تفريط الطبيب
تقصير الطبيب
إهمال الطبيب
يعرف الخطأ الطبي لدى المعاصرين بأنه: تقصير لا يقع من طبيب يقظ وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب.
وتقسم صور الخطأ الطبي لديهم استناداً إلى عناصره إلى نوعين:
النوع الأول: خطأ مع التوقع، وهو ما يسمى بالخطأ الواعي أو البصير.
النوع الثاني: خطأ دون توقع، وهو ما يعرف بالخطأ غير الواعي أو الخطأ بدون تبصر.
ويكون الخطأ مع التوقع في صورة الإقدام على سلوك خطر يتوقع مرتكبه حدوث نتيجة ضارة، غير أنه اعتمد على مهارته في تجنبها، أو خبرته العملية في هذه المهنة، ومع ذلك تقع نفس النتيجة، فلا يستطيع تفاديها، غير أنه لا يقبل بها، وهذا يعني أن مرتكب الجريمة مع التوقع كان بإمكانه تجنب النتيجة لو أنه بذل قدراً من الحيطة والحذر.
أما الخطأ من دون توقع فإن الفاعل لا يتوقع أي نتائج ضارة لفعله، ولا يقبل بها إن وقعت، ومع ذلك فقد يُطلب من هذا الشخص أن يبذل حرصاً في مستوى شخص يقع في ظروفه نفسها.
ومن صور الخطأ الطبي:
• ترك الجراح بعض فتات من العظم في اللحم.
• ترك رباط أو قطن في جوف المريض.
• إهمال الاحتياطات اللازمة لإجراء التخدير.
• التسبب في نقل المرض من مريض لآخر؛ لعدم عناية الطبيب بأدواته، وتعقيمها.
• وضع اللاصق الطبي بشكل قد يتسبب بضرر النسيج الجلدي.
• تدخل الطبيب في أمراض لا يحسنها؛ لاختلاف تخصصه من غير ضرورة.
1ـ اتفق الفقهاء على مسؤولية الطبيب الجنائية عن عمده وعدوانه إن ثبت تعديه، والطبيب كغيره يدخل في عموم النصوص الدالة على تجريم العدوان، وما يترتب عليه من عقوبة.
2ـ اتفق الفقهاء على عدم مسؤولية الطبيب عن نتائج أعماله الطبية إذا كان يمارس الطب وفق شروطه المعتبرة؛ لأن الأصل عدم وجوب المسؤولية إلا بالتعدي، والطبيب الحاذق الذي لم يقصر في أداء عمله ولم تجن يده ليس بمعتد، وهذا العمل الطبي مأذون فيه، والجواز الشرعي ينافي الضمان، إضافة إلى أن الضرورة الاجتماعية والحاجة الماسة إلى عمل الطبيب تقتضي تحفيزه وتشجيعه والسماح له بممارسة عمله، ورفع المسؤولية عنه إذا أتى بما في وسعه وقام بما يجب عليه؛ لأن تضمينه سيؤدي إلى اعتزال الأطباء لمهنتم خوفاً مما قد يتلف تحت أيديهم، مما لا وسع لهم فيه.
وفي نصوص النظام تنتفي مسؤولية الطبيب لأسباب، هي: العادة، وحالة الضرورة، ومشروعية الغرض، ورضا المريض، وإذن الحاكم أو الولي.
وهذه الأسباب التي نصت عليها الأنظمة المعاصرة لا تختلف كثيراً عما ذكره الفقهاء ونصوا عليه.
3ـ الفقهاء متفقون على أن من مارس الطب، وقد اختل فيه أحد الشروط المعتبرة لهذه المهنة أنه يضمن، وقد مثل الفقهاء لهذا النوع من الجنايات بما لو تجاوز الطبيب الحد المعتبر في قطع الختان، أو قطع في غير محل القطع، أو قطع بآلة كالّة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح القطع فيه.
والأدلة على تضمين الطبيب في هذه الحال ما يلي:
أ ـ أن هذا الفعل من الطبيب محرم فيضمن سرايته؛ كما يضمن القطع ابتداء.
ب ـ أن جناية يد الطبيب إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد، والخطأ كإتلاف المال.
ج ـ أن الطبيب إذا جنت يده فهو في معنى الجاني خطأ فيضمن.
وأما المعاصرون من المنظّمين: فقسموا الأخطاء الطبية إلى قسمين: أخطاء مادية، وهي التي لا تعلق لها بمهنة الطب، ومثالها: كون الطبيب في حالة سكر حال إجراء العملية، ويرون أن هذه الأخطاء يُسأل عنها اتفاقاً.
