رؤية المخطوبة عبر التصوير المتحرك.
قد يتعذر على الخاطب أن يرى مخطوبته بشكل مباشر، إما لبعده عن مكان المخطوبة، أو لمنع وليها من ذلك، فتكون الرؤية عبر الوسائل الحديثة كالفيديو إما بشريط أو عبر الانترنت، أو الجوال، أو نحوها، بديلاً للوصف، فما حكم الرؤية بهذه الوسائل؟ وهل تقوم مقام الرؤية المباشرة بالعين؟
رؤية المخطوبة قبل الخطبة مشروعة – كما هو مقرر في كتب السنة والفقه، وذلك إذا قصد الخاطب نكاحها، وغلب على ظنه أن يجاب إلى طلبه، وإن لم تأذن له، أو لم تعلم بنظره، اكتفاء بإذن الشرع له، ولئلا تتزين له، فيفوت غرضه([1]).
وله تكرير النظر ثانياً وثالثاً إن احتاج إليه، ليتبين هيئتها، فلا يندم بعد النكاح، إذ لا يحصل الغرض غالباً بأول نظرة. قَال ابْنُ قُدَامَةَ ([2]): لاَ نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ خِلاَفًا فِي إِبَاحَةِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ لِمَنْ أَرَادَ نِكَاحَهَا، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَل أخرجه أبو داود، ح: 2082.
واختلفوا في حكم النظر، فذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ النَّظَرُ لِلأْمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ التَّعْلِيل بِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَهُمَا.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يُبَاحَ لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِجَابَتُهُ نَظَرَهَا.
ومما جد في هذا العصر التصوير عبر الفيديو ونحوه، فهل يجوز رؤية المخطوبة من خلاله، وهل يكون كافيا في الرؤية الشرعية؟
للمعاصرين في هذه المسألة قولان:
” القول الأول: أن رؤية المخطوبة من خلال شريط الفيديو غير جائزة، ولا تقوم مقام الرؤية المباشرة. وإليه ذهب أكثر الباحثين المعاصرين.
القول الثاني: أن رؤية المخطوبة عبر شريط الفيديو جائزة وتقوم مقام الرؤية المباشرة. وإليه ذهب بعض الباحثين المعاصرين.
واشترطوا للجواز الأمن من انتشار الشريط، والأمن من تزوير الصورة”([3]).
دليل القائلين بالمنع:
هناك فريق منهم يرى المنع أصلاً في تحريم التصوير، وأنه لا ضرورة ولا حاجة تلجئ إلى التصوير هنا، فالرؤية المباشرة للمخطوبة مشروعة، وإذا لم يتمكن منها صح العقد بدونها.
ومن يرى إباحة التصوير يرى المنع هنا لما يلي:
- أن التصوير عبر الفيديو، وإن كان ينقل صورة حية للمرأة،، إلا أنه لا يؤدي الصورة الحقيقية المطابقة لواقع المخطوبة من حيث الصفات المرغبة في نكاحها.
- أن شريط الفيديو المصور للمخطوبة قد يكون قديماً، وقد تتجمل المرأة بما يظهر القبيح حسنا، والأسود أبيض، فيدخل على الخاطب التدليس والغرر بسببه.
- خطورة الفيديو من حيث انتشاره، فمهما كان من الاحتياطات، فقد ينتشر وينسخه الخاطب أو غيره بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، مما قد يسبب للمرأة ضرراً بالغاً، أو يؤدي إلى ابتزازها، وقد حدث شيء من ذلك كما لا يخفي.
دليل القائلين بالجواز:
- الأحاديث الدالة على عموم مشروعية النظر للمخطوبة، والنظر إليها يحصل بما يؤدي إلى المقصود منه، وهذا يعم الرؤية المباشرة وغيرها.
- أن الصورة عبر شريط الفيديو قريبة جداً من رؤية حقيقة الشيء المصوَّر، حيث ينقل شريط الفيديو المرأة المخطوبة بشكلها وهيئتها، وصورتها ونحو ذلك، ومن هنا تنتفي الكثير من المحاذير التي ترد على الصورة الفوتوغرافية في التدليس والخداع([4]).
ضوابط الجواز:
إذا قلنا بالجواز في هذه المسألة فثمَّ قيود يجب العمل بها:
- أن تكون الصورة حديثة تظهر المرأة كما لو كانت أمام الخاطب دون تدليس.
- أن تكون الرؤية عن طريق الولي، وألا يمكَّن الخاطب من أن تكون بيده.
([2]) المغني والشرح الكبير 7/341.
(1) أحكام الزواج د. عمر الأشقر ص61، أحكام التصوير في الفقه الإسلامي للدكتور محمد بن أحمد واصل ص 583.
([4]) أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، للدكتور محمد بن أحمد واصل، ص 583.
1. فتاوى ابن عثيمين، اللقاء الشهري، موقع ابن عثيمين.
2. أحكام الزواج في ضوء الكتاب والسنة، د. عمر سليمان الأشقر، الناشر دار النفائس عمان، الأردن.
3. أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، للدكتور/ محمد بن أحمد واصل، دار طيبة، الرياض، ط1، 1420هـ.
4. معالم مكتوبة في رؤية المخطوبة، المؤلف/ محمد بن ناصر الجعوان، الناشر: دار الضياء، سنة النشر: 1410 – 1990م.
5. أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية، د. أحمد فرّاج، دار المعارف – ط 5 – القاهرة.
6. خطبة النكاح، د. عبد الرحمن عتر، مكتبة المنار،الاردن، ط1، 1985م.
7. موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام: الجزء 6 – عطية صقر – الدار المصرية للكتاب1411 هـ 1991م.