زواج المسلم من نصرانية.
زواج المسلم من يهودية.
أن يتزوج المسلم امرأة من أهل الكتاب، سواء أكانت يهودية، أو نصرانية، وهو أمر منصوص عليه في كتاب الله تعالى ولا خلاف فيه يستحق الذكر وإنما أشكل الأمر في هذا العصر لكون المنتسبين لليهودية أو النصرانية لا يلتزمون بشيء من شعائرها في الغالب، ولشيوع الفاحشة بينهم.
جمهور علماء المسلمين قديما وحديثا على الجواز، ولكن لما أصبح بعض المنتسبين لليهودية والنصرانية يعلنون إلحادهم وانتشر الزنا في مجتمعاتهم حتى أصبح غالبهم لا يرى به بأسا، بل تعتبر المرأة التي لا تمارسه قبل النكاح غير سوية، أعاد علماء العصر النظر في إطلاق الحل على النحو التالي:
فتاوى العلماء:
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، عن حكم نكاح نساء أهل الكتاب، فأجاب قائلاً:
حكم ذلك الحل والإباحة عند جمهور أهل العلم؛ لقول الله سبحانه: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء:128]، والمحصنة هي الحرة العفيفة في أصح أقوال علماء التفسير.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية ما نصه: “وقوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ أيْ وأُحِل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، وذكر هذا توطئة لما بعده، وهو قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ) فقيل: أراد المحصنات الحرائر دون الإماء، حكاه ابن جرير عن مجاهد، وإنما قال مجاهد: المحصنات الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة كما في الرواية الأخرى عنه، وهو قول الجمهور هاهنا، وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: حشف وسوء كيل، والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الآخرى: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) [النساء 25].
وفتاوى الأزهر على الإباحة.
فقد أفتى فضيلة الشيخ عبد الرحمن قراعة 16 جمادى الآخرة 1343هـ 11 يناير 1925م، بالجواز وإليك نص فتواه:
“يجوز في الشريعة الإسلامية تزوج المسلم بالكتابية، مسيحية كانت أو موسوية، متى كانا خاليين من موانع الزواج، فإذا كان العاقدان في حادثة السؤال المبينان في صورة وثيقة الزواج المرافقة للسؤال مكلفين وأجريا عقد زواجهما بإيجاب من أحدهما وقبول من الآخر في مجلس العقد أمام شهود سامعين معاً فاهمين أن ما أجرياه أمامهم هو عقد زواج، كان هذا العقد صحيحاً وتترتب عليه آثاره، ولا يشترط لصحته أن يكون الشهود فيه مسلمين، كما لا يشترط أن يصدر منهما أمام قاض شرعي أو مأمور مختص، ومن ملك عقدة النكاح ملك حلها بالطلاق، ومن ذلك يعلم أنه يسوغ للزوج المسلم المصري في حادثة السؤال أن يوقع الطلاق على زوجته المسيحية أمام المفوضين المصريين.
ومن الفتاوى أيضا فتوى:
قرارات المجامع الفقهية جاءت بالجواز:
1- مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، حول الزواج بالكتابية:
بيَّن القرار أن الكتابية هي التي يثبت انتماؤها المجمل إلى اليهودية أو النصرانية، ووضَّح أن العقد على الكتابية العفيفة صحيح، وأن الزواج بها مشروع مع الكراهية، ولكنه محفوف بالمخاطر، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الناشئة، ثم وضّح أن للزوجة الكتابية الحق في ممارسة شعائرها الدِّينية، وأن لها حضانة طفلها عند التفرق حتى يبلغ السابعة، ما لم يترتب على ذلك مضرة بالطفل في دينه.
2- وجاء في قرار المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء([1]):
الزواج من الكتابية:
استعرض المجلس موضوع “الزواج من الكتابية” والأبحاث التي تناولته، وبعد المداولة والنظر قرر ما يلي:
أولاً: الكتابية، هي: من تؤمن بدين سماوي الأصل كاليهودية والنصرانية، فهي مؤمنة -في الجملة- بالله ورسالاته والدار الآخرة. وليست ملحدة أو مرتدة عن دينها، ولا مؤمنة بدين ليس له نسب معروف إلى السماء.