وأما أخطاؤه الناتجة عن مخالفة الأصول الفنية للمهنة، ومخالفة قواعد العلم؛ كالخطأ في التشخيص أو العلاج، ونحوهما، وهو ما يعرف عندهم بالخطأ الفني، فلهم في مساءلة الطبيب عنها ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: الطبيب يسأل عن أي خطأ مهما كان يسيراً، بحيث تخضع المسؤولية الطبية إلى القواعد العامة، فلا يتمتع الطبيب بأي استثناء، وهذا الاتجاه هو السائد حديثاً.
ويستدل لهذا الاتجاه بمايلي:
1ـ أن الأطباء كغيرهم، يسألون عن أخطائهم اليسيرة كما يسألون عن الأخطاء الجسيمة.
2ـ أن التمييز بين الأخطاء من حيث الفحش والجسامة يعترضه الكثير من الصعوبات، فوجب محاسبة الطبيب عن الجميع.
الاتجاه الثاني: لا يسأل الطبيب عن أخطائه الفنية، وقد سادت هذه النظرية في حياة البشرية غير أنها انتهت الآن كما ذكر ذلك بعض الباحثين.
ويستدل لهذا الاتجاه بما يلي:
1ـ لايمكن للطب أن يزدهر إلا بزوال الخوف عن الأطباء، فلا بد من إطلاق عنان التصرف دون تعمد إيذاء المريض.
2ـ أن في تثقيف الأطباء وشهادتهم وتعليمهم من المظان ما يكفي لعدم مساءلتهم.
3ـ أن عمل الطبيب كعمل القاضي، مرده قبل كل شيء إلى الضمير.
4ـ الحاجة الماسة إلى عمل الطبيب؛ مما يقتضي تحفيزه وتشجيعه والسماح له بممارسة عمله، ورفع المسؤولية عنه؛ لكي لا يكون الخوف من المسؤولية سبباً في الإحجام عن هذه المهنة.
الاتجاه الثالث: أن الطبيب يسأل عن خطئه الجسيم، ولا يسأل عن الخطأ اليسير، وعرّف الخطأ الجسيم بأنه: (الغلط الذي ينم عن جهل أو إهمال غير مقبول)، وقيل هو: (الخروج عن القواعد الفنية العادية خروجاً معيباً؛ مثل الجهل والإهمال الفاضحين، الذين لا يصح صدورهما عن طبيب).
وهذا الاتجاه هو الذي ارتضاه مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
ويستدل لهذا الاتجاه بما يلي:
1ـ أن الطب لا يرتكز على العلم فحسب، بل على الخبرة والفطنة كذلك، وبدهي أن جميع الأطباء لايملكون هذه الصفات، وبمقدار متماثل، ولذا فهم عرضة لارتكاب الأخطاء، والشريعة الإسلامية لا تفرض عليهم الالتزام بالعصمة، وقد يأخذ الطبيب من جانبه كل أنواع الحيطة، ويتحصن بالوسائل التي يهيئها له العلم، ومع ذلك فقد يقع الخطأ، والواقع شاهد على أن الطبيب أحياناً قد يبذل جهداً كبيراً في عمله، ومع ذلك فقد تطرأ عليه صعوبة غير متوقعة تعرقل ما كان يمكن أن يؤدي إليه هذا العمل من نتائج، فأخطاء الطبيب المهنية في معظم الأحيان أخطاء ناجمة عن المهنة ذاتها، بسبب قصورها، وعنصر الاحتمال فيها، لا عن الطبيب الذي يمارس المهنة، وعليه، فلا يصح أن يكون الخطأ مصدراً للمسؤولية، ويستثنى من ذلك: الأخطاء الفاحشة التي يتم الوقوع فيها عن جهل أو إهمال.
2ـ أن طبيعة الأعمال الفنية تقوم على الحدس والتخمين، وهذا يتطلب بدوره أن يتمتع الطبيب بقدر كاف من حرية الحركة والمبادرة، فإذا تقرر مساءلته عن كل أخطائه التي يرتكبها أثناء مزاولة المهنة ولو كانت يسيرة لأدى ذلك إلى إحباطه وتقييد حريته، والقضاء على روح المبادرة والرغبة في التطور لديه.
وثمة حالات تنفي مسؤولية الطبيب خاصة عن بعض الأضرار الناتجة عن العمل الطبي:
1ـ إذا توافرت شروط مزاولة المهنة، وكان متصفاً بالحذق والمهارة، واستند إلى ترخيص من الجهة الرسمية، إضافة إلى إذن المريض، ووجود القصد الحسن، والعمل لمصلحة المريض، والتزام أسباب الحيطة والحذر، وما تنص عليه اللوائح الطبية، وكان أداؤه لعمله وفق العرف المستقر، ومع ذلك نتج عن عمله الطبي جناية، فالمسؤولية الجنائية في حقه منتفية.
