الاعتداء على برامج الحاسب قد يكون بالاعتداء على العمل نفسه؛ كلّه أو بعضٍ منه بأخذه والتصرّف فيه، وهذا يعدُّ اعتداءً على حقٍّ معنوي.
وقد يكون بالاعتداء على الوعاء الذي يحوي العمل (البرنامج) بأخذه وهذا يعدُّ اعتداءً على شيء مادّي.
فهل الحقوق المعنوية ومنها برامج الحاسب الآلي تكون محلاًّ للسرقة؟ أي هل ينطبق عليها تعريف السرقة الاصطلاحي وتتوفّر شروطها فيه؟
-بالنسبة للاعتداء على العمل نفسه -أي البرنامج- فيقال: إن هذه البرامج تعدُّ من قبيل الحقوق المعنوية، والتي أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة؛ لتموّل الناس لها.
والحقوق المعنوية لا تصلح أن تكون محلاً للسرقة؛ وذلك لتجرّدها من الطبيعة المادية، ولذا فلا تصلح أن تكون محلاًّ للحقوق العينية، ولا تحاز ماديًّا، ومن ثمَّ فهي ليست محلاً للسرقة بمعناها الاصطلاحي.
فبرامج الحاسب الآلي: نتاج ذهني ومصنّف فكري، فهي محلّ لحقٍّ معنوي، ومن ثَمَّ فإن الاعتداء عليها يدخل تحت ما يسمى بجرائم الاعتداء على الملكية الفكرية الأدبية والعلمية.
وليست تلك البرامج محلاًّ لحقٍّ عيني، وتطبيقًا لهذا فلا يعدُّ سارقًا اصطلاحًا من اعتدى على أحد هذه البرامج ونسبها لنفسه.
على أنّه ينبغي التنبيه إلى أن تلك البرامج وإن كانت لا تصلح أن تكون محلاًّ للسرقة بمعناها الاصطلاحي؛ لأنها من قبيل الحقوق المعنوية، فإنّ الأشياء المادية التي قد ترتبط بها تصلح محلاًّ للسرقة؛ فالقرص الضوئي المدمج (CD-Rom) أو القرص الرقمي (DVD) الذي يفرّغ فيه البرنامج يصلح محلاًّ للسرقة؛ لأنه ذو كيان مادّي، كما سيأتي الحديث عنه بعد قليل.
وبناء على ما سبق فإنّ حرز برامج الحاسب الآلي -بوصفها من الحقوق المعنوية- يمكن الكلام عنه من جهتين:
إحداهما: ما يتعلق بالسرقة:
وقد سبق أنّ هذه البرامج لا تصلح أن تكون محلاً للسرقة بمعناها الاصطلاحي، وإن كان يطلق عليها في العرف سرقة، إلاّ أنها لا ينطبق عليها تعريف السرقة الشرعية الموجبة للحدّ.
ولذا فإنّ الوصف الأليق هو تسميتها بجرائم الاعتداء أو القرصنة على برامج الحاسب الآلي.
ولذا فإنّه لا حرز لها فيما يتعلق بالسرقة، فلا قطع على من اعتدى على برنامج، فاستولى على ما فيه ونسبه لنفسه، ولكنّ هذا لا يرفع عنه التعزير بحسب ما يراه القاضي؛ وذلك لأنّه ارتكب معصية لا حدَّ فيها ولا كفارة وهي اعتداؤه على ملك غيره.
ومن صور التعزير: التعزير بالمال؛ وذلك بأن يُلزم المعتدي بأن يدفع تعويضًا ماليًّا للمعتدى عليه بسبب الضرر الذي حصل من جرّاء هذا الاعتداء؛ لذا ناسب الحديث بيان حرز تلك البرامج من هذه الجهة، وهو ما أشير إليه بـ:
الجهة الأخرى: ما يتعلق بالتعويض المالي عن الاعتداء على تلك البرامج:
فيقال إن تلك البرامج لا تخلو مما يلي:
أ- البرامج العامة أو المشاعة وتسمى أيضًا بالبرامج الحرّة أو المفتوحة (Public Domain Software):
وهي البرامج التي لا يمنع أصحابها نسخها أو تعديلها والاستفادة منها وتوزيعها، فهذه قد أذن أصحابها بنسخها وتوزيعها، ومن ثمّ فلا اعتداء يتصوّر ممن قام بهذا العمل؛ وذلك لوجود الإذن من أصحابها.
ب- البرامج غير المشاعة، وتسمى أيضًا بالبرامج المحمية، وهي على أنواع:
1- البرامج التجارية (Commercial Software):
وهي التي يتمّ الحصول عليها بشرائها من مُصْدِرها، ويتمّ ترخيصها للمستخدم.
