نكاح الزناة.
نكاح الرجل المرأة الحامل من سفاح.
أن يحصل زنى بين اثنين، ثم بعد ذلك يريد طرفا العلاقة تصحيح الأمر عن طريق الزواج، ويحدث كثيراً في الغرب أن يأتي رجل إلى المراكز الإسلامية بامرأة حبلى من الزنا، سواء أكان هو من قام بالزنا بها أم غيره، أو يكون قد زنا بها ولم يحدث حمل ويريد أن يتزوجها..
المسألة الأولى: نكاح الحامل من الزنا:
اختلف العلماء في نكاح الحامل من الزنا على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الجواز ويمثله من المعاصرين:
المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث:
قرار المجلس: الزاني والزانية إذا تابا إلى الله تعالى، وأرادا أن يخرجا من الحرام إلى الحلال، ومن حياة التلوث إلى حياة الطهارة، فزواجهما صحيح بالإجماع، وجمهور الفقهاء لا يشترطون التوبة لصحة النكاح من الزانية، كما روي أن عمر رضي الله عنه: ضرب رجلاً وامرأة في الزنى، وحرص على أن يجمع بينهما([1]).
والحنابلة هم الذين اشترطوا التوبة، لقوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 3].
أما موضوع (العدة) وهل يجب على الزانية أن تعتد أم لا؟ ففي هذا خلاف بين الفقهاء.
والذي نختاره هو: ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والثوري: أن الزانية لا عدة لها. ولو كانت حاملاً من الزنى، وهو المروي عن ثلاثة من الصحابة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعلي –رضي الله عنهم([2]).
وقد استدلوا بالحديث: “الولد للفراش، وللعاهر الحجر” [متفق عليه: أخرجه البخاري (رقم: 1948 ومواضع أخرى)، ومسلم (رقم 1457) من حديث عائشة. ومعنى الحديث: (الولد للفراش) أي تابع لصاحب الفراش، وهو من كانت المرأة تحته عندما ولدت، (وللعاهر الحجر): أي للزاني الحرمان والخيبة، ليس له حق في الولد]
ولأن العدة شرعت لاستبراء الرحم حفظًا للنسب، والزنى لا يتعلق به ثبوت النسب، فلا يوجب العدة.
وإذا تزوج الرجل امرأة حاملاً من الزنى من غيره صح عند أبي حنيفة وصاحبه محمد، وعليه الفتوى في المذهب الحنفي، ولكن لا يجوز له وطؤها حتى تضع، لحديث: “لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يسقي ماءه زرع غيره”([3]).
وهذا بخلاف ما إذا كان الحمل من الزاني نفسه، فإن نكاحها جائز باتفاق الحنفية ومن يجوزون نكاحها، ويحل وطؤها عندهم جميعًا؛ إذ الزرع زرعه، والحمل منه([4]).
مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا([5]):
نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:
قد اختار المجمع جواز تزوج الزانية بمن زنا بها؛ تحقيقاً لمقصود الشارع من الستر، وترغيباً لكليهما في التوبة.
أما فيما يتعلق بنسبة الولد لمن زنى بأمه، فقد اختار المجمع مبدئيّاً جواز إلحاق ولد الزنى بالزاني خارج بلاد الإسلام إذا ادعاه ولم تكن المرأة فراشاً لأحد، وذلك دَرْءاً للمخاطر التي تتهدد الطفل إذا نشأ مجهول النسب في هذه المجتمعات، ثم أرجأ البت النهائي في هذه المسألة إلى المؤتمر القادم لمزيد من البحث والنظر.
الاتجاه الثاني: المنع إلا بشرطين: التوبة وانقضاء العدة
وممن ذهب إليه أمين مجمع أمريكا الشمالية حيث قال:
إذا زنت المرأة لم يحل نكاحها إلا بشرطين: أحدهما يتعلق بالتوبة من الزنا، والآخر يتعلق بانقضاء العدة.
أما التوبة فإن من الأدلة على اشتراطها ما يلي:
قوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 3].
فلما أمر الله تعالى بعقوبة الزانيين حرم مناكحتهما على المؤمنين هجرًا لهما ولما معهما من الذنوب والسيئات، وقد بين تعالى أن الزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك، فإنه إما أن يلتزم حكمه سبحانه ويعتقد وجوبه عليه أو لا: فإن لم يلتزمه ولم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه، فقال تعالى: (وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [النور: 3].
وقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [النور: 26]، والخبيثات هن الزواني، ومعنى ذلك تجنب المؤمن نكاح الخبيثة؛ لأنه ليس بخبيث، وإنما يزول خبثها بالتوبة النصوح، فإذا زال حَلَّ نكاحها؛ لأنها لم تعد خبيثة، ومما يدل على ذلك ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأُسَارَى بِمَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالَ لَهَا: عَنَاق. وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ، قَالَ: فَجِئْتُ النَّبِيَّ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله أَنْكِحُ عَنَاقًا؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي فَنَزَلَتْ: (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور: 3] فدعاني فقرأها عَلَيَّ وَقَالَ: “لَا تَنْكِحْهَا”.
وقد نازع في هذا الشرط بعضُ أهل العلم، ولكن القول باشتراطه هو الصحيح؛ فإن من أقبح القبائح أن يكون الرجل زوجَ بَغِيٍّ، وقبح هذا مستقر في فطر الناس، وهو عندهم في غاية السُّبَّة.
