قسم المعاملات الماليةباب الشروط

ربط أجر الممارس الصحي بحصول الشفاء للمريض

المسألة رقم 183

العناوين المرادفة

• مشارطة الطبيب على البرء.
• التقدير بالبرء.
• الجعل للطبيب على إبراء العليل.

صورة المسألة

معاقدة الطبيب على البرء والشفاء من المرض بأجرة معلومة للمتعاقدين، فإذا برئ المريض أخذها الطبيب، وإلا لم يأخذ شيئا.
ومن المسائل المشابهة أيضا: مشارطة المعلم على حذق الطالب أو حفظه، ومشارطة الناشد على وجود العبد الآبق، ومشارطة الحافر على استخراج الماء.

حكم المسألة

اختلف الفقهاء في حكم مشارطة الطبيب على استحقاق الأجرة بحصول البرء والشفاء للمريض، على اتجاهين:

الاتجاه الأول: المنع، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة، واختاره ابن القاسم، وابن الجلاب، وابن حزم، والقاضي أبو يعلى، ومن المعاصرين الصديق الضرير([1]).

الاتجاه الثاني: الجواز، وهؤلاء على طريقتين:

الطريقة الأولى: أنه إجارة، وهذا مذهب المالكية([2]).

الطريقة الثانية: أنه جعالة، وهذا مذهب الشافعية([3])، واختاره بعض الحنابلة، كابن أبي موسى، وابن قدامة([4])، وبعض المعاصرين([5]).

الأدلة:

أدلة الجواز:

  • قال الله تعالى: ﴿ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم﴾ [يوسف: 72]، فتعليق أجرة الطبيب على حصول الشفاء مثل تعليق الأجرة (حمل بعير) لمن جاء بصواع الملك، فكلاهما جعالة، تم فيهما تعليق الأجرة على حصول أمر مظنون.
  • حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرقية، وفيه: (فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا. فصالحوهم على قطيع من الغنم) [أخرجه البخاري، رقم (2276)]، فهذا جعل مقابل الرقية.
  • الإجماع على جواز الجعالة في رد العبد الآبق، وهذا مثله.
  • أن صيغة المسألة صيغة جعالة؛ لأن المريض يقول: إذا عالجتني فشفاني الله على يديك كان لك عندي كذا، وهذه صيغة واضحة في معنى الجعالة التي لا تعدو أن تكون التزامًا بعوض معلوم على عمل معين أو مجهول.
  • أن الجهالة في عقد الجعالة لا تضر بالاتفاق.
  • أن الطبيب لا يشارط على الشفاء إلا على مرض يغلب على ظنه حصول البرء، لا ما كان من شأنه أن يطول، أو لا يقبل الشفاء.
  • أن العادة جارية به، ويشق ضبطه، فجاز للضرورة.
  • على فرض أنه إجارة فهو إجارة على إتمام العمل، مثل كراء السفينة، والمشارطة على الحفر لاستخراج الماء في أرض موات غير معروفة، أو إرسال رسول إلى بلد لتبليغ رسالة أو الإتيان بشيء منها، ففي كل هذه الحالات لا تستحق الأجرة إلا بتمام العمل([6]).

أدلة المنع:

    • أن البرء مما لا يملكه الطبيب، فإن البرء بيد الله تعالى لا بيد أحد، ولا يقدر عليه سواه، وإنما الطبيب معالج ومقو للطبيعة بما يقابل الداء، ولا يعرف كمية قوة الدواء من كمية قوة الداء، وإنما يلتزم ببذل العناية الطبية المتعارف عليها.
    • أن فيه غررا: وذلك لما يلي:
    • الجهل بحصول البرء أو عدم حصوله.
    • جهالة عمل الطبيب ومدة العلاج، وقد يطول، ولا يمكن ضبطه، فقد يبرأ العليل بعد علاج يوم، وقد يبرأ بعد علاج شهر.
    • جهل الطبيب بحصوله على أجره المسمى وثمن أدويته أو عدم حصوله.
    • قد يحصل بعض الشفاء، فينتفع بذلك المريض، ويذهب عناء الطبيب هدرا.
    • أنه بيعتين في بيعة لأمرين:
    • أن العليل يشارط الطبيب إن برأ فله كذا وإلا فله ثمن الدواء.
    • أن الطبيب يبذل عملا ويبيع دواء، فهو جعلٌ وبيع.
    • لا حاجة تدعو إلى مجاعلة الطبيب على البرء، أما الحاجة التي تجعل الغرر غير مؤثر في عقود المعاوضات فهي الحاجة المتعينة، ومعنى تعينها أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول إلى الغرض سوى ذلك العقد الذي فيه غرر، وهذا المعنى غير متحقق في الجعالة على البرء، فالعليل يمكنه أن يتعاقد مع الطبيب بعقد الإجارة بشروطها الشرعية على العلاج، وهذا ما عليه عرف الناس، فلا حاجة إلى الجعالة على البرء.
    • أنه يشترط في الجعالة أن لا يكون للجاعل فيما لم يتم منه فائدة حتى منعوا حفر البئر في الدار مجاعلة لئلا يترك المجعول له العمل، فيبقى البئر لصاحب الدار مرحاضا والطبيب قد يترك في نصف البرء، أو بعد أن يشرف على البرء، فيكون قد انتفع العليل بذلك القدر من ذهاب علته، ولا يدفع شيئا، والصبي قد يحفظ بعض القرآن، فينتفع بذلك إن ترك المجعول له العمل، فيذهب عمله مجانا، وينتفع الجاعل([7]).