وقد ذهب جمهور علماء المسلمين إلى إباحة الزواج من الكتابية، لقوله تعالى في سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) [المائدة: 5].
وذهب بعض السلف إلى كراهة أو منع الزواج من الكتابية،
كعبد الله بن عمر من الصحابة، والصواب رأي الجمهور لصراحة الآية.
ثانياً: ضوابط يجب مراعاتها عند الزواج من الكتابية:
الأول: الاستيثاق من كونها “كتابية” على المعنى المتقدم ذكره.
ومن المعلوم في الغرب الآن أنه ليست كل فتاة تولد من أبوين مسيحيين مثلاً مسيحية. ولا كل من نشأت في بيئة مسيحية تكون مسيحية بالضرورة، فقد تكون شيوعية مادية، وقد تكون على نحلة مرفوضة أساساً في نظر الإسلام كالبهائية ونحوها.
الثاني: أن تكون عفيفة محصنة، فإنّ الله لم يبح كل كتابية، بل قيد في آياته الإباحة نفسها بالإحصان. والإحصان هو العفة عن الزنا كان ذلك أصالة أو بتوبة.
الثالث: ألا تكون من قوم معادين للإسلام وأهله، ما لم يثبت أنها ليست على موقف قومها. قال تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة: 22]، والزواج يوجب المودة كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
الرابع: ألا يكون من وراء الزواج من الكتابية فتنة ولا ضرر محقَّقٌ أو مرجَّحٌ، فإن استعمال المباحات كلها مقيد بعدم الضرر، فإذا تبين أن في إطلاق استعمالها ضرراً عامّاً منعت منعاً عامّاً، أو ضررًا خاصّاً منعت منعاً خاصّاً، وكلما عظم الضرر تأكد المنع والتحريم، وقد قال ﷺ: : “لا ضرر ولا ضرار”[رواه ابن ماجة ح 2340].
والضرر المخوف بزواج غير المسلمة يتحقق في صور كثيرة:
منها: أن ينتشر الزواج من غير المسلمات، بحيث يؤثر على الفتيات المسلمات الصالحات للزواج.
ومنها: أن يتساهل بعض الناس في مراعاة شرط الإحصان -العفاف- الذي قيد به القرآن حل الزواج منهن.
ومنها: الخوف على الذرية من الانحراف، وما يلحق من عواقب في حق الزوج في حياته بتأثره بما عليه زوجته غير المسلمة، والتصرف ببدنه وتركته بعد موته.
اختلف الأئمة في شرط جواز نكاح الكتابية، فقال بعضهم: يشترط شرطان:
الأول: أن يكون أصلها منتمياً إلى بني إسرائيل.
الثاني: أن تكون محصنة غير زانية ولا متخذة أخدان.
وأكثر العلماء على أن شرط نكاحها أن تكون محصنة، أي عفيفة غير زانية ولا فاجرة. وقد تزوّج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا في ذلك بأساً.
وكان ابن عمر يمنع من ذلك، وروي عن عمر نفسه رضي الله عنه.
ويقتضي الإحصان، أن تكون غير متبرجة على شكل أهل الفجور لأن ذلك ليس لباس أهل العفة والإحصان. والله أعلم.
• مجلة البحوث الإسلامية العدد الحادي والعشرون الإصدار: من ربيع الأول إلى جمادى الثانية لسنة 1408هـ.
• موقع المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.
• موقع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الشمالية.
• موقع يسألونك للشيخ حسام عفانة.
• موقع الإسلام سؤال وجواب.
• موقع الشبكة الإسلامية.
• الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب.
• الخلاصة في فقه الأقليات.
• المغني لابن قدامة مكتبة القاهرة