زكاة بيت المال
لم يكن مصطلح المال العام شائعا عند الفقهاء المتقدمين, فلم يستخدمه منهم إلا قلة قليلة, بينما الكثرة منهم كانوا يعبرون عنه ببيت المال, ومصطلح المال العام لم يكثر استعماله إلا عند المتأخرين, وهو عبارة عن: (المال المرصد للنفع العام, دون أن يكون مملوكا لشخص معين, أو لجهة معينة, كالأموال العائدة إلى بيت مال المسلمين)، وبهذا عرفته الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة.
وأشمل منه أن يقال: إنه المال الذي استحقه المسلمون بطريقة مشروعة, ولم يتعين مالكه, ويتولى ولي أمر المسلمين ـ نيابة عنهم ـ صرفه في مصالحهم العامة.
فما حكم زكاة هذا النوع من المال؟
تبين مما سبق أن المال العام مال غير مملوك لمعين, مستحقه المسلمون, بلا تعيين, والمباشر للتصرف فيه هو ولي أمر المسلمين نيابة عنهم, ومصارفه هي مصالح المسلمين العامة.
و من المعلوم أن من شروط وجوب الزكاة في المال أن يكون مالكه يملكه ملكا تاما, بأن يملكه رقبة ويدا, وهو ما يسمى بالملك المطلق, بحيث يتمكن من التصرف فيما يملك, بحسب اختياره, كما هو تفسير الملك التام عند الجمهور من الحنفية, والمالكية, ويعتبر قولا عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة. ورغم أن مذهب الجمهور في تفسير الملك التام هو الراجح, إلا أنه لا يلزم منه إمكان التصرف منه حالا, وإنما يقصد به استقرار الملك وثباته بإمكان التصرف حالا, أو مآلا من مالك معين([1]).
و بناء على ما تقدم, لا بد من تحقق ثلاثة شروط؛ لتأثير سبب الملك في وجوب الزكاة, واعتباره ملكا تاما, وهي: استقرار الملك, والقدرة على التصرف المطلق في المال المملوك, وكون المالك معينا.
و قد تعرض الفقهاء لمسألة زكاة بيت المال, وهو مال المسلمين العام, وقرروا عدم وجوب زكاته؛ لعدم تعين مالكه, ولكونه يصرف في مصالح المسلمين.
كما أن بعض نصوصهم الفقهية الدالة على عدم وجوب الزكاة في أموال الغنائم قبل قسمتها, تفيد القول بعدم وجوب زكاة المال العام أيضا؛ لكون مال الغنائم من الأموال العامة, مما يجعلنا نقول باتفاقهم على ذلك.
و قد اتفق المعاصرون على ذلك أيضا, وإنما وقع الخلاف لديهم في زكاة المال العام إذا استثمر, فمنهم من رأى وجوب زكاته في هذه الحال؛ لأن سبب وجوب الزكاة في المال كونه ناميا؛ فإذا اتخذ المال العام للاستثمار فقد تحقق فيه هذا السبب فوجبت زكاته.
وذهب أكثر العلماء المعاصرين إلى عدم وجوب زكاته, وبه أفتت الندوة الثالثة عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة؛ لكونه غير مملوك ملكا تاما, لا سيما مع اتفاقهم على عدم وجوب زكاة المال العام غير المستثمر, فيكون حكمهما واحدا؛ لتحقق العلة المتقدمة فيهما, ولكون الناتج من الاستثمار تابعا للأصل في الحكم, والتابع تابع لا يفرد بحكم, فضلا عن أن يكون ناقلا لحكم الأصل.
أضف إلى ذلك كون الزكاة عبادة, لا بد لها من نية, ولا يمكن هذا مع عدم تعين المالك، وهذا هو الراجح والأقرب للأصول والقواعد الشرعية.
و هذا لا يعني عدم جواز الصرف من المال العام في مصارف الزكاة, عند الحاجة إلى ذلك, بل يجب على الإمام الاجتهاد في سد حاجة المحتاجين, وتحقيق المصلحة العامة للمسلمين, إلا أن تقصيره في ذلك ليس مبررا لإيجاب الزكاة في مال لا تجب فيه.
و بناء على ما تقدم, فإن الزكاة لا تجب في الشركات التي تمتلكها الدولة لاستثمار الأموال العامة للمسلمين, في مختلف المجالات ؛ لا فتقادها لشرط الملك التام.
و كذلك لا تجب في نصيب الدولة من الشركات الاستثمارية, سواء كانت مساهمة أو لا, ولا تؤثر الخلطة في ذلك؛ فإن الخلطة لا توجب الزكاة على من لا تجب عليه؛ ولذا فإن الفقهاء استثنوا من تعميم تأثير الخلطة في الأموال الزكوية الأموال العامة, قال في نهاية المحتاج : “نبه بقوله: أهل الزكاة, على أنه قيد في الخليطين, فلو كان أحد المالين موقوفا, أو لذمي, أو مكاتب، أو لبيت المال, لم تؤثر الخلطة شيئا, بل يعتبر نصيب من هو من أهل الزكاة إن بلغ نصابا زكاه زكاة المنفرد, وإلا فلا زكاة”([2]).
فالزكاة إنما تجب على باقي الشركاء, ممن تحققت فيهم شروط الزكاة.
([1]) المبسوط (3/52)، بدائع الصنائع (2/8)، التاج والإكليل (3/82)، المجموع (5/312)، نهاية المحتاج (3/60)، شرح منتهى الإرادات (1/392).
1. أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة ص(420, 317, 414).
2. بحوث فقهية معاصرة “زكاة المال العام”، محمد عبدالغفار الشريف ص(561).
3. زكاة المال العام محمد سعيد رمضان البوطي، من أبحاث الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة ص(398).
4. زكاة المال العام، وهبة الزحيلي، ص(30).
5. ضوابط التصرف في المال العام في الفقه الإسلامي، خالد الماجد.
6. موسوعة الفقه الإسلامي المعاصر، (1/461-463).
7. نوازل الزكاة عبدالله بن منصور الغفيلي (ص 237-251).