زكاة البترول والثروات المعدنية الباطنة والطبيعية.
الثروة المعدنية التي ركزها الله في الأرض وخلطها بترابها وهدى الإنسان إلى استخراجها بوسائل شتى حتى يصنعها ويميزها ذهبا وفضة أو نحاسا أو حديدا أو نفطا أو قارا وغيرها من المعادن السائلة والجامدة تبوأت في حياة البشر مكانة عالية من الأهمية ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي تتنافس فيه الشركات العالمية للحصول على امتيازات التنقيب عن هذه المعادن في جوف الأرض وخاصة النفط منها، فما حكم الشريعة فيما يحصل من هذه المعادن وهل تجب فيها الزكاة؟
المعادن الطبيعية هي الجواهر التي خلقها الله في الأرض ولا تشمل الكنوز المدفونة في الأرض من قبل أناس غير معروفين وهي ما يعرف بدفائن الجاهلية، وقد ضبط النووي الفارق بين المعادن الظاهرة والباطنة بأن الظاهرة ما خرج بلا علاج أو عمل, كالكبريت والقار, والباطنة ما لا يخرج إلا بعلاج أو عمل كالذهب والفضة والحديد والنحاس والنفط.
ولما كان الملك التام سببا لوجوب الزكاة في الأموال فلا بد من التحقق من وجوده في هذه الثروة قبل الحكم بوجوب الزكاة فيها من عدمه.
وقد اتفق الفقهاء على أن ملكية المعادن الباطنة تكون عامة وليست خاصة إذا وجدت في أرض غير مملوكة لأحد من الناس, فتتولى الدولة إخراجها وإنفاقها في مصالح المسلمين([1]).
واختلفوا في ملكية هذه المعادن إذا وجدت في أرض مملوكة لأفراد معينين أو في أرض مباحة معدة للإحياء على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية في قول, والحنابلة في رواية إلى أن هذه المعادن تملك للناس ملكية خاصة إذا وجدت في أرض مملوكة ملكا خاصا، أو في أرض مباحة معدة للإحياء واستخرجها بعض الناس وبذلوا الجهد والمال في سبيل تحضيرها، إلا أن الحنابلة قصروا ذلك على المعادن الجامدة دون السائلة وأما السائلة فتبقى مباحة لا تملك لآحاد الناس.
واستدل أصحاب هذا القول بأن رسول الله ﷺ أقطع بلالا المزني أرضا وما كان فيها من جبل أو معدن فباعها بنو بلال من عمر بن عبد العزيز فخرج فيها معدنان فقالوا: إنما بعناك الأرض ولم نبعك المعدن وجاؤوا بكتاب القطيعة التي قطعها رسول الله ﷺ لأبيهم فجعل عمر يمسحها على عينه، ثم قال لقيِّمه: “انظر ما استخرجت منها وما أنفقت عليها فقاصهم بالنفقة ورد عليهم الفضل”، فقالوا: إنه يدل على أن ما يجده في ملك من معادن هو أحق به.
قالوا: ولأن من ملك أرضا ملك ما فيها من معادن لأنها جزء من أجزاء الأرض فهي كالتراب والأحجار الثابتة في الأرض والزروع والثمار.
القول الثاني: ذهب المالكية في المشهور عندهم إلى أن هذه المعادن تملك للدولة ملكية عامة ولا تملك للأفراد ولو وجدت في أرض مملوكة لهم، وكذلك لا تملك بالاستيلاء عليها في أرض مباحة وللإمام أن يقفها على جميع المسلمين ويستغلها في مصالحهم وله أن يقطعها لمن يشاء من المسلمين نظير مال يصرف في مصالح المسلمين أو بالمجان إن رأى المصلحة في ذلك، واستدلوا بقول النبي ﷺ : (المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار) [أبوداود (3477)، وابن ماجه: (2472)]، وفي رواية ثانية: (ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار)، [ابن ماجه: (2473)] وفي رواية ثالثة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء والملح والنار)، [ابن ماجه: (2474)] فهذه الأحاديث تدل على أن الماء والكلأ والنار والملح مملوكة ملكا عاما وليس خاصا، والنص على هذه الأربعة للدلالة على كونها نماذج لمواد أخرى كالثروات الكامنة في باطن الأرض أو الموجودة في ظاهرها، وحكمها جميعها واحد وهو أن ملكيته عامة لا يجوز لأحد من الناس أن يملكها.
