التأمين من المعاملات المستحدثة في العصور المتأخرة, ولم يكن معروفا عند فقهائنا المتقدمين, فلذلك يعتمد في تصوير المسألة على الفقهاء المعاصرين, وقد تنوعت تعريفاتهم لهذا النوع من المعاملات, إلا أنها تبين بمجموعها أن التأمين هو: التزام طرف لآخر بتعويض نقدي, يدفعه له, أو لمن يعينه, عند تحقق حادث احتمالي مبين في العقد, مقابل ما يدفعه له هذا الآخر, من مبلغ نقدي, في قسط, أو نحوه.
و ينقسم التأمين إلى ثلاثة أقسام:
1. التأمين التجاري ويقوم على المعاوضة, ويستهدف تحقيق الربح.
2. التأمين التعاوني, ويسمى تبادليا، ويكون باكتتاب مجموعة من الأشخاص, يتهددهم خطر واحد, بمبالغ نقدية, على سبيل الاشتراك, يعطى منها تعويض لكل من يتعرض للضرر من هؤلاء.
3. التأمين الاجتماعي, وهو نظام إجباري, تشرف عليه الدولة, والهدف منه تحقيق الضمان الاجتماعي, ويموله المؤمن عليه, وصاحب العمل, والدولة بمساهمات دورية موحدة, أو مختلفة في المقدار والنسبة؛ ليحصل المؤمن عليه, أو من يعول على تعويض, أو مكافأة, أو راتب, عند تحقق الخطر المؤمن ضده, ومنه الراتب التقاعدي, والتأمينات الاجتماعية, والصحية, وغيرها من أنواع التأمينات العامة. فما حكم الزكاة في هذا النوع من الأموال؟
لم يكن حكم الأنواع الثلاثة للتأمين وحدا, وبناء على ذلك اختلف حكم الزكاة فيها, وقبل بيان حكم الزكاة فيها يحسن أولا بيان حكم التأمين بأقسامه، ونبدأ أولا بالتأمين التجاري فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التأمين التجاري على اتجاهين:
الاتجاه الأول: جواز التأمين التجاري, وقال به بعض المعاصرين, ومن أبرزهم:- الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله.
الاتجاه الثاني: تحريم التأمين التجاري, وهو قول أكثر الفقهاء المعاصرين, وبه صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي, ومجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
و على القول بالجواز تجب زكاة مال التأمين التجاري إذا حال عليه الحول كغيره من الأموال، وعلى القول بالتحريم يكون حكم زكاة مال التأمين, كحكم زكاة غيره من المال الحرام, وسبق القول بأن عدم وجوب زكاة المال الحرام هو قول عامة الفقهاء المتقدمين والمعاصرين؛ لفقد شرط الملك التام في المال الحرام بالنسبة لقابضه، لكن يجب على المؤمن التخلص من المال الذي يعتقد حرمته.
وأما التأمين التعاوني فهو يختلف عن التأمين التجاري, فإن القصد فيه ليس هو محض المعاوضة, بل إنه نوع من أنواع التكافل الذي دلت السنة على جوازه كما جاء في حديث الأشعريين: أنهم كانوا إذا أرملوا في الغزو, أو قل طعامهم في المدينة, جمعوا ما كان عندهم في إناء واحد, ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية, فقال النبي ﷺ : “هم مني وأنا منهم [البخاري(2486)، ومسلم (2500)]، وتلك الصورة أقرب ما تكون إلى التأمين التعاوني؛ لذا فقد ذهبت المجامع الفقهية, وأكثر الفقهاء المعاصرين إلى جوازه.
وأما حكم زكاته, فإن الذي يظهر في صورة التأمين التعاوني أنه لا زكاة في أقساطه, أو دفعاته التأمينية, على المؤمن, والمؤمن له, فأما المؤمن فإنه لا يملك المال, وإنما هو وكيل بأجر عن المؤمن لهم, وأما المؤمن لهم فإن المال قد خرج من ملكهم فليس لهم حق استعادته, ولا المطالبة به بناء على العقد المتفق عليه بين الطرفين إلا في حالة انقضاء السنة المالية, وزيادة مبالغ التأمين التعاوني بعد تغطيتها للأخطار المؤمن ضدها, فإن لهم الحق في استعادة الفائض المالي بالنسبة بين جميع الشركاء, ما لم يتفق على خلاف ذلك, كأن يكون هذا الفائض من نصيب شركة التأمين التعاوني نظير إدارتها لأموال التأمين، فإنه والحالة هذه يجب تزكية المال الفائض, وما نشأ عنه من أرباح بعد مضي الحول من تحققه لشركة التأمين لكونها لم يستقر ملكها له قبل ذلك.
وأما التأمين الاجتماعي فهو يتفق مع التأمين التعاوني في المقصد, فهو أيضا يقوم على أساس التكافل الاجتماعي, فلا تقصد به المعاوضة بين الدولة وموظفيها؛ لذا ألحق به في الحكم لدى المجامع الفقهية وأكثر الفقهاء المعاصرين, أما الاختلاف الموجود بينهما في بعض السمات, فلا يؤثر في حكمه.
و أما حكم زكاة مال التأمين الاجتماعي, فإنها غير واجبة؛ لعدم الملك التام, فإن الموظف مثلا في الراتب التقاعدي لا يحق له المطالبة بحقوقه قبل نهاية خدمته وحلول الوقت المتفق عليه بين الطرفين لا ستحقاقها, فلم يتحقق له تمام الملك.
و أما الدولة فلا تجب زكاتها عليها كذلك؛ لأنها جهة عامة, لا تملك ملكا تاما, ولا تجب الزكاة في المال العام.
1. أبحاث وأعمال الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة (ص:33, 107).
2. أبحاث هيئة كبار العلماء (4/314).
3. التأمين بين الحظر والإباحة لمحمد الصالح.
4. التأمين وأحكامه، سليمان الثنيان (157-254).
5. مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/2/567ـ647ـ731).
6. موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، وهبة الزحيلي (1/479-481).
7. نظام التأمين، مصطفى الزرقا.
8. نوازل الزكاة عبدالله بن منصور الغفيلي (253-264).