هل يمكن إحراز الاتصالات كما يمكن أن تكون محلاً للسرقة؟
للإجابة على هذا التساؤل يقال: إن الاتصالات إجمالاً على قسمين:
1- اتصالات سلكية:
وهي التي يتم إيصالها إلى المستفيدين عبر شبكة من الأسلاك، سواء أكانت أرضية أو هوائية؛ وذلك كالهاتف الثابت مثلاً، فهل يمكن إحرازه وأن يكون محلًّا للسرقة؟
والجواب أن يقال: إن الهاتف الثابت يمكن أن يخرّج على صورة التيار الكهربائي؛ وذلك لأنّ الخط أو الهاتف الثابت يسري فيه جزء من تيار كهربائي.
ومن صور الاعتداء هنا: قيام الشخص المعتدي بتحويل مسار الخط الهاتفي الثابت الخاص بغيره واستعماله في إجراء مكالمات هاتفية على حساب صاحب هذا الخط، متجنّبًا بذلك قيمة هذه المكالمات بالإضافة إلى قيمة الاشتراك، أو أن يقوم الشخص المعتدي بمد سلك من نقطة توزيع خطوط الهاتف ويستعمله في إجراء مكالمات ونحوها كإرسال الفاكسات على حساب صاحب هذا الخط.
2- اتصالات لا سلكية:
وهي التي يتم إيصالها إلى المستفيدين عبر الأقمار الصناعية أو أبراج خاصة -أي ليست عن طريق الأسلاك –
وهي على قسمين:
الأول: المكالمات وآلاتها كالهاتف الجوال مثلاً، فهل يمكن إحراز خط الهاتف الجوال وأن يكون محلاً للسرقة؟
والجواب أن يقال: الذي يظهر هو إمكان إحرازه وأن يكون محلًّا للسرقة؛ وذلك لأنّ الموجات التي تستخدم في حالة الإرسال والاستقبال في الهاتف الجوال مشفّرة، وأيضًا فإنّ خط الهاتف الجوال لا يمكن فتحه إلا برقم سري يسلّم للمشترك مع الشريحة الخاصة بالهاتف.
ومن صور الاعتداء هنا: قيام الشخص المعتدي بالاستيلاء على شريحة الهاتف الجوال الخاصّ بغيره وأخذها واستعمالها في إجراء مكالمات على حساب صاحب هذا الخط متجنّبًا بهذا قيمة هذه المكالمات، بالإضافة إلى قيمة الاشتراك.
والمعتدي على هذه الخدمات ونحوها لا يخلو: إما أن يكون المشترك، أو غيره:
أولاً: إن كان المعتدي هو المشترك بهذه الخدمات ونحوها:
وذلك بأن يقوم بتمرير بعض المكالمات الهاتفية على خطه الهاتفي ونحو ذلك، فإن اعتداءه في هذه الحالة لا يعدّ سرقة، وإنما يعدّ اختلاسًا.
ثانيًا: إن كان المعتدي غير المشترك بهذه الخدمات، فإن اعتداءه لا يخلو:
1- أن يقع على الشركة -أي: يقع على الخدمة وهي لا زالت بحوزة الشركة- وذلك بأن يُضبط الشخص وهو يقوم بتمرير المكالمات على حساب شركة الاتصالات ففي هذه الحالة لا يخلو:
أ – أن تكون الشركة ونحوها مِلْكًا عامًّا للدولة فيكون الاعتداء حينئذٍ على الأموال العامة أو ما يسمى بالسرقة من بيت المال.
ب- أن تكون الشركة ونحوها مِلْكًا خاصًا -أي ليس لبيت المال فيها شركة- فحينئذٍ يصدق على المعتدي أنه قد أخذ مالاً لا شبهة له فيه على وجه الاختفاء، ولكن يبقى الحديث عن الحرز فيقال: إنّ حرز كل شيء بحسبه، والحرز مرجعه إلى العرف؛ فما تعارف الناس على أنه محرز فهو محرز وما لا فلا، فالمعتدي إذا استخدم الخط الهاتفي وكان محرزاً أي محفوظة الحفظ المعتاد في مثله، فإنه يكون سارقًا من حرز، فإغلاق غرفة توزيع الخطوط الهاتفية بما جرى به العرف يعدّ إحرازًا لها.
2- أن يقع الاعتداء على المشترك -أي يقع على الخدمة بعد انتقالها لحوزة المشترك-: مثاله: قيام المعتدي بأخذ شريحة الهاتف الجوال واستعمالها في إجراء مكالمات هاتفية أيضًا ونحو ذلك من صور الاعتداء.
ففي هذه الحالة أيضًا يقال: إنّ المعتدي قد أخذ مالاً لا شبهة له فيه على وجه الاختفاء، ولكن يبقى الحديث أيضًا عن الحرز فيقال:
إنّ المعتدي إذا استخدم الخط الهاتفي وكان محرزاً -أي محفوظاً الحفظ المعتاد في مثله- فإنه يكون سارقًا من حرز، فإذا كانت نقطة توزيع الخط الهاتفي فإنها تكون محرزة، أما إذا كانت غير مغلقة فإنها تكون مهملة غير محرزة.
وهذا -أيضًا- يقال بالنسبة لشريحة الجوال، فإن الشريحة لا تخلو:
أ- أن تكون داخل الجوال، ولا يخلو:
1- أن يكون الخط مفتوحًا ففي هذه الحالة أيضًا لا يخلو:
1- أن يكون الجوال محرزًا أي موضوعًا في مكان آمن أو عنده من يحفظه، فإنّ كلًّا من شريحة الجوال -الخط الهاتفي- والجوال محرزان.
