دخول الحائض المسجد لغرض الخدمة.
1. مكث الحائض في المسجد.
2. لبث الحائض في المسجد.
3. دخول الحائض المسجد.
تطورت خدمات بعض المساجد في هذا العصر مما جعل القائمين عليها يوظفون النساء للقيام ببعض الخدمات في الأماكن المخصصة لصلاة النساء داخل المسجد. فهل يُسَوِّغ كون المرأة موظفة دخولها المسجد وقت الحيض؟.
هذه المسألة مبنية على مسألة مكث الحائض في المسجد، وهي من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء قديماً وحديثاً؛ وبيان ذلك فيما يلي:
تحرير محل النزاع:
لا خلاف بين فقهاء المذاهب الفقهية الأربعة في منع الحائض من دخول المسجد إن لم تأمن التلويث.
واختلفوا في دخولها المسجد ومكثها فيه إذا أُمن التلويث، ولهم في ذلك اتجاهان:
الاتجاه الأول: يرى عدم جواز مكث الحائض في المسجد.
هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وبه أفتى كل من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، ودار الإفتاء المصرية ودائرة الإفتاء العام بالأردن وغيرها.
واستدلوا بأدلة منها:
1- قوله تعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا۟ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا۟ ۚ} [النساء: ٤٣].
وجه الاستدلال: أن الآية منعت الجنب من مواضع الصلاة وهي المساجد إلا في حالة العبور، والحائض كالجنب فلا يجوز لها أن تمكث في المسجد.
نوقش:
أن قياس الحائض على الجنب قياس مع الفارق؛ إذ هناك فرق بين الجنب والحائض، فالجنب يستطيع أن يتطهر، بخلاف الحائض التي لا تملك التطهر إلا بعد طهارتها.
2- حديث عائشة – رضي الله عنها – وفيه يقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: “لا أحل المسجد لحائض ولا جنب” [رواه أبو داود في سننه (1/ 60)، رقم الحديث:(232) ] ووجه الدلالة: أن هذا نص في منع الحائض من المكث في المسجد؛ وذلك أن نفي الحل يدل على المنع والتحريم.
نوقش:
أن الحديث ضعفه جمع من أهل العلم، فلا يجوز أن يناط به حكم شرعي.
3- حديث أم عطية في مصلى العيد وفيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “ويعتزل الحيض المصلى”(رواه البخاري (1/ 72)، رقم الحديث:(324).
ووجه الدلالة: أمر النبي –صلى الله عليه وسلم– للحيض باعتزال المصلى، مع أنه يختلف عن المسجد في الأحكام، فدل ذلك على منع الحائض من دخول المسجد والمكث فيه.
نوقش:
أن هناك حكمة في أمْره –صلى الله عليه وسلم–باعتزال المصلى وهي أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع الناس نوعا من إظهار الاستهانة بالحال، فلذلك كان اجتناب ذلك مستحباً لهن، وذلك لا يمنع من جوازه إذا اقتضته حاجة معتبرة.
4- عن عروة –رحمه الله– قال: أخبرتني عائشة – رضي الله عنها – أنها كانت ترجّل – تعني رأس رسول الله –صلى الله عليه وسلم– وهي حائض، ورسول الله –– حينئذ مجاور في المسجد، يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض. [(رواه البخاري (1/ 67)، رقم الحديث:(296)].
ووجه الدلالة من الحديث: أن عائشة – رضي الله عنها – لم تدخل المسجد؛ لأنها حائض، فكانت ترجل النبي –صلى الله عليه وسلم– وهو داخل المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها، فهذا يدل على منع دخول الحائض المسجد.
نوقش:
أن ترجيل عائشة-رضي الله عنها- ليس صريحا في منع الحائض من دخول المسجد؛ إذ إن النبي –صلى الله عليه وسلم– كان معتكفا، وعائشة – رضي الله عنها – جالسة في غرفتها، والمعروف أن المرأة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة، وعائشة – رضي الله عنها – ترجله وهي في حجرتها الملاصقة للمسجد.
5- أن المساجد منزهة عن النجاسات والقاذورات ومن صيانتها منع الحائض من المكث فيها.
نوقش:
أن العلة في منع الحائض المكث في المسجد هي نجاسة الدم وهذا لا خلاف فيه، لكن لا تمنع من المكث فيه إن أمنت تلويث المسجد بالتحفظ الجيد، وهو أمر سهل ويسير.
الاتجاه الثاني: يرى جواز مكث الحائض في المسجد.
