قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

جناية متعاطي المخدرات تحت تأثير المخدر

مسألة رقم 250

العناوين المرادفة

1. قتل الواقع تحت تأثير المخدر.
2. جنايات الواقع تحت تأثير المخدر.
3. زنا الواقع تحت تأثير المخدر وسرقته وقذفه.

صورة المسألة

إذا ارتكب شخص ما يوجب القصاص أو الحد تحت تأثير المخدر، هل يترتب على الجناية آثارها من القصاص والحد أم أن حالته تؤثر في التكليف فتسقط هذه الأحكام؟

حكم المسألة

أولا: لا خلاف بين الفقهاء في تحريم تناول المقدار الذي يزيل العقل من المخدرات في حال الاختيار من الأفيون والبنج والهيروين…وغيرها؛ وذلك للأدلة الآتية:

  1. قوله – ﷺ – : (لا ضرر ولا ضرار) [أخرجه مالك برقم: (31). 2/745، وابن ماجه برقم: (2341) 2/784، والحاكم برقم: (2345). 2/66، وصححه على شرط مسلم].

وجه الدلالة: أن تناول المخدرات يفضي إلى الضرر في الصحة والمال، وينعكس أثر ذلك على المجتمع، وما يفضي إلى الضرر منفي في الشريعة؛ فيكون محرما.

  1. أن المخدرات من جنس الخبائث باعتبار آثارها الخبيثة على الصحة والعقل والمال، وتحريم الخبائث مما علم من نصوص الشارع على سبيل القطع.
  2. أن النبي -ﷺ – : (نهي عن كل مسكر ومفتر) [أخرجه أبو داود برقم: (3686) 3/329، وضعفه الألباني].

 

ثانيا: اختلفوا في جواز تعاطي المخدرات في حال الضرورة – كما لو كان لغرض العلاج – على اتجاهين:

الاتجاه الأول: يجوز تعاطيه في حال الضرورة، وهذا رأي جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، وبعض الحنابلة، وعللوا ذلك:

  1. أن النص قد دل على اعتبار حال الضرورة في تخصيص ما كان محرما، ومن ذلك قوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119].
  2. وقياسا على إباحة أكل المحرمات من الميتة والدم ولحم الخنزير عند الضرورة.

الاتجاه الثاني: لا يجوز تعاطيه في حال الضرورة، واختاره ابن القاسم وابن تيمية وابن حجر وغيرهم، واستدلوا على ذلك بجملة من الأدلة، أبرزها:

  1. قصة أم سلمة – رضي الله عنها – لما اشتكت ابنة لها، فنبذت لها في كوز، فدخل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو يغلي، فقال: (ما هذا؟ ) فقالت: إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام) [أخرجه ابن حبان برقم: (1391) 4/233، والحاكم برقم: (7509) 4/242، وذكره البخاري في صحيحه عن الزهري 7/110].
  2. وقوله– ﷺ– لما سئل عن التداوي بالخمر: (إنه ليس بدواء، ولكنه داء) [أخرجه مسلم برقم: (1984) 3/1573].
  3. وقوله: (إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام) [أخرجه أبو داود برقم: (3874) 4/7، وضعفه الألباني].

 

ثالثا: حكم جناية الواقع تحت تأثير المخدر بارتكاب ما يوجب القصاص.

اختلفوا في هذه المسألة تفريعا على جناية السكران على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن جنايته توجب القصاص، وهو مذهب الجمهور، واستدلوا على ذلك بأدلة، أبرزها:

  1. أن السكران عاقل مختار بسكره، فكان محلا لخطاب الشارع حال سكره؛ بدليل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) [النساء:43].

ونوقش: أن الآية خطاب له في حال الصحو أن يتجنب السكر قرب وقت الصلاة، وبالتالي فلا دلالة له على تكليفه، وكونه عاقلا مختارا هو محل النزاع، فلا يجوز تقريره في الاستدلال.

  1. ما روي عن معاوية –رضي الله عنه– أنه أقاد من السكران. [أخرجه ابن حزم في المحلى 10/219].

نوقش: أن هذا من قبيل مذهب الصحابي، وذلك مختلف فيه كما تقرر في الأصول.

  1. أن القصاص لو لم يجب لأدى إلى فتح الذرائع في القتل بحجة أن السكران لا يعاقب، وسد الذرائع أصل معتبر في الشريعة، خاصة إذا أدى فتحها إلى فوات مقصود ضروري للشارع.
  2. أن إيجاب القصاص عليه من قبيل خطاب الوضع، وربط الأحكام بأسبابها؛ وذلك مما يستوي فيه المكلف وغيره.

الاتجاه الثاني: أن السكران لا يقتص منه إذا جنى أثناء سكره، وهو قول داود الظاهري، ورواية عن أحمد، وقال به بعض الحنفية، وقول للمزني من الشافعية، واستدلوا بأدلة، من أبرزها:

  1. قوله – ﷺ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق) [أخرجه أحمد برقم: (940) 2/254، وأبو داود برقم: (4410) 4/140، والحاكم في المستدرك برقم: (949) 1/381، وصححه على شرط الشيخين] والسكران في معنى المجنون.
  2. ما صح عن عثمان – رضي الله عنه – أنه لم يوقع طلاق السكران، وعده كالمجنون، والمجنون لا يقتص منه، فكذلك السكران.

رابعاً: جناية الواقع تحت تأثير المخدر بارتكاب ما يوجب الحد.

واختلفوا في هذه المسألة تفريعا على السكران إذا ارتكب ما يوجب الحد؛ وذلك على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أنه يحد إذا ارتكب ما يوجب حدا، وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بأدلة، من أبرزها:

  1. أن السكران عاقل مختار بسكره، فكان محلا لخطاب الشارع حال سكره؛ بدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) [النساء:43].
  2. ما روي عن علي – رضي الله عنه – أنه قال في الشارب: “إذا شرب سكر، وإذا سرب هذى…” [أخرجه عبدالرزاق في المصنف برقم: (13542) 7/377] فاعتبر حال سكره.
  3. أن السكران إذا سقط عنه الحد في حال سكره كان سببا في ارتكاب الناس للمنكرات بحجة أن السكران مغلوب على عقله، وسد الذرائع معتبر خاصة إذا كان سبيلا إلى المحافظة على المقصود الضروري.

الاتجاه الثاني: أنه لا يحد إذا ارتكب ما يوجب حدا، وهو رأي ابن حزم؛ لأنه لا عقل له، فكان كالمجنون لا يحد إذا ارتكب ما يوجب الحد.

المراجع

1. الاختيار لتعليل المختار عبدالله بن محمود الموصلي (ت 683 هـ).
2. الإنصاف لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي (ت 885 هـ).
3. الدر المختار مع حاشية ابن عابدين لمحمد أمين بن عمر (ت 1252هـ).
4. الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، لمحمد بن أحمد الدسوقي(ت 1230هـ).
5. المخدرات وأحكامها في الشريعة الإسلامية، د. محمد النجيمي، مركز الدراسات والبحوث، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية.
6. مغني المحتاج لشمس الدين محمد بن أحمد الخطيب (ت 977 هـ).
7. المغني لأبي محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت 620هـ).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى