قسم الأسرةباب النكاح

خدمة المرأة زوجها وأثر المتغيرات المعاصرة في هذه المسألة

المسألة رقم 67

العناوين المرادفة

1. خدمة الزوجة لزوجها.
2. حق الزوج في خدمة زوجته له.

صورة المسألة

الحقوق الزوجية متبادلة بين الزوجين فلكل منهما حقوق وعليه حقوق، وقد جرى خلاف بين أهل العلم في خدمة المرأة لزوجها هل هي من حقوق الزوج التي تجب على الزوجة ويملك المطالبة بها قضاءً؟
أو هي محض تبرع من المرأة إذا شاءت فعلته تكرّماً، وإن شاءت امتنعت منه، وكان عليه توفير من يقوم بشئون المنزل؟

حكم المسألة

الخدمة المقصودة هنا هي عمل البيت من طبخ وغسيل وكنس ونحو ذلك مما يحتاجه المنـزل.

ولا خلاف بين الفقهاء في مشروعية خدمة المرأة لزوجها وأنه أفضل لها([1])، وإنما اختلفوا في وجوب ذلك وكونه يقضى به عليها على قولين:

القول الأول: وجوب خدمة المرأة لزوجها بالمعروف من مثلها لمثله.

وهو قول للحنفية([2]) وبه قال المالكية([3]) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية([4]).

القول الثاني: عدم وجوب الخدمة على الزوجة.

وهو قول للحنفية([5])،

والشافعية([6])، وبه قال الحنابلة([7])، وهو قول أهل الظاهر([8]).

أدلة هذا القول وهو عدم وجوب الخدمة:

[ 1 ] أن المعقود عليه من جهتها هو الاستمتاع فلا يلزمها غيره([9]).

[ 2 ] أن إيجاب الخدمة على المرأة لا دليل عليه فيبقى على أصل البراءة([10]).

أدلة القائلين بالوجوب:

[ 1 ] قوله تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ([11]).

وجه الاستدلال: أن المعروف هو خدمة المرأة لزوجها، وليس العكس ولا سيما في عرف من نزل القرآن في عصرهم([12]).

[ 2 ] قوله عز وجل (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ([13]).

وجه الاستدلال: أن مقتضى القوامة من الرجل على المرأة أن تخدمه([14]).

[ 3 ] الأحاديث الكثيرة في تعظيم حق الزوج ومنها:

1 – عن عائشة رَضِيَ الله عَنْها أن رسول الله ﷺ قال: ” لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها أن تفعل ” (أي عليها أن تفعل) أخرجه الإمام أحمد (23950) وابن ماجه (1852)، ورواه الإمام أحمد (12203) بنحوه من وجه آخر بسند لا بأس به.

2 – عن ابن عمر رَضِيَ الله عَنْهُما قال: قال رسول الله ﷺ: ” اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما، عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليهم، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع ” رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله ثقات ا.هـ ([15]).

وجه الاستدلال: أن في بعض هذه الأحاديث طاعة الزوج فيما لا منفعة فيه كنقل الجبل فكيف بمؤونة معاشه([16])؟

وكقوله: ” ناوليني الثوب ” أخرجه مسلم (299).

[ 4 ] عن علي رَضِيَ الله عَنْهُ أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها وأتى النبي ﷺ سبي فانطلقت فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها فلما جاء النبي ﷺ أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها فجاء النبي ﷺ إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال النبي ﷺ على مكانكما فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ثم قال: ” ألا أعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين وتسبحاًه ثلاثاً وثلاثين وتحمداه ثلاثاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم ” متفق عليه: البخاري (3113)، مسلم (2727).

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ لم يحكم على علي رَضِيَ الله عَنْهُ أن يأتيها بخادم، وهو عليه الصلاة والسلام لا يحابي في الحكم أحداً([17]).

[ 5 ] قصة أسماء بنت أبي بكر رَضِيَ الله عَنْهُما، وفيها: قالت:.. فكنت أعلف فرسه وأكفيه مئونته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن…وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله ﷺ على رأسي وهي على ثلثي فرسخ، قالت: فجئت يوماً والنوى على رأسي فلقيت رسول الله ﷺ ومعه نفر من أصحابه… الحديث متفق عليه: البخاري (5224)، مسلم (2182).

وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ قد رأى ما تلقاه أسماء رَضِيَ الله عَنْها من هذا العناء، ومع ذلك لم يقل للزبير رَضِيَ الله عَنْهُ لا خدمة عليها وأن هذا ظلم لها([18]).

ومما ينبغي التنبيه عليه أن خدمة المرأة لزوجها، هو بحمد الله جارٍ في عرف المسلمين من عهد النبي ﷺ وعهد أصحابه إلى يومنا هذا، وما من امرأة مهما كانت إلا وتخدم زوجها نوع خدمة وإن قلت.

ولئن كان من النادر أن تمتنع المرأة من الخدمة أو تشتكي ذلك قضاءً ، فإن بيان هذا الحكم وما للزوج من حق يُحكم له به لا بد منه، فإذا امتنعت المرأة من الخدمـة كان على القاضي بمقتضى القول الذي يرى الخدمة واجبة على المرأة أن يحكم عليها بالخدمة بالمعروف.