2ـ إذا اختلفت الآراء الطبية في مسألة طبية وأخذ الطبيب بأحد الأقوال بناء على ما ترجح لديه، فلا ضمان عليه، شريطة: أن تتساوى الأقوال في القوة، ولم تعتمد الجهة المسؤولة أو نقيب الأطباء رأياً معيناً.
3ـ رفض المريض للعلاج أو إهماله تعاطي العلاج الموصوف له أو تضليله للطبيب عن طريق إخفاء بعض الخقائق الخاصة به، أو عدم صحة البيانات المعطاة من قبله أو من قبل أوليائه للطبيب فلا ضمان عليه، بشرط إثبات رفض المريض للتدخل الطبي كتابة.
4ـ إذا ألجأت الضرورة الطبيب لإجراء عمل طبي يدفع به عن المريض ضرراً جسيماً، وترتب على ذلك العمل ضرر أخف؛ كالطبيب الذي يضطر إلى بتر ساق المريض المصاب بالآكلة؛ حفاظاً على سلامة بقية البدن، والطبيب الذي يقوم بإجهاض الجنين اضطرارياً لإنقاذ حياة الأم، فالطبيب هنا غير مسؤول عما ألحقه من ضرر لدفع الضرر الأعظم.
5ـ إذا أخل الطبيب ببعض الالتزامات الطبية بعلة خارجة عن إرادته، وبسبب قوة قاهرة لا يمكنه السيطرة عليها؛ كانهدام بناية المشفى، أو حدوث الحريق أو غيرهما من الآفات الطبيعية أثناء قيام الطبيب بأحد العمليات الجراحية فلا يسأل عن الضرر الناتج عن ذلك الإخلال.
6ـ الإدراك والاختيار صفتان بدهيتان في الطبيب، فإذا فقد الطبيب عقله وفقد نعمة التمييز والإدراك، فإن كان ذلك الفقد بغير إرادته ورغبته فلا يسأل جنائياً، ولا يعاقب على جرمه؛ لفقده شرط التكليف، وعلى الجهات الرسمية منعه من مزاولة هذه المهنة.
أما إذا أزال الطبيب إدراكه باختياره ودونما سبب يعذر فيه، وباشر مهنة التطبيب، وهو على حالته تلك فهل يسأل جنائياً عن فعله أو لا؟، قولان للعلماء، مخرّجان على مسألة العاصي بشرب المسكر.
أما إذا أُكره الطبيب على جناية من الجنايات فهل يؤاخذ أو لا؟ مبنية على نوع الإكراه وصفته.
• التجارب الطبية على الإنسان (رسالة دكتوراه ـ قسم الفقه ـ كلية الشريعة) د.عبدالرحمن العثمان (386) فما بعدها.
• مسؤولية الطبيب المدنية، عبدالسلام التونجي (287).
• الخطأ غير العمدي، مصطفى محمد عبدالمحسن (22).
• جرائم الخطأ الطبي والتعويض عنها في ضوء الفقه والقضاء، شريف الطباخ (21).
• المسؤولية الجنائية عن الأخطاء الطبية، د.إياد إبراهيم(47).
• آداب المهنة الطبية، د.طريف الغريري (101).
• المسؤولية الطبية المدنية والجزائية، بسام محتسب (322).
• المسؤولية الطبية وأخلاقيات الطبيب، ا.د. محمد البار (139).
• نوازل الجرائم الطبية (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)،
د. أمل الدباسي (670) فما بعدها.
• المسؤولية الجنائية للأطباء، محمد عبدالوهاب الخولي (8).
• المسؤولية الجنائية عن أخطاء الأطباء، يوسف الحداد (120).
• الخطأ الطبي حقيقته وآثاره، د. هاني الجبير. ضمن السجل العلمي لمؤتمر قضايا طبية معاصرة (5/4375).
• الخطأ الطبي في نطاق المسؤولية المدنية، محمد هشام القاسم (9).
• مشكلات القتل والإيذاء، د. إدوارد الذهبي (46).
• نظرة حديثة إلى خطأ الطبيب الموجب للمسؤولية المدنية، محسن البيه (38).
• التداوي والمسؤولية الطبية، قيس آل شيخ مبارك (164).
• الخطأ الطبي، محمد سامي الشوا (15).
• مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة (15)، العدد (15) (4/680).
• الأسباب المسقطة للمسؤولية الجنائية، جمعة بشير (97).
• موانع المسؤولية الجنائية، مصطفى الزلمي (26).
• المسؤولية الجنائية أساسها وتطورها، محمد إمام (213).
• الخطأ الطبي، د. وفاء أبو جميل (53).