هل يصح متابعة المؤذن إذا نقل الأذان عن طريق الإذاعة والتلفاز ونحوهما؟
اختلف المعاصرون في حكم ذلك على اتجاهين:
الاتجاه الأول: جواز المتابعة وترديد ما يقوله المؤذن كما ورد في السنة، إذا كان ذلك في وقت صلاة السامع، سواء كان الأذان منقولا على الهواء مباشرة أو مسجلا، وهو قول الشيخ ابن باز رحمه الله، فقد سئل الشيخ: “هل تجوز مجاوبة الأذان الصادر من جهاز (المذياع)؟ فأجاب: إذا كان في وقت الصلاة فإنها تشرع الإجابة”([1]).
الأدلة:
عموم الأدلة الدالة على مشروعية متابعة المؤذن فيما يقوله، ومن ذلك:
حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)، [البخاري (614)]، وهو عام في حق من سمع النداء.
الاتجاه الثاني: جواز متابعة الأذان المسموع بالأجهزة بشرطين:
الأول: أن يكون منقولا على الهواء مباشرة.
الثاني: أن يكون في وقت صلاة السامع وقبل أدائه لها.
وهو قول الشيخ ابن عثيمين([2])، غير أنه خفف هذا القيد مرة أخرى.
قال: متابعة المؤذن إذا نقل الأذان عن طريق الإذاعة والتلفاز ونحوهم؟ نقول: إنه لا يخلو هذا الأذان من ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون الأذان منقولا على الهواء مباشرة والسامع له لم يؤد الصلاة بعد، كأن يكون الأذان مثلا هنا في مدينة الرياض منقولا على الهواء مباشرة، ولنقل أذان المغرب ينقل على الهواء مباشرة في إذاعة القرآن ولم تصل بعد صلاة المغرب، وسمعت الأذان ينقل عن طريق الإذاعة، فهنا يشرع إجابة المؤذن في هذه الحال تشرع إجابة المؤذن؛ لأنه أذان منقول على الهواء مباشرة تسمعه في اللحظة نفسها وأنت لم تؤد الصلاة بعد، فحينئذ نقول: السنة في هذه الحال إجابة المؤذن، ولا فرق بين أن تسمع مؤذن المسجد القريب منك عن طريق مكبر الصوت، أو المسجد البعيد عنك عن طريق الإذاعة ونحوها.
القسم الثاني: أن يكون الأذان منقولا على الهواء مباشرة والسامع قد أدى الصلاة، مثال ذلك: يكون الأذان منقولا في الإذاعة والتلفاز من مكة من المسجد الحرام في مكة المكرمة، وأنت قد صليت الصلاة ولنقل مثلا صلاة الظهر أو العصر أو المغرب، فلما صليت الصلاة في المسجد خرجت ففتحت المذياع فسمعت المؤذن يؤذن وقد نقل الأذان من المسجد الحرام بمكة المكرمة على الهواء مباشرة، فهل تشرع إجابة المؤذن في هذه الحال؟
نقول: إنها لا تشرع، لا تشرع إجابة المؤذن في هذه الحال، لكون السامع قد أدى الصلاة، وقد نص على ذلك جمع من الفقهاء، قالوا: إن الإنسان إذا أدى الصلاة ثم سمع مؤذنا يؤذن فلا تشرع له إجابة المؤذن في هذه الحالة؛ وذلك لأن المؤذن يدعو السامع إلى الصلاة، فالمؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، وهذا السامع قد أدى الصلاة فكيف يجيبه وقد أدى الصلاة؟ لأنه إذا أجابه فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، معنى ذلك أنه سأل الله الإعانة على صلاة قد أداها.
ولهذا نقول إذا كان الأذان منقولا على الهواء مباشرة وأنت قد أديت الصلاة فإنه لا تشرع إجابة المؤذن في هذه الحالة([3]).
القسم الثالث: أن يكون الأذان مسجلا وليس منقولا على الهواء مباشرة، وذلك يحصل في الإذاعة والتلفاز، الإذاعة مثلا أذان الظهر والعصر في مدينة الرياض لا ينقل على الهواء مباشرة، وإنما يذاع الأذان مسجلا، ففي هذه الحال لا تشرع إجابة المؤذن؛ لأنه ليس أذانا حقيقيا، وإنما هو تسجيلٌ لصوت رجل قد أذن من قبل، وقد يكون هذا الرجل ميتا، وقد يكون غائبا فهو إذن حكاية صوت، وليس أذانا حقيقيا وإنما هو شيء مسموع لأذان سابق، فنقول في هذه الحال لا تشرع إجابة المؤذن لا تشرع إجابة المؤذن”.
([1]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز (10/363).
([2]) فتاوى الشيخ ابن عثيمين (12/196).
([3]) وقال في موضع آخر: “..أن الفقهاء رحمهم الله قالوا: إذا كان قد أدى الصلاة التي يؤذن لها فلا يجيب. ولكن لو أخذ أحد بعموم الحديث وقال إنه ذكر وما دام الحديث عاماً فلا مانع من أن أذكر الله عز وجل فهو على خير”.
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (12/196).
1. شرح عمدة الفقه، عبد الله الجبرين (1/211).
2. فتاوى الشيخ محمد العثيمين.
3. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبد الله بن بكر أبوزيد، ص(327).
4. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز.
5. النوازل الفقهية وأحكامها في الطهارة والصلاة، باسم القرافي، ص(500ـ501).