نظراً لكثرة الحجاج والمعتمرين والمصلين في المسجد الحرام في الأزمنة المتأخرة قامت الدولة السعودية بتوسعة المسجد ببناء دور علوي يحيط بالكعبة, ومن فوقه السطح؛ فهل يجوز الطواف فيهما؟
اختلف أهل العلم في حكم الطواف في الدور الأول والسطح على قولين([1]):
القول الأول: يجوز الطواف في الدور الأول والسطح, وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة. واختاره عامة الفقهاء في هذا العصر. واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: قوله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: 150].
وجه الاستدلال: تدل الآية على أن من كان بأرض منخفضة عن المسجد الحرام يكون مستقبلاً القبلة إذا توجه إلى ناحية الحرم، ومن كان بمكان مرتفع عن سطح الكعبة يكون مستقبلا لما فوق الكعبة من الهواء, فدل ذلك على أن حكم ما تحت البيت الحرام وما فوقه مثل حكم البيت الحرام.
الدليل الثاني: ما ورد من حديث سعيد بن زيدرضي الله عنه , قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (من ظلم من الأرض شيئاً طُوقه من سبع أرضين) [البخاري (2320), ومسلم (1610)].
وجه الاستدلال: يدل الحديث على أن من ملك أرضاً ملك سفلها, وملك علوّها. فما فوق الكعبة داخل في حكمها فيجوز الطواف حوله.
الدليل الثالث: ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي ﷺ: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل لكم فيه الكلام) [الترمذي (960), البيهقي (5/87)، ابن حبان (9/143)].
وجه الاستدلال: أن حكم الطواف حكم الصلاة إلا ما استثني, ولما جازت الصلاة إلى فضاء الكعبة, فكذلك يجوز الطواف حول فضائها.
القول الثاني: لا يجوز الطواف في الدور الأول ولا على السطح. وهو قول المالكية. واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: أن الطواف في السطح طواف خارج المسجد, وقد وقع أن الطواف خارج المسجد لا يجزئ فكان الطواف في السطح لا يجزئ.
الدليل الثاني: أن المطلوب في استقبال القبلة في الصلاة جملة البناء والهواء لا بعضه ولا الهواء. وجزء الهواء العاري عن البناء لا يسمى بيتاً ولا كعبة؛ فإن الكعبة في اللغة هي المرتفعة, والبيت هو السقف والحيطان؛ وهذا المعنى لا يتحقق إلا في جملة البيت ببنائه وهوائه, والمصلي على أبي قبيس مستقبل بوجهه جملة البناء والهواء.
([1]) حاشية ابن عابدين (2/529), إرشاد الساري لمنسك ملا قاري, الذخيرة (3/241), مواهب الجليل (3/75), المجموع (8/43) ,تحفة المحتاج (4/82), الفروع (3/370), شرح منتهى الإرادات (1/537).
1. أبحاث هيئة كبار العلماء (1/16).
2. فتاوى اللجنة الدائمة (11/231).
3. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله أبوزيد (2/1527).