على اعتبار المشارطة على البرء جعالة فإنه يثبت ما يأتي:

  • لا يجوز اشتراط تقديم الأجرة: وإن جاز دفعها مقدمًا دون شرط، فهذا ما تقتضيه طبيعة الجعالة، فضلًا عن أن تقديم الأجرة يجعلها تتردد بين السلف والجعالة وذلك ممنوع شرعًا.
  • يجوز لكل من طرفي الجعالة فسخ العقد: لأنه عقد على عمل مجهول بعوض، فجاز لكل واحد منهما فسخه كالمضاربة، فإن فسخ الطبيب لم يستحق شيئًا؛ لأن الجعل يستحق بالفراغ من العمل وقد تركه فسقط حقه، وإن فسخ المريض، فإن كان قبل العمل لم يلزمه شيء، وإن كان بعد ما شرع الطبيب في العمل لزمه أجر المثل لما عمل، والاشتراط على البرء في العصر الحالي يجب أن يكون واضحًا وضوحًا لا لبس فيه؛ إذ العرف يجري على اعتبار التزام الطبيب في عقد العلاج؛ لأنه التزام ببذل عناية، وليس التزامًا بتحقيق الشفاء، وعليه فإن الإقرار بعدم استحقاق المقابل إلا عند البرء هو على خلاف الأصل، فلا يعتبر إلا عند الاتفاق عليه من غير توسع.
  • ألا يضرب أجلا: لأنه قد يبرأ قبل الأجل، فيأخذ بحسابه فيدور الباقي بين السلف والإجارة.
  • ألا يكون الدواء من عند الطبيب: لأن ذلك إنما جاز في الكحل على خلاف الأصل، للحاجة إليه، وجري العادة به، فلم يوجد ذلك المعنى هاهنا، فثبت الحكم فيه على وفق الأصل([8]).

([1]) المحلى (7/22 رقم1310)، الجامع لمسائل المدونة (15/436)، المختصر الفقهي لابن عرفة (8/231)، الإنصاف للمرداوي (6/75)، الإنصاف (6/391)، كشاف القناع (4/14، 206)، حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات (3/ 107)، مجلة مجمع الفقه (13/3/413)، الموسوعة الفقهية الكويتية (15/ 209)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (10/ 21).

([2]) المدونة (3/433)، وينظر: التأمين الصحي، الصديق محمد الأمين الضرير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (13/3/406).

([3]) تحفة المحتاج (5/ 297، 6/ 363)، حاشية الجمل (3/ 621).

([4]) الإرشاد إلى سبيل الرشاد (ص: 210)، المغني لابن قدامة (5/ 400).

([5]) مجلة مجمع الفقه (13/3/ 343، 349، 351).

([6]) وينظر: التأمين الصحي، الصديق محمد الأمين الضرير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (13/3/406).

المغني لابن قدامة (5/ 400)، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (10/123).

([7]) المحلى (7/22 رقم1310)، المختصر الفقهي لابن عرفة (8/ 230)، شرح ميارة (2/ 108)، شرح مختصر خليل للخرشي (7/ 61)، كشاف القناع (4/14)، مجلة مجمع الفقه (13/3/413 – 421).

([8]) النوادر والزيادات (7/ 30)، التلقين في الفقة المالكي (2/ 160)، الجامع لمسائل المدونة (15/ 435) شرح زروق على متن الرسالة (2/ 777)، الفواكه الدواني (2/ 115)، الفقه الميسر: النازلة السادسة والخمسون: طبيعة التزام الطبيب بالعلاج ومدى جواز المشارطة على البرء (12/ 181).

المراجع

1. مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث عشر.
2. التأمين الصحي، الصديق محمد الأمين الضرير، مجلة مجمع الفقه الإسلامي (13/3/406).
3. المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، دبيان الدبيان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض- المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1432هـ.
4. الموسوعة الفقهية الكويتية: إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، طبع بين 1404 هـ- 1427 هـ. على النحو التالي: (الأجزاء 1 – 23 دار السلاسل – الكويت) (24 – 38 دار الصفوة – مصر)، (39 – 45 طبع الوزارة).
5. الفقه الميسر: د. عبد الله الطيّار، د. عبد الله المطلق، د. محمَّد الموسى. نشر مدار الوطن، الرياض 1432/ 2011 – 1433 هـ – 2012 م.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى