تعمد بعض الدول إلى توحيد الأذان في مساجدها، فيتم نقل الأذان من مسجد واحد على الهواء مباشرة إلى بقية مساجد البلدة أو المدينة أو المدن التي تشترك في وقت الصلاة، أو بإذاعة أذان مسجل عند دخول وقت الصلاة، وهو أمر معمول به في المملكة الأردنية والإمارات العربية المتحدة وبعض المدن الفلسطينية، وهو المشروع الذي تبنته وزارة الأوقاف المصرية منذ سنوات، فما حكم ذلك شرعا؟
المسألة لها صورتان، إحداهما رفع الأذان عن طريق مسجلات الصوت، وهو حقيقة استبدال للمؤذن بالأسطوانة المسجلة. والأخرى أن يقوم مؤذن بالأذان في أحد المساجد ويتم نقل أذانه عبر شبكة صوتية أو إلكترونية إلى بقية المساجد.
الصورة الأولى: أن يتم رفع الأذان مسجلا عن طريق الأجهزة، بحيث يبث مسجلا عن طريق أثير الإذاعات أو الدوائر الإلكترونية أو الأقمار الصناعية، ويستغنى بذلك عن الأذان حقيقة، وحكم هذه عدم الجواز، وأن الواجب أن يتولى الأذان في كل مسجد رجل بشروطه المعتبرة فيه شرعا. وبهذا صدر قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي([1])، وقرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية([2])، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء([3])، والشيخ محمد بن إبراهيم([4])، والشيخ ابن باز([5])، والشيخ محمد بن عثيمين([6])، ولا يُعلم من قال بجواز ذلك مطلقا، وإن كان قد جرى به العمل في بعض البلاد الإسلامية.
فقد نظر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في الاستفتاء الوارد من وزير الأوقاف بسوريا بتاريخ 1405هـ بشأن حكم إذاعة الأذان عن طريق مسجلات الصوت «الكاسيت» في المساجد؛ لتحقيق تلافي ما قد يحصل من فارق الوقت بين المساجد في البلد الواحد حين أداء الأذان للصلاة المكتوبة.
وعليه فقد اطلع المجلس على البحوث المعدة في هذا من بعض أعضاء المجمع، وعلى الفتاوى الصادرة في ذلك من سماحة المفتي سابقًا بالمملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله تعالى عام-1378هـ، وما قررته هيئة كبار العلماء بالمملكة عام 1398هـ، وفتوى الهيئة الدائمة بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة ـ، وتتضمن هذه الفتاوى الثلاث عدم الأخذ بذلك، وأن إذاعة الأذان عند دخول وقت الصلاة في المساجد بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا تجزئ في أداء هذه العبادة. وبعد استعراض ما تقدم من بحوث وفتاوى، والمداولة في ذلك فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي تبين له ما يلي:
- أن الأذان من شعائر الإسلام التعبدية الظاهرة، المعلومة من الدين بالضرورة بالنص وإجماع المسلمين، ولهذا فالأذان من العلامات الفارقة بين بلاد الإسلام وبلاد الكفر، وقد حكي الاتفاق على أنه لو اتفق أهل بلد على تركه لقوتلوا.
- التوارث بين المسلمين من تاريخ تشريعه في السنة الأولى من الهجرة وإلى الآن، ينقل العمل المستمر بالأذان لكل صلاة من الصلوات الخمس في كل مسجد، وإن تعددت المساجد في البلد الواحد.
- في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (إذا حضَرت الصلاةُ فلْيُؤذِّنْ لكم أحدُكما ولْيَؤمَّكم أكبرُكما).
- أن النية من شروط الأذان، ولهذا لا يصح من المجنون ولا من السكران ونحوهما، لعدم وجود النية في أدائه فكذلك في التسجيل المذكور.
- أن الأذان عبادة بدنية، قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى- (وليس للرجل أن يبني على أذان غيره؛ لأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة)ا.هـ.
وبناء على ما تقدم فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر ما يلي: أن الاكتفاء بإذاعة الأذان في المساجد عند دخول وقت الصلاة بواسطة آلة التسجيل ونحوها لا يجزئ ولا يجوز في أداء هذه العبادة، ولا يحصل به الأذان المشروع، وأنه يجب على المسلمين مباشرة الأذان لكل وقت من أوقات الصلوات في كل مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى الآن. والله الموفق.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كما ورد في هذا الموضوع الفتوى رقم (10189) من فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية في سؤال عن الأذان بالمذياع جاء فيه:
(لا يكفي في الأذان المشروع للصلوات المفروضة أن يؤذن من الشريط المسجل عليه الأذان، بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلاة بنفسه لما ثبت من أمره عليه الصلاة والسلام بالأذان، والأصل في الأمر الوجوب).
الصورة الثانية: أن يقوم مؤذن بالأذان في أحد المساجد حقيقة، ويتم نقل أذانه عبر شبكة صوتية أو إلكترونية إلى بقية المساجد، وهذا هو المعمول به في بعض بلاد المسلمين.
