سفر المرأة للحج في الطائرة بدون محرم

اختلف العلماء المعاصرون في حكم سفر المرأة للحج بالطائرة من دون محرم, على اتجاهين:

الاتجاه الأول: لا يجوز للمرأة السفر بالطائرة من دون محرم لحج ولا لغيره. وهو قول ابن سعدي([1])، وابن باز([2])، وابن عثيمين([3])، وابن فوزان([4]).

واستدلوا بما يلي:

أولاً: الأدلة التي منعت المرأة من السفر دون محرم, ومنها:

حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم). [البخاري (1038), ومسلم (1338)]. وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ: (لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها أو ذو محرم) [البخاري (1139), ومسلم (728)]. وحديث أبي هريرةرضي الله عنه : (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة؛ ليس معها حرمة) [البخاري (1038), ومسلم (1339)].

قالوا: هذه الأحاديث صريحة في منع المرأة من كل سفر حج أو غيره قريب أو بعيد, واجب أو مستحب, إلا إذا كان معها محرم.

 

ثانياً: ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أنه سمع النبي ﷺ يقول: (لا يخلوا رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم. فقام رجل وقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا, وخرجت امرأتي حاجة, قال: اذهب فحج مع امرأتك). [البخاري (3006) ومسلم (1341)].

حيث إن النبي ﷺ أمر الرجل أن يسافر محرماً لزوجته؛ مع أنه قد وجب عليه الجهاد بالاستنفار, ولولا وجوب المحرم لم يأمره بترك الواجب.

 

ثالثاً: ما يترتب على سفر المرأة دون محرم من محاذير وأخطار قد تعترض لها فلا يؤمن عليها من التحرش بها والاعتداء عليها إذا لم يكن معها محرم.

وما يكتنف السفر بالطائرة من احتمال تأخر إقلاعها واحتمال تغيير مسارها وهبوطها في جهة أخرى مما يجعلها عرضة للأخطار.

 

الاتجاه الثاني: يجوز للمرأة السفر بالطائرة دون محرم ويدخل في ذلك جواز سفرها للحج دخولاً أولياً. وهو قول ابن جبرين([5])،وقياس قول شيخ الإسلام ابن تيمية اعتباراً بالرفقة المأمونة وأمن الطريق. ويستدل لهذا القول بما يلي:

أولاً: أن الطائرة تقاس في حقيقتها على القافلة العظيمة, وقد ورد في نصوص بعض أهل العلم أن اشتراط المحرم أو الرفقة الآمنة إنما هو في حال الانفراد أو العدد اليسير, أما القوافل العظيمة فهي كالبلاد يصح فيها سفر المرأة بدون محرم, بل نفى الحطاب الخلاف في ذلك؛ حيث يقول: (إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عدد وعُدد أو جيش مأمون من الغلبة والمحلة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير محرم في جميع الأسفار الواجب منها, والمندوب, والمباح من قول مالك وغيره)([6]).

ثانياً: أن أغلب الأسفار بالطائرة لا تستغرق وقتاً طويلاً, فساعة أو بضع ساعات قد لا تسمى سفراً أصلاً؛ لأن السفر هو الذي يسفر عن أخلاق الرجال؛ فلا ينطبق على المدة القصيرة.

ثالثاً: أن السفر بالطائرة ليس كالسفر في الأزمنة الماضية محفوفاً بالمخاطر, لما فيه من طول المسافة وخوف الطريق.

حيث إن الطائرة يجتمع فيها الناس, ويمتنع فيها الانفراد بالمرأة فينتفي المحذور.

رابعاً: أن ما ذكر من تحريم سفر المرأة من دون محرم إنما حُرِّم سداً للذريعة؛ وقد نصت القاعدة الشرعية: أن ما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة، والمرأة قد لا يتوفر لها المحرم لسفرها مع حاجتها إليه, فيجوز سفرها من دون محرم, خاصة إذا انتفت المحاذير أو ضيقت مصادرها كما هو الحال في السفر بالطائرة.

---

([1]) الأجوبة السعدية عن المسائل الكويتية ص(199).

([2]) موقع الشيخ ابن باز على الانترنت قسم الفتاوى بعنوان: حكم سفر المرأة في الطائرة بدون محرم

([3]) فتاوى ابن عثيمين (2/192).

([4]) فتاوى ابن فوزان على موقعه: http://www.alfawzan.af.org.sa

([5]) موقع الشيخ ابن جبرين, فتوى رقم(46).

([6]) في مواهب الجليل (3/492).

وينظر أيضا: المبسوط (4/111), بدائع الصنائع (2/123), المغني (5/31), كشاف القناع (2/394), شرح العمدة (2/174), الحاوي الكبير (4/364), اختيارات ابن تيمية للبعلي ص(115), المجموع (8/243).