سفر المرأة بالطائرة دون محرم
مسألة رقم 78
ركوب المرأة بالطائرة للسفر من مدينة إلى أخرى قريبة أو بعيدة دون أن يصحبها أحدٌ من محارمها.
للفقهاء المعاصرين اتجاهان في المسألة:
الاتجاه الأول: المنع, وممن أفتى بذلك اللجنة الدائمة, والشيخ عبدالعزيز بن باز, والشيخ محمد بن عثيمين, حيث قالوا:
- الشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن مقاصدها الضرورية المحافظة على الأنساب والأعراض، وقد ثبت في الكتاب والسنة ما يدل دلالة واضحة على سد الذرائع التي تفضي إلى اختلاط الأنساب، وانتهاك الأعراض، كتحريم خلوة المرأة بأجنبي، وتحريم إبدائها زينتها لغير زوجها ومحارمها، ومن في حكمهم ممن ذكرهم الله تعالى في سورة النور، كالأمر بغض البصر، وتحريم النظرة الخائنة، ومن الذرائع القريبة التي قد تفضي إلى الفاحشة، واختلاط الأنساب، وهتك الأعراض، سفر المرأة دون من فيه صيانة لها في اعتبار الشرع من زوجها أو أحد محارمها، فكان حرامًا؛ لما ثبت عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا ومعها ذو محرم) [البخاري (1086) ومسلم (1338)], وعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك) [البخاري (1763) ومسلم (1341)]، وورد في بعض الروايات التقييد بيوم، وفي بعضها التقييد بليلة، وفي بعضها التقييد بثلاثة أميال، وفي بعضها بيومين، والتحديد بذلك ليس بمراد، وإنما هو تعبير عن أمر واقع، فلا يعمل بمفهومه، ثم هو مفهوم عدد معارض بمنطوق حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وما في معناه, فلا يعتبر، وإنما يعتبر ما ثبت من الإطلاق في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو واضح في أن المرأة منهية عن كل ما يسمى سفرًا إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها، سواء كان قليلاً أم كثيرًا، وسواء كانت شابة أم عجوزًا، وسواء كان السفر برًّا أم بحرًا أم جوًّا، ومن خالف في ذلك فخص النهي بالشابة أو قيده بما ذكر من التحديد في بعض الأحاديث، أو بما إذا كانت الطريق غير مأمونة، أو اكتفى بالرفقة الثقاة المأمونة، فقوله مردود بعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه منطوق، فيقدم على مفهوم العدد في الأحاديث الأخرى.
- أن الخطرعلى المرأة حاصل حتى في الطائرة، فالرجل الذي أراد أن تسافر امرأته بالطائرة، سيبقيها في صالة المطار دون محرم، وعلى فرض أن الرجل بقي معها حتى أدخلها الطائرة، وأقلعت، فقد ترجع الطائرة أثناء الطريق، وقد ترجع لخلل فني، أو للأحوال الجوية، ولو أنها استمرت في سيرها ووصلت إلى المدينة التي ستهبط فيها، ولكن المطار صار مشغولاً أو صارت أجواء المطار غير صالحة للهبوط، ثم انتقلت الطائرة إلى مكان آخر، فهذا محتمل، ولنفرض أن الطائرة أقلعت في الوقت المحدد، وهبطت في المطار المحدد، ولكن المحرم الذي كان ينتظرها لم يحضر بسبب طارئ حدث له, وقد يكون إلى جوار المرأة وهي في الطائرة رجل، وهذا الرجل قد يكون من أخوَن عباد الله يضحك إليها، ويتحدث إليها ويمزح معها، ولذلك تتضح الحكمة العظيمة في نهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن سفر المرأة بلا محرم بدون تفصيل، وبدون تقييد.
الاتجاه الثاني: الجواز بضوابط وشروط, وإليه ذهب بعض فقهاء العصر, وقالوا: لا بأس عند المشقة على المحرم، كالزوج أو الأب إذا اضطرت المرأة إلى السفر ولم يتيسر للمحرم صحبتها فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار، فلا يفارقها حتى تركب في الطائرة، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدم فيه، ورقم الرحلة، وذلك لعدم الخلوة المنهي عنها، ولعدم المحذور من سفرها وحدها الذي تكون عرضة للضياع، أو لاعتراض أهل الفساد، وأيضًا فالمدة قليلة، إنما هي ساعة أو بضع ساعات، وهذه المدة قد لا تسمى سفرًا أصلاً؛ لأن السفر هو الذي يسفر عن أخلاق الرجال، فلا ينطبق على المدة القصيرة، ولأن الضرورات لها أحكامها.
1. فتاوى الشيخ ابن عثيمين (2/852).
2. فتاوى اللجنة الدائمة (17/309), الفتوى (2642).
3. موقع الشيخ ابن جبرين, الفتوى: (27334). http://ibn-jebreen.com/