هو قول بعض المالكية، وبعض الشافعية، وقول عند الحنابلة ، وقول ابن حزم الظاهري، وبه أفتى بعض المعاصرين منهم الشيخ ناصر الدين الألباني، ومن أصحاب هذا الاتجاه من يشترط الوضوء لدخول الحائض.
واستدلوا بأدلة منها:
1- البراءة الأصلية، أي أنه لم يرد نص ينهى عن ذلك؛ لأن هذه الحالة موجودة في العهد النبوي، ولو كان دخولها ممنوعا لنقل في ذلك نص.
نوقش:
أنه قد وردت عدة أحاديث تمنع من دخول الحائض المسجد، كحديث “لا أحل المسجد لحائض ولا جنب” وحديث اعتزال الحائض مصلى العيد، وترجيل عائشة – رضي الله عنها – النبي –صلى الله عليه وسلم– وهي حائض خارج المسجد وغيرها من الأحاديث.
نوقش:
أن تلك النصوص المروية لم تصحّ نسبة بعضها إلى النبي-صلى الله عليه وسلم-، ومنها ما لا ينهض للاحتجاج بسبب احتماله أوجهاً غير المنع-كما هو واضح في المناقشات السابقة لتلك النصوص.
2- عن عائشة – رضي الله عنها – أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم. قالت: فجاءت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم– فأسلمت، فكان لها خباء في المسجد … . [رواه البخاري في صحيحه (1/ 95)، رقم الحديث:(439)].
وجه الدلالة: أن هذه المرأة ساكنة في داخل مسجد النبي –صلى الله عليه وسلم– على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم–، ولم يرد منعها من سكنى المسجد، أو اعتزاله وقت حيضها، فدل على جواز مكثها في المسجد إذا أمنت التلويث.
نوقش الاستدلال بالحديث من وجوه:
1. أنها قضية عين لا عموم لها، كما أنه يحتمل أن هذه السوداء كانت عجوزا قد يئست من الحيض.
2. من المحتمل أن يكون المراد بكون خبائها في المسجد أنه في طرف خارج من المسجد، فتكون فيه حين تحيض. والدليل إذا تطرق له الاحتمال بطل به الاستدلال.
3. حديث عائشة – رضي الله عنها –عندما حاضت وفيه: “افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري”. [رواه مسلم في صحيحه (2/ 873)، رقم الحديث:(1211) ].
الاستدلال من هذا الحديث من وجهين:
أحدهما: تقرير دخول الحائض للمسجد بناء على أن النهي الوارد في الحديث اقتصر على الطواف، ولم يتناول دخول المسجد مع الحاجة لبيان الحكم، ومن ثم يجب أن يبقى على محل النصّ.
والثاني: قياس الحائض في جواز دخول المسجد على سائر الحجيج في أفعالهم.
نوقش:
أن في كلا الوجهين ضعفاً؛ لأن المنع من الطواف في حال الحيض مشعر بالمنع من دخول المسجد ضرورة وقوع الطواف فيه، واستقرار منع دخول الجنب بالنص والحائض في معناه.
كما أن القياس الوارد في الحديث يتعلق بأفعال الحجّ، والنصّ إذا سيق لمعنى لا يحتجّ به في معنى غيره، فلا يتناول الجواز في سائر أفعال الحج ما هو منفكّ عنها.
أن العلماء أجازوا للكافر دخول المسجد سواء كان رجلاً أو امرأة، وجوازه في حق المرأة المسلمة في ظرف الحيض أولى.
1- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (1/ 347)،
2- البيان في مذهب الإمام الشافعي (1/ 251)
3- تمام المنة، لأبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين، الألباني (المتوفى: 1420هـ) دار الراية، الطبعة الخامسة(ص:119).
4- الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، لأبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين الألباني (المتوفى: 1420هـ)،غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى عام: 1422 هـ، (2/ 753).
5- الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي وهو شرح مختصر المزني، لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض – الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1419 هـ -1999م (1/ 383-384).
6- فتاوى اللجنة الدائمة: (6/272).
7- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، الحنبلي (المتوفى: 795هـ)، تحقيق: مجموعة من المحققين، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية – المدينة النبوية، الطبعة الأولى، 1417 هـ – 1996 م (3/ 254).
8- المبسوط، لمحمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483هـ) الناشر: دار المعرفة – بيروت، تاريخ النشر: 1414هـ – 1993م (3/ 195).
9- المحلى بالآثار (1/ 400).
10- مشكاة المصابيح محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين، التبريزي (المتوفى: 741هـ)، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي – بيروت، الطبعة الثالثة، 1985(1/ 143).
11- مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 374).