قسم الأسرةباب النكاح

زراعة الأعضاء التناسلية التي لا تحمل الصفات الوراثية

المسألة رقم 75

العناوين المرادفة

نقل الأعضاء التناسلية التي لا تنقل الصفات الوراثية.

صورة المسألة

الأعضاء التناسلية التي لا تحمل الصفات الوراثية (أعضاء الجهاز التناسلي) هي الأعضاء التي لا دخل لها في نقل الخصائص الوراثية، ولكن الشارع جعل لبعضها خصوصية شرعية، تصل إلى حرمة لمسها أو النظر إليها من غير صاحبها إلا في ظل عقد زواج، وهذه الأعضاء هي الذكر (القضيب) والفرج والمهبل، إضافة إلى الرحم وملحقاته، فهل يجوز نقل وزراعة هذا النوع من الأعضاء في جسم شخص آخر رغم ما لها من خصوصية شرعية؟

حكم المسألة

اختلف العلماء المعاصرون في حكم نقل الأعضاء التناسلية التي لا تنقل الصفات الوراثية على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يحرم نقل هذه الأعضاء من شخص بهدف زرعها في جسم شخص آخر.

القول الثاني: يجوز نقل هذه الأعضاء.

القول الثالث: التفصيل.

 

وللفقهاء والباحثين اتجاهان في التفصيل في هذه المسألة:

الاتجاه الأول: القول بالتفصيل اعتباراً بالعضو المنقول، وقد ذهب أصحاب هذا الرأي إلى جواز زراعة الأعضاء التناسلية التي لا تنقل الصفات الوراثية، باستثناء العورات المغلظة، وهو قول بعض الفقهاء المعاصرين، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي وتبناه أغلب المشاركين في ندوة “رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشرية”:

أ – فقد نص المجمع على ما يأتي: “زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية – ما عدا العورات المغلظة – جائز لضرورة مشروعة، وفق الضوابط والمعايير الشرعية”(1).

ب – وجاء في توصيات ندوة “رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشرية” ما يأتي: “رأت الندوة بالأكثرية أن زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي – ما عدا العورات المغلظة – التي لا تنقل الصفات الوراثية، جائز استجابة لضرورة مشروعة، وفق الضوابط والمعايير الشرعية”(2).

 

الاتجاه الثاني: القول بالتفصيل، وذلك على النحو الآتي:

  1. إذا كان النقل من شخص حي، فلا يجوز التبرع بما يقطع قدرته على الإنجاب، لأن النقل في هذه الحالة يعطل وظيفة أساسية في حياة المتبرع، وبناءً على هذا التعليل، لا يجوز نقل العورات المغلظة، ولا الرحم، ولا بوقي الرحم (قناتي فالوب) ولا الأنابيب الموصلة للمني، ويجوز نقل ما سواها من الأعضاء.
  2. إذا كان النقل من شخص ميت، فيجوز نقل الأعضاء التناسلية التي لا تنقل الصفات الوراثية، حتى العورات المغلظة، لعدم صحة استثنائها.

 

القول الثالث: الجواز.

أدلة القول الأول القائل بالتحريم:

الدليل الأول: قول الله تعالى: ﴿ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾ (1). وجه الدلالة: أن عملية النقل فيها تغيير لخلق الله، بنقص جسم من المعطي، ووصل جسم في المتلقي.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ ﴾ (2) وجه الدلالة: أن الأعضاء التناسلية من المقاتل، ونقلها قد يؤدي إلى هلاك المعطي، فيكون حراماً.

الدليل الثالث: حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن لي ابنة عريساً أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله؟ فقال لعن الله الواصلة والمستوصلة) أخرجه مسلم، ح: 2122، فقد دل الحديث على تحريم الوصل، وهو صادق على زراعة أي جزء من الجهاز التناسلي، فتكون محرمة.