2- ألاّ يكون محرزًا؛ وذلك كأن يوضع داخل السيارة وليس بها أحد فهما غير محرزين.
2- أن تكون الشريحة خارج الجوال، أو تكون داخله وهو مغلق فلا يخلو الحال:
1- أن يكون الرقم السري الخاص بالشريحة قريبًا منها أو مدوّنًا بظهرها فحينئذٍ لا يكون الخط الهاتفي للجوال محرزًا.
2- ألاّ يكون الرقم السري الخاص بالشريحة قريبًا منها أو مدونًا بظهرها ونحو ذلك فحينئذٍ يعدُّ الخط الهاتفي للجوال محرزًا، وأيُّ اعتداء عليه يعدّ سرقة للمال من حرز.
القسم الثاني: شبكات الإنترنت: وذلك أن أجهزة الحاسب الآلي وبعض الجوالات فيها خاصية التقاط الشبكات لا السلكية الموجودة في محيطها، وتتيح لصاحبها الدخول لخدمة الإنترنت، ولو لم يكن مشتركاً، بواسطة هذه الشبكات المملوكة للآخرين، عبر الوايرلس أو الواي فاي وغيرها، فما حكم ذلك، وهل هذه الشبكات من الأموال المحرزة؟
يمكن تحرير محل النزاع في أربع صور:
الأولى: إذا كان صاحب الشبكة يأذن في استعمالها، فذلك جائز، إما أن يكون إذناً خاصا، كالجيران، أو إذنا عاماً، ومن ذلك كون الشبكة مفتوحة في مكان عام لتوفير الخدمة لمن يكون في ذلك المكان، كالشوارع الذكية أو بعض المطارات أو المقاهي أو حتى الفنادق.
الثانية: إذا كانت الشبكة مشفرة، ولا يمكن الدخول إليها إلا بكلمة المرور، فإذا لم يأذن صاحبها فلا يجوز كسر التشفير واستعماله للشبكة، ويعد التشفير إحرازًا لمنفعة استعمال الشبكة.
الثالثة: إذا كانت الشبكة مفتوحة، أي غير مشفرة، ولم يأذن صاحبها بل منع من استعمالها، فلا يجوز استعمال الشبكة، ولكن لا تكون محرزة بذلك.
الرابع: إذا كانت الشبكة مفتوحة، ولم يمنع صاحبها من استعمالها ولم يأذن، ففي ذلك اتجاهان لأهل العلم:
الاتجاه الأول: الجواز بشرط نفي الضرر، ويتمثل هذا الشرط في ألا يكون للاستعمال تأثير سلبي، بأن يؤدي لبطء وضعف الشبكة على صاحبها أو تحميل الفاتورة أعباء إضافية.
واستدلوا على ذلك بعدد من الأدلة:
الدليل الأول: قوله- صلى الله عليه وسلم ( لاضرر ولاضرار ) [رواه ابن ماجه ( 2363) وأحمد (2865)].
الدليل الثاني: قوله – صلى الله عليه وسلم -:( لا يمنع جار جاره أن يغرس خشبه في جداره) [ رواه البخاري (2463) ومسلم (1609)].
فإذا نهي عن منع الانتفاع الذي لا يلحقه به ضرر فيدخل في ذلك انتفاع الجار بشبكته المتاحة.
الدليل الثالث: القياس على الاستظلال والاستصباح أي الاستنارة، فيحق للجار وغيره أن ينتفع من ظل جدار جاره الذي يكون خارج بيته بشرط ألا يلحق بصاحب الجدار ضرراً, وكذلك أن يستفيد من الضوء أو الإنارة المنبعثة من بيته دون ضرر, وهذا من جنس ذلك.
الاتجاه الثاني: عدم جواز ذلك.
واستدلو بأدلة منها:
الدليل الأول: قوله – عليه الصلاة والسلام -: ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه )[رواه أحمد (20695) والبيهقي (11545)] فإذا لم يأذن فإنه يحرم استعمال ماله.
الدليل الثاني: أن في ذلك اعتداء على حقوق الآخرين, فصاحب الشبكة قد ملك منفعتها ودفع تكلفتها للشركة فلا يحق أخذ ما ملكه إلا بإذنه, وعدم التشفير ليس دليلا على الإذن أو الإباحة فقد نص الفقهاء في قاعدة لا ينسب لساكت قول على أن البائع لوعلم بوطء المشتري الجارية في مدة الخيار لا يكون إجازة([1]), مع احتمال عدم علمه بطريقة التشفير فالناس يتفاوتون في العلم.
الدليل الثالث: أن استعمال شبكات الآخرين يستلزم الأضرار المذكورة في القول الأول, بالإضافة لضرر لا يمكن التحرز منه, وهو احتمال اشتباه جهات الرقابة فإن الدخول في المواقع يحسب على صاحب الخدمة، ودخول غيره في مواقع محظورة يلحق الضرر به.
وعلى كلا القولين لا يمكن أن يعد ذلك سرقة لعدم إحراز الشبكة، والله أعلم.
• الحرز في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، فهد الأحيدب (174).
• جريمة السرقة والجرائم الملحقة بها د. مجدي حافظ ص(107).
• الحرز، أحكامه وتطبيقاته المعاصرة في الفقه الإسلامي (رسالة دكتوراه. الجامعة الأردنية )، فداء شنطاوي.
• موقع إسلام ويب. مركز الفتوى.
• موقع ملتقى أهل الحديث.
• موقع الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم 99544، 95749.