أما انقضاء العدة فإنه موضع نظر بين أهل العلم: فذهب الحنفية إلى أنه لا تجب العدة على الزانية، فيجوز نكاحها دون اعتبار للعدة ولا لانقضائها، وإن كانت حاملاً منه جاز نكاحها ووطؤها بلا نزاع.
ووجه ما ذهبوا إليه: أن المنع من نكاح الحامل حملاً ثابت النسب، إنما هو لحرمة ماءِ الوطء، ولا حرمة لماء الزنا، بدليل أنه لا يثبت به نسب، أما إن كانت حاملاً من غيره فيجوز له أن يعقد عليها، وليس له أن يطأها حتى تضع حملها في قول أبي حنيفة ومحمد، أما جواز العقد فلما سبق من أن ماء الزنا هدر لا حرمة له، وأما عدم جواز الوطء فلكي لا يسقي ماءه زرع غيره، لحديث: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ” رواه أبو داود كتاب النكاح برقم 2158.
وخالف في ذلك أبو يوسف ونفر فقالوا: لا يجوز نكاح الحامل من الزنا؛ لأن الحمل يمنع الوطء فيمنع العقد أيضاً؛ ولأن المقصود من النكاح هو حِلُّ الوطء، فإذا لم يحل له وطؤها لم يكن النكاح مفيداً فلا يشرع.
ونوقش بأن حرمة الوطء لعارض طارئ على المحل لا تنافي النكاح لا بقاءً ولا ابتداءً كالحيض والنفاس، فكذلك لا ينافي النكاح حرمة وطء الحامل من الزنا لأجل حملها.
وعند الشافعية ماء الزنا هدر لا يثبت به نسب ولا تنتشر به حرمة، فلا عدة على الزانية حاملاً كانت أو حائلاً، فإن كانت حائلاً جاز للزاني بها ولغيره عقد النكاح عليها، وإن كانت حاملاً من الزنا كره نكاحها قبل وضع الحمل.
وعند المالكية والحنابلة لا يحل نكاح الزانية حتى تنقضي عدتها، فلا تزوج الحامل من الزنا حتى تضعَ حملها، ولا تزوج الحائل حتى تعتد بثلاثة قروء.
إذن فالتوبة من الزنا لا بد منها حتى يتسنى العقد على الزانية واستدامة العُشرة معها، أما انقضاء العدة فهو موضع نظر.
ولعلَّ الأقرب إلى مقاصد الشريعة من الستر هو القول بمشروعية العقد على الزانية على من زنا بها إذا أحدثت توبة صادقة، دون أن يتوقف ذلك على انقضاء العدة؛ لأن علة المانعين حديث النهي عن أن يسقي ماء الرجل زرع غيره، وهذا يتوجه عندما تتزوج الزانية بغير من زنا بها، أما إن تزوجت بمن زنا بها فلا يظهر انطباق هذه العلة؛ لأن الماء ماؤه في الآخرة والأولى.
المسألة الثانية: زواجها ممن زنا بها:
جاء في أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب:
لا يحل ذلك إلا بعد استبراء رحمها؛ لأنها قبل استبراء الرحم قد تكون حاملاً، ووطء الحامل لا يجوز، ولأن اشتباه الأنساب في غير الحامل أقوى منه في الحامل، فالمرأة إذا تبين حملها وكان من الزنا نسب الولد إلى أمه فقط أما إذا لم يتبين حملها فنكحت قبل استبراء الرحم ثم حملت بعد ذلك، احتمل أن يكون الحمل من الزنا واحتمل أن يكون من النكاح، فيؤدي إلى اشتباه الأنساب، وهذا حرام([6]).
([1]) أخرجه الشافعي في «الأم« (10/38) ومن طريقه: البيهقي (7/155) عن أبي يزيد المكي: أن رجلاً تزوج امرأة، ولها ابنة من غيره وله ابن من غيرها، ففجر الغلام بالجارية، فظهر بها حمل، فلما قدم عمر مكة رفع ذلك إليه، فسألهما فاعترفا، فجلدهما عمر الحد، وحرص أن يجمع بينهما، فأبى الغلام. إسناده حسن]..
([2]) [ذكره محمد بن الحسن الشيباني في «الحجة على أهل المدينة« (3/388)، عن أبي بكر وعمر، وذكر معنى ذلك البيهقي في «السنن« (7/155)، وأخرجه ابن حزم في «المحلى« (9/476) عنهما، كما ذكر (10/28) عن عمر ما يدل عليه].
([3]) [حديث حسن، أخرجه أحمد (28/207)، وأبو داود (رقم: 2158، 2159) والبيهقي (7/449)، 9/124].
([4]) قرار المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء رقم 5/4.
([5]) المنعقد بكوبنهاجن- الدانمارك مع الرابطة الإسلامية، في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425هـ الموافق 22-25 من يونيو لعام 2004م.
• أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب للشيخ سالم بن عبد الغني الرافعي.
• فتاوى دار الإفتاء فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم.
• موقع رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي.
• موقع الشيخ ابن جبرين.
• موقع المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.
• موقع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.
• موقع الإسلام سؤال وجواب.
• موقع الشبكة الإسلامية.