الترتيب في الإرث بناء على قوة التعصيب.
ويستثنى تقديم ولاية الزوج لزوجته عند الحاجة – كما لو أغمي عليها – على جميع الأقارب لما ورد من النصوص بشأن عظم حق الزوج وتقديم أمره على غيره، ولأن له ولاية على هذه الزوجة.
انتهاء الإذن الطبي:
ينتهي الإذن الطبي فيالحالات التالية:
– عند انتهاء مدته,فما بعد المدة المأذون فيها يحتاج إلى إذن جديد.
– إذا شفي المريض من الداء المعالج,فالشفاء علامة انتهاء الإذن الطبي.
– الموت,فإذا توفي المريض انتهى الإذن بعلاجه.
– إذا انتفت الأهلية عن الإذن كما لو جُن جنونًا مطبقًا,فلا يصح إذنه حينئذ,ووجوده كعدمه.
وقد أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في الدورة (7) القرار رقم 67(5/7 ) وتضمن مايلي بخصوص إذن المريض:
أ- يشترط إذن المريض للعلاج إذا كان تام الأهلية، فإن كان عديم الأهلية أو ناقصها اعتبر إذن وليه حسب ترتيب الولاية الشرعية ووفقًا لأحكامها التي تحصر تصرف الولي فيما فيه منفعة المَوْلِيّ عليه ومصلحته ورفع الأذى عنه.
على ألا يُعتدّ بتصرف الولي في عدم الإذن إذا كان واضح الضرر بالمُولَّى عليه، وينتقل الحق إلى غيره من الأولياء ثم إلى ولي الأمر.
ب- لولي الأمر الإلزام بالتداوي في بعض الأحوال، كالأمراض المعدية والتحصينات الوقائية.
ج- في حالات الإسعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر لا يتوقف العلاج على الإذن
د – لابد في إجراء الأبحاث الطبية من موافقة الشخص التام الأهلية بصورة خالية من شائبة الإكراه – كالمساجين – أو الإغراء المادي – كالمساكين – ويجب أن لا يترتب على إجراء تلك الأبحاث ضرر.
كما أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة القرار في الدورة (18) القرار رقم 172(10/18 ) وتضمن مايلي:
أولا: يجوز اتخاذ التدابير والإجراءات الطبية اللازمة في الحالات الإسعافية (طب الطوارئ ) دون حاجة إلى أخذ موافقة المريض أو وليه في الحالات التالية:
أ-وصول المريض في حالة إغماء شديد أو في حالة يتعذر الحصول معها على الموافقة قبل التدخل.
ب-أن المريض في حالة صحية خطرة تعرضه للموت تتطلب التدخل السريع قبل الحصول على الموافقة.
ج- ألا يوجد مع المريض أي من أقاربه الذين لهم حق الموافقة مع ضيق الوقت.
ثانيا: يشترط للتدخل الطبي في مثل تلك الحالات:
1-أن يكون العلاج مقرا من الجهات الصحية المختصة ومعترفا به.
2-ضرورة وجود طبيب اختصاصي في فريق لا يقل عن ثلاثة أطباء للموافقة على التشخيص والعلاج المقترح، مع إعداد محضر بذلك موقع عليه من الفريق.
3-ضرورة أن تكون الفوائد المتوقعة من العلاج تفوق أضراره مع تقليل المخاطر قدر الإمكان.
4-بعد إفاقة المريض على الطبيب شرح التفاصيل الكاملة له.
5-أن تكون المعالجة مجانية، وإذا كانت لها تكاليف فتحدد من جهة متخصصة محايدة.
1.قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في الدورة (7) رقم67(5/7 ) (مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع (3/731 ).
2. قرار هيئة كبار العلماء في السعودية رقم 191وتاريخ(26 / 5 / 1404)
3.قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي القرار في الدورة (18) القرار رقم 172(10/18 )
4.قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي القرار في الدورة (19) القرار رقم 184(10/19 )
5.أحكام الإذن الطبي، د.عبد الرحمن بن أحمد الجرعي،بحث منشور في مجلة الحكمة-بريطانيا في العدد(29) عام1424.
6-أحكام الجراحة الطبية، د.محمد الشنقيطي،رسالة دكتوراه.مكتبة الصحابة – جدة
7. أحكام الإذن في التداوي وأثره وتطبيقاته القضائية، لحسن آل نحيلة،بحث تكميلي لمرحلة الماجستير، المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض
8. المسائل الطبية في ضوء الشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه، د. محمد النتشة،من منشورات مجلة الحكمة، بريطانيا، 1422.
9. المسؤولية الطبية وأخلاق الطبيب,د. محمد علي البار,دار المنارة للنشر والتوزيع,ط.1 1416.
10. الإذن في العمــــليات الجــــراحيــة المستعجلة وغير المستعجلة فيضــوء الفقــه الإســلامي والنظـم الوضعيـة،د.أسامة الشيخ، بحثمنشور في مجلة الأصول والنوازل العدد الثالث، محرم 1431.
11. الإذن في العمليات الطبية والجراحية المستعجلة،د: هاني الطعيمات، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الدولي، الدورة التاسعة عشرة، بإمارة الشارقة- الإمارات العربية المتحدة
12. الإذن في إجراء العمليات الطبيّة: أحكامه وأثره،د.هاني بن عبدالله بن محمد بن جبير.بحث منشور في موقع المسلم almoslim.net
13. الإذن الطبي – دراسة فقهية، إعداد ملاك محمد السديس، رسالة ماجستير مقدمة لكلية الشريعة – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.