والمعروف يشمل في النظر ما يلي:

1 – العرف الجاري في البلد.

2 – العرف الجاري على مثيلات تلك المرأة.

3 – يسر الزوج وعسره، فإن الزوج إذا كان ذا يسار لم يعذر بترك إخدام المرأة لاسيما فيما يشق عليها، بخلاف من كان دون ذلك فلا يلزمه.

وخدمة المرأة زوجها من عدل الإسلام([19])، وليس بظلم للمرأة، وحاشا الإسلام أن يظلم أحداً ـ مهما كان ـ بمثقال ذرة ولا أدنى من ذلك.

بل المرأة في الإسلام مخدومة محترمة، وليست هذه الخدمة ـ المختلف في وجوبها أيضاً ـ إلا الخدمة داخل البيت والتي يطلق عليها الفقهاء (الخدمة الباطنة).

تلك الخدمة التي هي في الحقيقة تستجلب المودة بين الزوجين، وهي من التلطف المشروع والتبعل الذي ندبت إليه المرأة تجاه زوجها.

وبيان كون المرأة عندنا مخدومة أنها لا تجب عليها النفقة لزوجها وأولاده بالإجماع، فليست مطالبة بكسب الرزق لـه ولهم، والمشاركة في مؤونة المنـزل والبحث عن وظيفة لأجل ذلك… الخ.

وإذا احتاجت شيئاً مما يجب لها وجب على الزوج توفيره.

فأي كرامة أعظم من هذه الكرامة؟!

أم أن الكرامة أن تخرج المرأة لمعيشتها والبحث عن وظيفة لكونها مطالبة بالإنفاق على المنـزل والمشاركة في تكاليف الحياة الزوجية كما هو الشأن في نساء الغرب؟!

فالحمد لله على ما أنعم به علينا من هذا الدين الكامل الشامل العادل، ونسأله أن يحفظ لنا هذا الدين من كل ما يدنسه أو يناله.


([1]) انظر : بدائع الصنائع (4/24)، ط دار الكتاب العربي، التاج والإكليل (4/185)، المهذب (2/67)، شرح النووي لمسلم (17/101)، فتح الباري (9/123، 506).

([2]) بدائع الصنائع (4/24)، ط دار الكتاب العربي.

([3]) القوانين الفقهية ص (147)، التاج والإكليل (4/185)، الفواكه الدواني (2/23، 68).

ويلحظ هنا أن الحنفية ـ في قولهم ـ والمالكية فرقوا بين من يخدم مثلها ومن ليست كذلك فأوجبوه على الثانية دون الأولى.

([4]) الإنصاف (8/362)، الاختيارات ص (245)، الفتاوى(34/90).

([5]) بدائع الصنائع (4/24).

([6]) المهذب (2/67)، حاشية البجيرمي (3/347)، وانظر : شرح مسلم للنووي (17/101)، فتح الباري (9/123، 506، 513).

([7]) المغني (10/225)، الإنصاف (8/362).

([8]) المحلى (10/74).

([9]) المهذب (2/67)، المغني (10/226).

([10]) المحلى (10/74).

([11]) سورة البقرة: آية (228).

([12]) زاد المعاد (5/188).

([13]) سورة النساء: آية (34).

([14]) زاد المعاد (5/188).

([15]) مجمع الزوائد (4/313)، وجوّد إسناده المنذري في الترغيب (3/59)،والحديث له شواهد لا تخلو من مقال منها عند الترمذي (358) عن أنس، الترمذي (360) عن أبي أمامة، ابن ماجه (971) عن ابن عباس.

([16]) المغني (10/225).

([17]) زاد المعاد (5/188)، وقد استدل ابن القيم رحمه الله بهذا الحديث على عدم التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، قال : فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته تشكو إليه الخدمة فلم يُشكها.

([18]) زاد المعاد (5/188).

([19]) في تقديرنا والعلم عند الله.

المراجع

1. اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، من كتاب العارية إلى نهاية كتاب النكاح – دراسة مقارنة، أ.د فهد بن عبد الرحمن اليحيى.الناشر: دار كنوز إشبيليا، وقد استقينا صياغة المسألة منه.
2. العرف حجيته وأثره في فقه المعاملات المالية عند الحنابلة: عادل بن عبد القادر قوته، رسالة لنيل درجة الماجستير في الفقه وأصوله في كلية الشريعة بجامعة أم القرى.
3. أثر العرف في كتاب النكاح: بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن للطالب عبد الله بن عبد الرحمن الحمدان جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المعهد العالي للقضاء.
4. حكم خـدمـة الزوجـة وإخـدامـها، أ. د. عبد الله بن موسى العمّــار.
5. رعاية الزوجة لبيت الزوجية تأليف: د. عبد الله بن فهد الحميد، جامعة الملك سعود، نسخة إلكترونية.
6. المفصل في أحكام المرأة للدكتور عبد الكريم زيدان.
7. المرأة المسلمة المعاصرة، الدكتور أحمد أبابطين، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض.
8. المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية ” للدكتور عبدالكريم زيدان، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1413 هـ – 1993 م.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى