سرقة الصور لذوات الأرواح.
سرقة الحيوانات المحنطة
عرفت البشرية منذ القدم بعض مظاهر العناية القديمة والحرص على امتلاك الآثار والتحف واللوحات الفنية، وتخليد ذكرى أصحابها، والاستمتاع بجمالها، ولذلك أصبح لهذه الأشياء القديمة قيمة مادية، وقد يتعدى الأمر في بعضها أن يصبح لها قيمة علمية وتاريخية لا تقدر بمال.
فما حكم قطع اليد بسرقة هذه الآثار؟
هذه الأشياء لا تخلو من حالين:
الحال الأولى: أن تكون صوراً كاملة لذوات الأرواح سواء كانت صوراً مجسمة أو مسطحة (بلا ظل).
فأما الصور المجسمة (التماثيل) فإنها مما يحرم صنعه واستعماله بالاتفاق، وبالتالي فهي غير محترمة، فلا يقطع بسرقتها مهما بلغت من النصاب والقيمة.
وأما الصور المسطحة الكاملة لذي الروح، فقد اختلف الفقهاء في حكم صناعتها واستعمالها على قولين:
القول الأول: التفريق بين صنع الصورة واتخاذها.
فأما فعل التصوير وصنعه فهو حرام بكل حال، ولو كانت الصورة صغيرة؛ لأن علة تحريم التصوير المضاهاة لخلق الله، وهي موجودة في كل ما ذكر.
وأما اتخاذ المصورِ فيه صورة حيوان، فإن كان معلقاً على حائط أو ثوباً ملبوساً أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهناً فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام، وقد اختار هذا القول جمع من فقهاء المذاهب، ومال إلى هذا القول بعض الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الحنابلة.
القول الثاني: أنه يحرم صناعة واستعمال الصور المسطحة المنقوشة لذات الروح التي لا تعد للامتهان، وأما الصور الممتهنة فهي غير محرمة، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، وبعض المالكية.
والفرق بين هذا القول وما سبقه: أن أصحاب القول الأول: يحرمون التصوير مطلقاً، ويفرقون في استعماله بين الممتهن وغيره، وأما أصحاب القول الثاني فيفرقون في التصوير وفي استعماله بين الممتهن وغيره.
القول الثالث: أن تصوير واستعمال ما لا ظل له إن كان غير ممتهن فهو مكروه، وإن كان ممتهنا فتركه أولى، ولكنه غير مكروه، وهذا مذهب المالكية، وهو ظاهر مذهب الحنفية.
فالصور السطحية لما فيه روح إن كانت غير ممتهنة كالمعلقة والمنصوبة اختلف في جواز صناعتها واستعمالها، فمنهم من حرمها ومن الفقهاء من كرهها وبالتالي فإنه لا يقطع في سرقتها للاختلاف في اعتبارها مالاً محترماً، أما الصور الممتهنة فهي مباحة الاتخاذ والاستعمال عند عامة الفقهاء والصور الأثرية هي من النوع الأول غير الممتتهن فلا يقطع بسرقتها.
الحال الثانية: ألا تكون صورة، وهي أنواع منها:
النوع الأول: الأجسام المحنطة سواء كانت لإنسان أو حيوان.
وحكم سرقة هذه الآثار المحنطة ينبني على مسألتين:
الأولى: جواز تحنيط الأجسام، واتخاذها.
الثانية: إذا كانت هذه الآثار المحنطة لآدميين، فقد ذهب عامة الفقهاء إلى تحريم بيع الآدمي سواء كان مسلماً أو كافراً حياً أو ميتاً.
وإذا تقرر أنه لا يقطع بسرقة الأجساد المحنطة؛ فإنه لعدم المالية فيما لو كانت لإنسان، وللاختلاف في جواز البيع فيما لو كانت لحيوان.
النوع الثاني: التحف الأثرية واللوحات الفنية الثمينة التي لا تشتمل على صور أو رسومات كاملة لذوات الأرواح.
هذه الرسومات إن كانت مقطوعة الرأس فقد ذهب عامة الفقهاء إلى إباحة استعمالها واتخاذها فتكون مالاً محترماً يقطع بسرقته وما رسمت عليه.
وأما إذا كانت صوراً نصفية أو كانت ناقصة عضو من الأعضاء التي تزول الحياة بها، فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وجمهور الشافعية إلى جواز صناعة واستعمال مثل هذا النوع من الصور؛ لأن الصور لا تبقى بعد ذهاب ما تبقى به الحياة فهو كقطع الرأس، فكان كتصوير ما لا روح له، وبالتالي فهي مال محترم يقطع بسرقته، إذا اكتملت شروط القطع، وانتفت الموانع.
• نوازل السرقة أحكامها وتطبيقاتها القضائية (رسالة دكتوراه ـ الفقه المقارن ـ المعهد العالي للقضاء)، د. فهد المرشدي (533).
• أحكام الآثار (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. عبدالله الرميح (654) فما بعدها.
• التطبيقات المعاصرة لجريمة السرقة ( رسالة ماجستير. جامعة مؤتة بالأردن )، علي البطوش.