1. سرقة عضو الآدمي.
2. سرقة الأعضاء البشرية.
3. سرقة الأعضاء الإنسانية.
فسّر الباحثون سرقة الأجزاء الآدمية بتفسيرين:
الأول: أن يكون بأخذ العضو خفية بعد التبرع به أو شرائه – على القول بجوازه – أو سرقته من بنوك الأعضاء، فهل يعد هذا النوع من الاعتداء – بناء على هذا التفسير – سرقة توجب القطع؟
الثاني: أن يكون باستئصال عضو من المجني عليه بعد خطفه وتخديره لبيعه على المستشفيات، ثم زرعِه على المحتاج عن طريق البيع، فهل يصح إطلاق المفهوم الشرعي للسرقة على هذا النوع من الاعتداء بناء على هذا التفسير؟
أولا: ذهب مجمع الفقه الإسلامي إلى تعريف العضو بأنه: “أي جزء من الإنسان من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها – كقرنية العين – سواء كان متصلا به أم منفصلا عنه”([1])
وأعضاء الإنسان بناء على المفهوم السابق تنقسم إلى نوعين:
الأول: أعضاء سائلة، وهي: (الدم، واللبن، والأجنة) وهذا النوع غير مقصود بالبحث.
الثاني: أعضاء يابسة: وهي التي لها جرم وحيز محدد من الجسم؛ وذلك مثل: الكلى، والرئة، والقلب، والكبد، والطحال، والشرائح العضلية والجلدية…فهذا النوع هو محل البحث.
ثانيا: اتفق الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على أن الإنسان الحر لا يعد مالا بجملته وأجزائه، ومن ثم لا يجوز التصرف فيه بالبيع والتمليك… ونحوه؛ وذلك للأدلة الآتية:
- قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) ]الإسراء:70[.
وجه الدلالة: أن الإنسان أكرم المخلوقات، واعتباره مالا متداولا ينافي هذا التكريم.
- قوله: (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) ]وسف: 20[.
وجه الدلالة: أن الله – تبارك وتعالى – وصَف الثمن بالبخس؛ وذلك دليل على حرمته وحقارته.
- قوله – r- : (ثلاث أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى به ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه…) [أخرجه البخاري برقم: (2227)3/82].
وجه الدلالة: أن الوعيد الشديد ورد في حق بيع الحر باعتبار أنه ينافي حريته الثابتة، وكرامته المقررة في الشريعة؛ وذلك دليل على المنع من بيعه جملةً وأجزاء.
ولكنهم اختلفوا في علة انتفاء المالية عن الآدمي، هل هي التكريم الذي يعم جميع أجزائه؛ فلا يجوز بيعها حتى على تقدير إمكان الانتفاع أم أنها إذا فصلت عن الجسد صارت عديمة النفع، وما لا نفع فيه لا يعد مالا؟ اختلفوا في ذلك على مذهبين.
ثالثا: يمكن بيان حكم المسألة بناء التفسيرين
أما على التفسير الأول: وهو ما إذا سرق العضوَ من بنوك الأعضاء، أو ممن تُبرّع له بعد فصله، أو بيع له العضو على القول بجوازه، فحكم هذه الصور مبني على خلاف المعاصرين في مالية الأعضاء الإنسانية، وقد اختلفوا في ذلك على اتجاهين:
الاتجاه الأول: جواز بيع أجزاء الآدمي، وقد ذهب إلى هذا جماعة من الباحثين.
واستدلوا على ذلك بجملة من الأدلة، من أبرزها:
- القياس على جواز بيع لبن الآدمي بجامع: أن كلا منهما جزء آدمي محترم يمكن انفصاله والانتفاع به.
نوقش القياس من وجهين:
الأول: القدح بالاختلاف في الأصل؛ وذلك أن بيع لبن الآدمية مختلف فيه بين الفقهاء، وإلحاق صورة الخلاف بأصل مختلف فيه لا يفيد من جهة أنه يفضي إلى انتشار الكلام.
الثاني: القدح فيه بالفرق؛ لأن لبن المرأة يطرح من جسمها، وبقاؤه يؤذيها، وينتفع به عادة..؛ فصح بهذه الاعتبارات أن يكون مالا؛ بخلاف الأعضاء المتصلة، فإنها مخلوقة لتؤدي وظائفها، وفي قطعها تعطيل له، وإيذاء للجسم.
- أن العضو المقطوع حرم بيعُه باعتبار أنه لا نفع فيه؛ فإذا ثبت أنه ينتفع به – كما هو الحال في هذا العصر الذي تقدم فيه الطب – جاز بيعه قياسا على العبد.
نوقش: بالفرق، وبيانه من وجهين:
الأول: أن العبد جاز بيعه استثناء من الأصل لورود النص الخاص في جواز بيع جملتهم؛ فيبقى أعضاؤه باقية على أصل التحريم، فإذا كان هذا في حق العبد، فبقاء التحريم في حق الحر جملة وأجزاء أولى.
الثاني: أن بيع العبد بجملته لا يفضي إلى الاعتداء على أجزائه، بخلاف بيع أجزائه فهو يفضي إلى الاعتداء على جسده دون مقتض شرعي؛ وذلك لا يجوز في حقه، ففي الحر أولى.
- أن بيع أجزاء الآدمي لإنقاذ المرضى انتفاعٌ بها فيما خلقت له، وهذا لا يتعارض مع مبدأ الكرامة الإنسانية المقررة في الشريعة؛ فيكون ذلك جائزا ضرورة وجود المقتضي وانتفاع المانع.
نوقش: أن المقدمة الأولى ممنوعة؛ لأن “كونه إنقاذا لآدمي لينتفع بها فيما خلقت له” يعارض مبدأ الكرامة الإنسانية؛ لأن فصلها عن الجسد لغرض البيع ابتذال لها، وهذا ينافي الكرامة الإنسانية على سبيل القطع؛ فيكون ممنوعا.
الاتجاه الثاني: منع بيع الأعضاء البشرية مطلقا، وبه صدرت قرارات المجامع، ودور الفتوى.
ومن جملة ما استدلوا به:
- قوله النبي – ﷺ-: (إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم ثمنه) [أخرجه أحمد برقم: (2221) 4/91، وصحح النووي إسناده في المجموع 14/274، 275].
وجه الدلالة: أن الفقهاء – رحمهم الله تعالى – أجمعوا على حرمة أكل بني آدم وأجزائه إلا ما استثني كالحليب؛ فيكون ثمن أجزائه الحاصل عن طريق البيع حراما كحرمة أكلها.
- أن الشارع أثبت للإنسان كرامته، وصانه عن الابتذال، وفي بيع أجزائه ما يُخلّ بكرامته المقررة، ويجعله محلا للتداول والابتذال بالبيع والشراء؛ فيكون ممنوعا.
- أن البيع من شرطه أن يكون العاقد مالكا للعين، والإنسان مستأمن على هذه الأعضاء؛ فلا يجوز له بيعها على غيره مع تقدير انتفاء الملك، الذي يختل به ركن البيع.
- قياس تحريم بيع عضو الآدمي على تحريم بيع جملته باعتبار أن تحريم بيع الجملة يستلزم تحريم بيع الأجزاء.
وبناء على ما سبق فإن سرقة أعضاء الآدمي بناء على التفسير السابق يكون موجبا للحد عند من يرى ماليتها على تقدير توافر الشروط الأخرى، ومن لا يراه يرتّب على هذا الاعتداء العقوبة التعزيرية بما يراه الإمام رادعا من اقتراف الجريمة.
وأما بالنسبة للتفسير الثاني الذي يستند إلى تفسير سرقة الأعضاء الإنسانية بخطف الإنسان وتخديره لاستئصال بعض أعضائه في بعض المستشفيات لغرسها للمحتاج عن طريق البيع، فهو يتنوع – بحسب الواقع – إلى صورتين:
الأولى: أن يكون الاعتداء واقعا من فرد يقوم بقطع بعض أعضاء المجني عليه، والحكم في هذه الحالة أنه إذا قطع ما يتوقف عليه الحياة – كالقلب – أو يبقى حيا بقطعه – كإحدى الكلتين – أن هذه الجناية يترتب عليها القصاص في الحالتين إذا تواترت شرائطه من المكافأة بين الطرفين، وإمكان الاستيفاء من غير حيف في الحالة الثانية.
وإلا يجب تعزير الجاني بما يراه الحاكم رادعا، وإلزامه بالدية بدلا من القصاص.
الثانية: أن يكون الاعتداء حاصلا من جماعة مسلحة تقوم بسرقة الأعضاء الإنسانية بعد اختطافهم وتخديرهم ليتم إيصالهم إلى المستشفى، واستئصال قلبه أو كبده بما يؤدي به إلى الوفاة أو فوات بعض المنافع، فهذا يعد من قبيل الحرابة لتوافر أركانها من صدور الجناية مجاهرة من جماعة مسلحة، والاعتداء على الأنفس على وجه القوة والمغالبة…
وكل من شارك في هذه الجريمة من المخدِّر والمختطِف والطبيب الذي أشرف على عملية نزع العضو شركاءُ في الجريمة يُحدون حدّ الحرابة بناء على أن المعين كالمشارك كما هو مقرر من حيث الجملة.
ولا يخفى أن هذا التفسير لسرقة الأعضاء على النحو المتقدم يعود إلى المفهوم اللغوي.
ملحق المسألة: قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قرار رقم: 26 (1/4)[1[
بشأن
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً كان أو ميتاً.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408 الموافق 6 – 11 شباط ( فبراير ) 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً، وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة، والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته من دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار، وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعاً لها، قرر ما يلي:
وجاء في بنده السابع – بعد بيان المفهوم والأقسام والأحكام العامة -:
سابعا: وينبغي ملاحظة: أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريما فمحل اجتهاد ونظر.
والله تعالى أعلم.
1. جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية، إعداد: جهاد موسى قنام، ماجستير بكلية الحقوق، جامعة القدس، عام: 2015 م / 2016 م.
2. قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدولي طبعة وزارة الأوقاف بالشارقة.
3. القضايا المستجدة في العقوبات، إعداد: وفاء عبدالمعطي خضير، رسالة الماجستير بكلية الدراسات العليا بالجامعة الأدرية، عام: 1995 م.
4. عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية، لسميرة عايد ليات.
5. المجموع لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت 676 هـ)
6. موقع مجمع الفقه الدولي: (www.iifa-aifi.org/1698html).
7. نوازل الجرائم المالية- دراسة فقهية، لأحمد بن محمد المهيزع، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في قسم الفقه، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
8. نوازل السرقة وأحكامها الفقهية، د. فهد بن بادئ المرشدي.