تعتبر المصانع من أكبر قنوات الاستثمار في العصر الحاضر؛ لضخامة رؤوس أموالها وأرباحها مع تنوع أنشطتها وأشكالها, ورغم أنها نشأت حديثا إلا أن ما مضى دفع عجلة تطورها إلى الأمام بشكل سريع جدا, مما يحتم معرفة الحكم الشرعي فيها بالنسبة إلى زكاتها من عدمها, فما حكم زكاة المنشآت (المصانع) التي يتم فيها تحويل المواد الأولية إلى مصنوعات (منتجات نهائية)؟
لا تجب الزكاة في أعيان المستغلات ولا في قيمتها وإنما تجب الزكاة في صافي غلتها بنسبة ربع العشر وعلى ذلك نص فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة([1])، وقال به كثير من العلماء المعاصرين، وأقره كثير من لجان الإفتاء، منها اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية، ومنها مجمع البحوث الإسلامية في مؤتمره الفقهي الثاني المنعقد في القاهرة في 25/1/1385هـ الموافق 26/5/1965م، ومنها مؤتمر الزكاة الأول المنعقد في الكويت في 19/7/1404هـ الموافق 30/4/1984م، ومنها مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية المنعقدة في جدة في 10/3/1406هـ الموافق 22/12/1985م كل هؤلاء يرون عدم وجوب الزكاة في المستغلات (ومنها المصانع) وأن الزكاة إنما تجب في الغلة بعد مضي حول على إنتاجها وبلوغها نصابا.
ودليل أصحاب هذا القول عدم وجود نص من كتاب أو سنة في وجوب الزكاة في أعيان المستغلات، والأصل براءة ذمة الناس من هذه التكاليف وحفظ أموالهم، ولا يجوز مخالفة ذلك إلا بنص صريح ولا وجود له.
والاعتراض بأن النبي ﷺ إنما نص على الأموال النامية التي كانت منتشرة في المجتمع العربي في عهده ويقاس عليها غيرها, مدفوع بأن المستغلات كانت منتشرة في المجتمع العربي في عصره ﷺ ، فقد كان الناس في زمنه يستأجرون ويؤجرون ويقبضون الأجرة كما دلت عليه الآثار المروية عن الصحابة, فلا تجب الزكاة في المصانع وذلك لعدم الدليل الموجب لزكاتها مع وجود المستغلات في عصر التشريع؛ ولأن الأصل حفظ أموال الناس فلا يجوز الأخذ منها إلا بدليل شرعي لئلا يكون أكلا لأموال الناس بالباطل وهو محرم كما قال الله تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) [النساء: 29] وإنما تجب الزكاة في غلة المصانع إذا بلغت نصابا وحال عليها الحول من حين ابتداء إنتاجها؛ لأنها مال واحد يتقلب، والربح فيه تابع لأصله في نصابه وحوله، فزكاة المصانع إنما تكون بتزكية صافي غلالها بعد حولان الحول على بداية إنتاج المصنع..
([1]) بدائع الصنائع (2/22)، البيان والتحصيل (2/404)، الأم (2/63)، الفروع (2/513).
1. أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة, تأليف: عمر سليمان الأشقر. ومحمد عثمان شبير, ومحمد نعيم ياسين, ومحمد إبراهيم الخطيب, (3/263-264).
2. أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات والنذور والكفارات ص(57).
3. زكاة الأصول الاستثمارية الثابتة ضمن أبحاث الندوة الخامسة لقضايا الزكاة المعاصرة ص(451).
4. فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص(86).
5. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله بن بكر أبوزيد(1/789)
6. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثاني الجزء الأول ص(197).
7. نوازل الزكاة، عبدالله بن منصور للغفيلي ص(125-128)،