قسم المعاملات الماليةباب البنوك والقروض

رهن الحسابات البنكية والانتفاع بذلك

المسألة رقم 193

العناوين المرادفة

رهن الوديعة الجارية، رهن الوديعة المتحركة، رهن الودائع تحت الطلب، رهن ودائع الحساب الجاري، رهن الودائع الواجبة للدفع عند الطلب، رهن ودائع بدون تفويض بالاستثمار، رهن الودائع المصرفية، رهن النقود المودعة في الحسابات المصرفية.

صورة المسألة

أن يتفق العميل مع مصرفه على حجز مبلغ من المال في حسابه الجاري لا يسمح له أن يسحبه أو يحرر الشيكات مقابله؛ ليكون رهناً لضمان وفائه بالتزاماته الواجبة أو التي مآلها إلى الوجوب للمصرف أو لمؤسسة أخرى، مثل حالات فتح الاعتماد المستندي للاستيراد، أو إصدار البطاقة الائتمانية، أو كفالة جهة أخرى من قبل ذلك العميل.
وخلاصة ذلك: رهن صاحب الحساب الجاري المبلغ المودع فيه توثيقا لدين قد يجب عليه لسبب أو آخر.

حكم المسألة

وتشتمل المسألة على فرعين:

الفرع الأول: حكم رهن الحساب البنكي:

رهن الحساب البنكي يتكيف فقهيًا على أنه رهن للدين، وهذا ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وللعلماء في رهن الدين قولان:

القول الأول: حرمة رهن الدين مطلقًا سواء رهن ممن هو عليه أم من غيره، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وممن قال به من المعاصرين: محمد تقي العثماني، والصديق محمد الأمين الضرير([1]).

واستدلوا بما يلي:

  • قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].
  • ووجه الدلالة: أن الدين حق لا يتصور فيه القبض، وإنما يتأتى القبض في الأعيان.
  • الدين غير مقدور على تسليمه فلا يصح رهنه.
  • الدين قبل قبضه لا وثوق به وبعده لم يبق دينا([2]).

 

القول الثاني: جواز رهن الدين مطلقا، وهذا مذهب المالكية([3])، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

واستدلوا بما يلي:

  • ما كان في الذمة آكد قبضا من المعين.
  • يصح رهن الدين تنزيلا له منزلة العين.
  • أن موجب الرهن استحقاق البيع في محل الحق، والدين يجوز بيعه فجاز رهنه.
  • أن الحق للمرتهن فإذا رضي بذلك فيلزم ما تراضيا عليه([4]).

 

الفرع الثاني: حكم الانتفاع برهن الحساب الجاري:

لا خلاف في أن المرتهن لا يملك الانتفاع بدون إذن الراهن([5])، فإذا أذن له في الانتفاع بالرهن الناشئ عن القرض([6])، كان لذلك قولان للعلماء:

القول الأول: عدم جواز الانتفاع بالرهن الناشئ عن القرض، وهذا معتمد المذاهب الفقهية الأربعة([7])، وبه صدر المعيار الشرعي عن هيئة المحاسبة والمراجعة.

واستدلوا بما يلي:

  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغلق الرهن؛ الرهن لمن رهنه؛ له غنمه، وعليه غرمه). [أخرجه ابن حبان 13/ 258 رقم (5934)، وخرجه الدارقطني وقال: “هذا إسناد حسن متصل”. 3/ 437رقم (2920)].
  • حديث: (كل قرض جر منفعة فهو ربا). [أخرجه البيهقي في الكبرى 5/573 رقم (10933) وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص 253: “إسناده ساقط”].

 

القول الثاني: جواز الانتفاع بذلك، وهذا قول عند الحنفية([8])، وإليه ذهب بعض المعاصرين.

ودليلهم: أن الراهن يملك جميع منافع المرهون فله أن يملكها لغيره، فإذا ملكها أو أباحها جاز للمرتهن الانتفاع بها.

 

الملاحق:

قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي:

قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995 م ما يلي:

  • الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها هو ملزم شرعا بالرد عند الطلب.
  • إن رهن الودائع جائز، سواء أكانت من الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع الاستثمارية، ولا يتم الرهن على مبالغها إلا بإجراء يمنع صاحب الحساب من التصرف فيه طيلة مدة الرهن. وإذا كان البنك الذي لديه الحساب الجاري هو المرتهن لزم نقل المبالغ إلى حساب استثماري، بحيث ينتفي الضمان للتحول من القرض إلى القراض (المضاربة) ويستحق أرباح الحساب صاحبه تجنبا لانتفاع المرتهن (الدائن) بنماء الرهن ([9]).

 

المعايير الشرعية؛ هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية الشرعية:

  • يجوز للراهن الانتفاع بالمرهون بإذن المرتهن، ولا يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون عوض مطلقا بإذن الراهن أو بغير إذنه، ويجوز بأجر المثل إذا كان بإذن الراهن.
  • رهن الحسابات الجارية والتأمينات النقدية: في حالة رهن حساب جار لدى المؤسسة لصالحها، عليها ألا تستخدمه لصالح المؤسسة، إلا إذا اتفق الطرفان على نقله إلى حساب استثمار بحيث يتحول من حكم القرض إلى أحكام المضاربة تجنبا لانتفاع المؤسسة (المرتهنة) به، ويستحق صاحب الحساب ربح رب المال، وتستحق المؤسسة ربح المضارب ([10]).

([1]) بدائع الصنائع (6/ 135)، تحفة المحتاج (5/ 54)، كشاف القناع (3/ 321).

([2]) أحكام القرآن للجصاص (2/ 261)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (6/ 34)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (5/ 55).

([3]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (3/ 231).

([4]) أحكام القرآن لابن العربي (1/ 344)، النجم الوهاج في شرح المنهاج (4/ 296)، رهن الحسابات المصرفية (ص:73).

([5]) قال السرخسي في المبسوط (21/106): “لا خلاف أن المرتهن لا يملك الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن”.

([6]) إذا كان الانتفاع برهن ناشئ عن عقد معاوضة بإذن الراهن، ففيه خلاف آخر بين الفقهاء، وعدم الجواز هو ما صدر به المعيار الشرعي عن هيئة المحاسبة والمراجعة، المعيار رقم 39، ص987، وينظر: الأم (3/159)، المدونة ص1205، المبسوط (21/106)، بدائع الصنائع (6/145،146)، المغني (6/509)، نهاية المحتاج (4/235،236)، رهن الحسابات المصرفية ص11، الحساب الجاري، العلاقة المصرفية والآثار الشرعية ص26-28.

([7]) المدونة (ص:1205)، الأم (3/159)، بدائع الصنائع (6/145،146)، المغني (6/509).

([8]) المبسوط (21/106).

([9]) قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، جميل أبو سارة ص 140، 141.

([10]) المعايير الشرعية؛ هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعيار رقم 39، ص986 – 990، المعيار رقم 39.

المراجع

1) الحساب الجاري، العلاقة المصرفية والآثار الشرعية؛ عبد الله بن محمد العمراني، مجلة البحوث والدراسات الشرعية- العدد الثامن جمادى الأولى 1434هـ.
2) رهن الحسابات المصرفية، دراسة فقهية مقارنة، بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير؛ لعلي بن عائل بن عبد الله الأمرير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
3) مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، العدد التاسع، الودائع المصرفية.
4) المعايير الشرعية، النص الكامل للمعايير الشرعية التي تم اعتمادها حتى 1439 هـ نوفمبر 2017م. هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى