زكاة الأوراق المالية (السندات)
من المستجدات في المعاملات الحديثة ما يعرف بالسندات, وهي صكوك تصدرها الدول, أو الشركات, تمثل قروضا عليها, وتلتزم بسدادها, بموجب تلك السندات لحاملها, في تواريخ محددة, وبفائدة ثابتة, وتشترك مع الأسهم في بعض الخصائص, مثل تساوي قيمتها, وقبولها للتداول, وعدم قبولها للتجزئة, لكنها تختلف معها في أمور جوهرية, منها: أن السند يمثل دينا على الشركة, ويعتبر صاحبه دائنا للشركة, بينما السهم يمثل حصة من رأس المال, ويعتبر صاحبه شريكا. وأن السند يستلزم فائدة ثابتة لحامله, بينما السهم يبقى حامله معرضا للربح والخسارة, وأن السند تستوفى قيمته عند انتهاء المدة المحددة, بخلاف السهم, فلا تسترد قيمته, ما دامت الشركة قائمة.
و من هنا يتبين أن السندات في حقيقتها تمثل ديونا لحامليها على مصدرها, مع التزام مصدرها بدفع فائدة محددة لحاملها, في وقت محدد, فما حكم زكاة هذا النوع من الأموال؟
تبين مما سبق من تصوير المسألة أن السندات قروض ربوية, مما يلزم منه تحريم إصدارها, والتعامل بها.
و بذلك صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: (62/11/6) ونصه: “وبعد الاطلاع على أن السند شهادة, يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق, مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند, أو ترتيب نفع مشروط, سواء أكان جوائز بالقرعة, أم مبلغا مقطوعا, أم خصما, فقد قرر المجلس: أن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه, أو نفع مشروط, محرمة شرعا, من حيث الإصدار, أو الشراء, أو التداول؛ لأنها قروض ربوية, سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة, أو عامة ترتبط بالدولة, ولا أثر لتسميتها شهادات, أو صكوكا استثمارية, أو ادخارية, أو سميت الفائدة الربوية الملتزم بها ربحا, أو ريعا, أو عمولة, أو عائدا”.
فزكاة المستندات لها ارتباط وثيق بحكم زكاة الدين, وحكم زكاة المال المحرم.
و بناء على ذلك, فقد اتفق الفقهاء المعاصرون على وجوب زكاة دين السند الأصلي, واختلفوا في حكم زكاة العائد الربوي من السند, على اتجاهين:
الأول: أن الزكاة واجبة في أصل السند فقط, أما الفوائد الربوية, فلا زكاة فيها, بل يجب التخلص منها, وهو قرار الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة.
و اعتمد أصحاب هذا القول على أن السندات عبارة عن دين على مليء, فتجب الزكاة فيه.
و أما الفوائد الربوية, فإنها مال محرم خبيث, لا يملكه كاسبه, فلا يزكى.
الاتجاه الثاني: وجوب الزكاة في كامل قيمة السند مع فوائدها, إلا إذا اتخذت للتجارة فتزكى زكاة التجارة.
و اعتمد أصحاب هذا القول على أن السندات عبارة عن ديون متميزة عن غيرها؛ لكونها نامية, فتجب فيها الزكاة, وأما تحريمها, فإنه لا يعطي صاحبها مزية على غيره.
وقد أوضحت ذلك فتوى الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة, ونص المقصود منها: “حائز المال الحرام, إذا لم يرده إلى صاحبه, وأخرج قدر الزكاة منه, بقي الإثم بالنسبة لما بيده منه, ويكون ذلك إخراجا لجزء من الواجب عليه شرعا, ولا يعتبر ما أخرجه زكاة, ولا تبرأ ذمته إلا برده كله لصاحبه, إن عرفه, أو التصدق به عنه, إن يئس من معرفته”.
(تنبيه) الحكم السابق بناء على تصوير السندات بسندات الديون المحرمة، وهي الشائعة في البنوك التقليدية، لكن وجد في الآونة الأخيرة في بعض المصارف الإسلامية سندات مباحة تمثل مضاربة أو إجارة أو مشاركة أو غير ذلك من الصيغ الجائزة، وهذه غير داخلة في محل البحث السابق.
1. أبحاث الندوة الحادية عشرة لقضايا الزكاة المعاصرة ص(79, 186, 126).
2. أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات لبيت الزكاة الكويتي ص(56).
3. الأسهم والسندات، أحمدالخليل ص(80).
4. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (13/345).
5. فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص(68, 171).
6. قرارت مجمع الفقه الإسلامي, قرار رقم: (62/11/6).
7. مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي (2/1725).
8. الموسوعة الاقتصادية للبرادي ص(314).
9. نوازل الزكاة، عبدالله الغفيلي ص(199-216).