2- البرامج المجازة لفترة (Shareware):
وهي برامج تسوّق مجانًا عبر الإنترنت، أو الأقراص الضوئية الملحقة بالمجلات، وهي مخصّصة للاستفادة منها فترة معيّنة؛ لتجربتها وترغيبًا في شرائها، وبعد مضي تلك الفترة ـ وهي غالبًا مدة شهر من تاريخ استخدامها ـ تتوقّف عن العمل، ويُطالب المستخدم بدفع ثمنها إذا أراد الاستمرار في استخدامها.
3- البرامج المجانية، مع الاحتفاظ بحقّ ملكيتها (Free ware):
وهي برامج تسوّق مجانًا للاستخدام؛ وذلك لأن مبرمجها يحتاج إلى ملحوظاتٍ ونصائح من المستخدمين؛ من أجل تحسين الإصدار الجديد من هذه البرامج، وهذا النوع من البرامج يحتفظ أصحابها بحقّ ملكيّتها، ولا يأذنون بنسخها.
وتشترك هذه البرامج في أنّ أصحابها ومُصْدِريها يحتفظون بحقّ ملكيّتها، فيمنعون نسخها أو نقلها من جانب العميل إلاّ بعد الرجوع إليهم، ولذا فهم يتخذون وسائل لحماية برامجهم من نسخها وتداولها.
وتتخذ الحماية لهذه البرامج صورًا منها:
1- الحماية الفنية، وذلك مثل: وضع مفتاح أو وصلة مع البرنامج أو رقم سري لا يعمل البرنامج من دونها.
2- الحماية النظامية، وذلك: بأن يُعلن منتج البرنامج أنّ هذا المنتج محفوظ الحقوق، ويلاحق من يخالف ذلك نظامًا.
فهذه البرامج التي يمنع أصحابها نسخها هي التي يتصور الاعتداء عليها ومن ثمّ ترتب الضمان بالتعويض المالي عمّا لحق أصحابها من ضرر وما فاتهم من كسب نتيجة الاعتداء على تلك البرامج التي بذلوا الكثير من الجهد والوقت والمال في إعدادها، ولذا فإنه يمكن أن يطلق على هذه الحماية بأنها من قبيل الحرز تجوّزًا حتى يترتب الضمان؛ لأنها إن لم تكن محمية بما سبق فلا ضمان.
2- أما بالنسبة لما يتعلق بالاعتداء على الوعاء الذي يحوي العمل (البرنامج) نفسه بأخذه، وذلك كأخذ القرص بالنظر إلى وصفه وعاءً ماديًا يفرّغ فيه البرنامج، فإن هذا الأخذ يصلح محلاً للسرقة بمعناها الاصطلاحي؛ لأن هذا الاعتداء واقع على شيء ذي كيان مادّي.
* ولذا فإنّ لها تعلّقًا بالحرز في السرقة من هذه الجهة فيقال: إن هذه الأقراص لا تخلو:
أ- أن تكون مع صاحبها أو عند حافظ يلاحظها، فتكون محرزة به؛ لأنّ كل شيء مع صاحبه أو بين يديه فهو محرز به.
فإن انشغل عنها بنوم أو غيره لم تكن محرزة حينئذٍ.
ب- أن لا تكون مع صاحبها أو حافظ يلاحظها، ولا يخلو الحال:
1- أن توضع فيما جرت العادة بحفظها فيه في المتاجر أو في البيوت ونحو ذلك فتكون محرزة في هذه الحالة.
2- أن توضع فيما لم تجر العادة بحفظها فيه؛ فلا تكون محرزة في هذه الحالة؛ لأن تاركها ينسب إلى التقصير والتفريط في حفظها؛ ولذا فلا قطع على آخذها.
- الحرز في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، فهد الأحيدب (163).
- جرائم الاعتداء على برامج الحاسوب دراسة مقارنة (بحث تكميلي ـ الفقه المقارن ـ المعهد العالي للقضاء)، عبدالعزيز الغسلان (143).
- مقال بعنوان: قرصنة البرامج لعبدالوهاب البدري، مجلة عصر الحاسب، العدد الثامن مايو2002م ص(54).
- مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس ج3 ص(2267).
- جريمة السرقة والجرائم الملحقة بها د. مجدي محب حافظ ص(102).
- الحاسوب والبرمجيات الجاهزة د.محمد الزعبي وآخرون ص (40، 55).
- الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية «الحاسب الآلي وشبكة المعلومات (الإنترنت)» د. عبد الرحمن السند ص(358).
- التطبيقات المعاصرة لجريمة السرقة ( رسالة ماجستير. جامعة مؤتة بالأردن )، علي البطوش.