زكاة المال المدخر في المصرف.
يعتبر مصطلح الحساب الجاري من المصطلحات الحديثة التي لم تكن معهودة عند علمائنا القدامى مما ترتب عليه عدم وجود حكم يتعلق بهذا النوع من التعامل في كتب الفقه القديمة, وعرف الحساب الجاري عند علمائنا المعاصرين بأنه القائمة التي تقيد بها المعاملات المتبادلة بين العميل والبنك, وسمي جاريا؛ لأنه في حركة مستمرة زيادة ونقصا, وأما ما يسمى بـ (ودائع الحساب الجاري) فهي تلك المبالغ النقدية التي يودعها صاحبها لدى المصرف, ويلتزم المصرف بدفعها لصاحبها, متى طلبها، والواقع أنها وإن سميت ودائع إلا أنها قروض، فالتكييف الفقهي للحساب الجاري أنه قرض، المودع هو المقرض، والمصرف هو المقترض، وهذا هو الذي عليه أكثر الفقهاء المعاصرين، وأقره مجمع الفقه الإسلامي الدولي [89 (3/9)]، وجاء في قرار المجمع: (الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها وهو ملزم شرعاً بالرد عند الطلب. ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) مليئاً.) اهـ.
والواقع أن المصرف يمتلك الحسابات الجارية, ويكون له حق التصرف فيها, ويلتزم برد مبلغ مماثل عند الطلب, كما يكون ضامنا لها عند التلف، وهذه هي حقيقة القرض, فإن القرض يعرفه الفقهاء بأنه (دفع مال إلى الغير؛ لينتفع به ويرد بدله)..
وبناء على هذا التصوير كيف تكون زكاة الحساب الجاري؟
المال المودع في الحساب الجاري هو قرض كما سبق, فيكون الحكم في زكاته كالحكم في زكاة الدين إذا كان على مليئ باذل, وقد اختلف فيه العلماء على أقوال أرجحها وجوب الزكاة على المقرض (الدائن) كلما حال عليه حول, ولو لم يقبضه؛ وذلك لأنه في حكم المال الذي في يده, ولا مانع من قبضه, فلا يؤثر كونه في يد غير مالكه كما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي [1 (1/2)], لا سيما في مثل القرض في الحساب الجاري, فتحصيله أيسر من تحصيل غيره من القروض.
فإن تعسر ضبط زكاته لكثرة حركة المال في الحساب الجاري على مدى العام وعدم ضبط ما يدخر وما ينفق منه على وجه دقيق فإن المزكي يعين يوما في السنة, ويزكي فيه المال المودع في الحساب الجاري، وتكون الزكاة لما حال عليه الحول، وتكون كذلك لما لم يحل عليه الحول تعجيلا للزكاة، وتعجيل الزكاة جائز في قول جماهير الفقهاء.
1. بحوث في قضايا فقهية معاصرة، القاضي العثماني ص(350).
2. الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة ص(346).
3. عقد الوديعة في الشريعة الإسلامية، نزيه حماد ص(61ـ72).
4. مجلة مجمع الفقه الإسلامي, عدد: 9 (1/689).
5. نوازل الزكاة للغفيلي (163-170).
6. الودائع المصرفية لحسين كامل.