وما روى أبو عبيد بسنده إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم: أن رسول الله أقطع بلال بن الحارث معادن القبلية – بلاد معروفة في الحجاز في ناحية الفرع – قال: فتلك المعادن لا تؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم)([2])، فهو يدل على أن أمر المعادن للإمام.
ولأن هذه المعادن موجودة في باطن الأرض قبل ملك المالكين فلا يختص بها مالك الأرض.
ولأن الناس يحتاجون إليها ولا يستغنون عنها وقد يجدها شرار الناس فلو لم يكن حكمها للإمام لأدى ذلك إلى الفتن والهرج.
وبناء على هذا القول فإن المعادن بجميع أنواعها من جامدة وسائلة تكون ملكيتها ملكية عامة لكافة المسلمين وللإمام أن يتصرف فيها وفق المصلحة ولا يترك للناس أمر امتلاكها؛ لأنها تعد ثروة عظيمة من ثروات الأمة، وتشكل موردا مهما من موارد الدولة وتمليكها لآحاد الناس يؤدي إلى حصر الثروة في فئة قليلة من الناس مما يؤدي إلى سوء توزيع الثروة.
وقد اتفق الفقهاء على عدم وجوب الزكاة في الثروات المعدنية والطبيعية إذا كانت مملوكة للدولة, إذ إنها في تلك الحالة ليست مملوكة لمالك معين ولا يستطيع المسلمون المستحقون لها التصرف فيها تصرفا مطلقا, وبهذا الرأي أخذ كثير من العلماء المعاصرين منهم الشيخ عبد العزيز بن باز.
واستدل القائلون بهذا القول بأن المعادن الباطنية والطبيعية غير مملوكة للأفراد وإنما هي مملوكة للدولة أي للمسلمين جميعا وليس لأحد معين فلا تزكى, وأجابوا عما نوقشوا به من كون الدولة ذات شخصية اعتبارية مما يعتبر ملكا لمعين, بأن الدولة لا تملكها وإنما يملكها المسلمون وتقوم الدولة بالتصرف نيابة عنهم.
وقالوا أيضا إن الدولة هي التي تأخذ الزكاة من الأغنياء وتوزعها على المستحقين فكيف تؤخذ منها الزكاة؟
وأجابوا عما نوقشوا به من المطلوب من الدولة تخصيص خمس البترول مثلا باسم الزكاة باعتباره حقا لله بحيث لا يصرف إلا في مصارف الزكاة الشرعية, بأن جميع الأموال التي تستحق من البترول والمعادن الباطنة تصرف في المصالح بما فيها الفقراء والمساكين والمستحقون للزكاة فلا داعي لأخذ الزكاة من هذه الأمور.
وهناك من المعاصرين من يرى وجوب الزكاة في البترول والمعادن الباطنة مثل الدكتور محمد شوقي الفنجري وقد جهر برأيه هذا في المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي والذي انعقد بمكة المكرمة في شهر صفر 1396هـ الموافق فبراير 1976م وأكد على ضرورة التزام الدول الإسلامية المنتجة للبترول بتخصيص خمس الناتج منه باسم الزكاة بحيث يوزع على المحتاجين والمستحقين شرعا من مواطنيها وما يزيد عن حاجتهم يوزع على المحتاجين، وأيده في ذلك الدكتور محمود أبو شهبة، واستندوا إلى الأدلة الواردة في التعاون وفي اعتبار المسلمين جسدا واحدا.
ونوقش هذا القول بأنه مخالف لما عليه إجماع المسلمين من أن مال الدولة لا زكاة فيه، وسند هذا الإجماع أن شروط وجوب الزكاة الملك التام وملك الرقبة وملك اليد وملك التصرف في المال وأن تعود فوائده له وتمام الملك هو النعمة الكاملة، والملك الناقص ليس بنعمة كاملة، والزكاة تجب في مقابلة النعمة الكاملة، ولأن الذي يطرحه لا يتعلق بموضوع الزكاة وإنما يتعلق بالتكافل الاجتماعي بين المسلمين والواجب الديني المفروض في أموال الأغنياء لصالح المحتاجين.
([1]) المبسوط للسرخسي (2/217 و3/25)، قوانين الأحكام الفقهية لابن جزي ص(119)، مغني المحتاج للشربيني (2/372), المغني لابن قدامة (3/28).
1. الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص(236).
2. الأحكام السلطانية للماوردي ص(197).
3. أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة ص(411).
4. الإسلام والضمان الاجتماعي للفنجري ص(69, 70, 71).