اختلف المعاصرون في مشروعية هذا العمل على اتجاهين:
الاتجاه الأول: عدم جواز ذلك أيضا، وأن الواجب أن يتولى الأذان في كل مسجد مؤذن واحد. وبه صدرت فتوى لجنة الإفتاء والبحوث في وزارة الأوقاف الكويتية([7])، وبه أفتى الشيخ الألباني([8]).
الأدلة: استدلوا بمايلي:
أولا: حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: (أتيت النبي ﷺ في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيماً رفيقاً، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم، وصلوا، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) [البخاري (628)، ومسلم (674)]، والأذان الموحد فيه مخالفة لنص هذا الحديث، حيث إن مسجداً واحداً فقط يؤذن فيه، وبقية المساجد لا يؤذن فيها.
ثانيا: أنه الذي جرى عليه عمل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، منذ عهد النبوة وإلى اليوم، فهو إجماع عملي.
ثالثاً: حرمان الناس من الأجر والثواب المرتب على الأذان الوارد في نصوص كثيرة، منها: حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) [مسلم (387)]. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: (من أذّن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة وبكل إقامة ثلاثون حسنة). [ابن ماجه (728)، والحاكم (1/204)، والبيهقي في الكبرى (1/433)].
الاتجاه الثاني: الجواز، وعليه فتوى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية في الإمارات العربية المتحدة([9])، وهو قول الشيخ ابن باز إذا دعت الحاجة إليه، وهو رأي شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، ومفتي مصر علي جمعة، ومفتي المملكة الأردنية الدكتور نوح علي سلمان القضاة([10])، ومفتى الجمهورية السورية أحمد بدر الدين حسون([11])، وعليه العمل في مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة.
فقد سئل الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ: ما حكم الأذان الموحد, ومثال ذلك: أن يوضع جهاز راديو ويربط على مسجد ويؤذن ذلك المسجد ويبث الأذان إلى أكثر من مائتي مسجد, هل يجوز ذلك، وحديث النبي ﷺ يقول: المؤذنون أطول أعناقاً يوم القيامة؟
الجواب: إذا دعت الحاجة إلى ذلك ما أعلم في هذا بأساً إذا دعت الحاجة إليه، أما إذا وجد المؤذنون فالسنة أن يكون في كل مسجدٍ مؤذن، هذا هو السنة، أن يكون لكل مسجد مؤذن، لما في رفع الأذان من الخير والمصالح العظيمة والأجر للمؤذنين من الحديث المذكور وغيره، فالسنة أن يكون لكل مسجد مؤذن معروف بالأمانة وحسن الصوت، حتى هذا هو المشروع وهو المعروف في عهد النبي ﷺ ، وعهد من بعده من الخلفاء الراشدين، والسلف الصالح إلى يومنا هذا، السنة أن يكون لكل مسجد مؤذن، لكن لو وجد حاجة لهذا، كأن لم يوجد مؤذنون، ودعت الحاجة إلى تسجيل الأذان لعدة مساجد للحاجة إلى هذا، فلا أعلم به بأسا)([12]).
الأدلة: استدلوا للقول بالجواز بما يلي:
أولا: حديث بكير بن الأشج قال: (كان بالمدينة تسعة مساجد مع مسجد رسول الله ﷺ يسمع أهلها تأذين بلال على عهد رسول الله ﷺ فيصلون في مساجدهم…). [أبوداود في المراسيل ص(122)].
وأجيب بأنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة.
وعلى فرض صحته فلا دلالة فيه على أنهم لم يكونوا يؤذنون.
ثانياً: أنه أذان حقيقة، فيأخذ جميع أحكامه، منها مشروعية الترديد معه، والدعاء في نهايته، والتنفل بعد سماعه، وليس هو كالأذان المسجل المرفوع عن طريق الأجهزة.
([1]) قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي ص(181).
([2]) أبحاث هيئة كبار العلماء (الدورة 12 عام 1398).
([3]) فتاوى اللجنة الدائمة (6/66) رقم(10189).
([4]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (2/411ـ412).
([5]) موقع الشيخ ابن باز http://www.binbaz.org.sa/mat/14503
([6]) الشرح الممتع (2/69)، مجموع الفتاوى والرسائل (12/192، 196).
([7]) فتاوى وزارة الأوقاف الكويتية (1/222).
([8]) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (12/321ـ322).
([9]) موقع الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات (5398).
http://www.awqaf.ae
([10]) موقع دائرة الإفتاء الأردنية، فتوى(393): http://www.aliftaa.jo
([11]) حوار مع المفتي أحمد بدر الدين حسون
http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=101126
([12]) موقع الشيخ ابن باز (فتاوى نور على الدرب)
http://www.binbaz.org.sa/mat/14543
1. أبحاث هيئة كبار العلماء.
2. الشرح الممتع لابن عثيمين.
3. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ.
4. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
5. فتاوى وزارة الأوقاف الكويتية.
6. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبد الله بن بكر بن عبد الله أبو زيد، ص(329).
7. فقه النوازل، للجيزاني (2/173).
8. قرارات مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.
9. القول المبين في أخطاء المصلين لمشهور حسن سلمان ص(181).
10. مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين.
11. موقع دائرة الإفتاء الأردنية http://www.aliftaa.jo
12. موقع الشيخ ابن باز http://www.binbaz.org.sa
13. موقع الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات http://www.awqaf.ae