الدليل الرابع: أن القول بالجواز يؤدي إلى عدة محاذير شرعية، منها:

أ – انتشار مشاكل اجتماعية، لأن زراعة تلك الأعضاء قد تؤدي إلى نفور أحد الزوجين من الآخر بسبب الإحساس بوجود عضو غريب على عقد الزوجية بينهما.

ب – أن نقل الأعضاء التناسلية قد يؤدي إلى العقم بالنسبة للمعطي، وهو أمر يحرم التسبب فيه.

الدليل الخامس: أن زراعة الأعضاء الجنسية المقصود منه تحصيل النسل أو تكميل الاستمتاع أو التجميل، وكلها من المقاصد التحسينية أو الحاجية التي لا يستباح لها ما يستباح للضرورة من كشف العورات وانتهاك الحرمات.

 

أدلة القول الثاني القائل بالجواز:

الدليل الأول: أن نقل هذه الأعضاء يدخل في حدود الضروريات، مما يدل على جوازه عند الاقتضاء.

الدليل الثاني: أن زراعة تلك الأعضاء لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب، وهو وسيلة الإخصاب وإيجاد النسل الذي هو مقصد من مقاصد الشريعة.

 

أدلة القول الثالث القائل بجواز زراعة الأعضاء التناسلية التي لا تنقل الصفات الوراثية، باستثناء العورات المغلظة:

أ – من ناحية الجواز: نفس أدلة القول الثاني.

ب – فيما يخص استثناء العورات المغلظة:

الدليل الأول: أن نقل الفرج يؤدي إلى كون المعاشرة الجنسية من قبيل الوطء المحرم فتشبه الزنا، ففي حال زراعة الفرج يكون الزوج قد وطئ فرجاً لم يستبح بعقد زواج، وفي حال زرع الذكر تكون الزوجة قد وطئت بذكر أجنبي عليها أيضاً.

الدليل الثاني: أن العورة المغلظة تختص عن سائر أعضاء الجسم بكونها لا يجوز لمسها، أو النظر إليها لغير صاحبها أو من يرتبط معه بعقد نكاح، فقياسها على بقية الأعضاء قياس مع الفارق.

الدليل الثالث: أن الأصل في الفروج الاحتياط والتورع والمنع.


(1) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم: 59/8/6 في دورة مؤتمره السادس بجدة من 17 – 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 – 20 مارس 1990].

(2) الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت في الفترة ما بين 23 – 26 ربيع الأول 1410هـ الموافق 23 – 26 أكتوبر 1989م بالتعاون بين المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية].

(1) النساء : الآية 119.

(2) البقرة : الآية 195.

المراجع

1. المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، الدكتور محمد بن عبدالجواد حجازي النتشة.
2. البنوك الطبية البشرية وأحكامها الفقهية، الدكتور إسماعيل مرحبا.
3. أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها، الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي، ص: 354 – 391.
4. مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (ع6، ج3)، ص: 2141 – 2155.
5. زراعة الغدد التناسلية أو زراعة رحم امرأة في رحم امرأة أخرى، الدكتور حمداتي ماء العينين، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (ع6، ج1).
6. زراعة الغدد التناسلية والأعضاء التناسلية، الأستاذ الدكتور محمد علي البار، ضمن ثبت أعمال ندوة “رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشرية”، نسخة إلكترونية.
7. أحكام الجنس في الفقه الإسلامي، رسالة أعدها لنيل درجة الماجستير في الفقه الإسلامي وأصول الطالب: يحيى محمد أمين كنج الحلبي، كلية الشريعة، جامعة دمشق، 1427هـ – 2006م، ص: 245 – 247.
8. نقل وزراعة الأعضاء التناسلية، الدكتور محمد سليمان الأشقر، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، (ع6، ج3).
9. زراعة الأعضاء في جسم الإنسان، الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، بحث مقدم إلى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثالث عشر، ١٣ ربيع أول ١٤٣٠هـ – ١٠ مارس ٢٠٠٩ م.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى