الأصل أن المزكي هو الذي يتولى إخراج زكاته بنفسه؛ بل إن ذلك هو المستحب كما ذكره العلماء، لكن ربما لا يتيسر لبعض الناس إيصال زكواتهم للمستحقين خاصة مع اتساع المدن، وضعف الترابط بين أفراد المجتمع مقارنة بما كان عليه الناس من قبل, مما جعل الحاجة ماسة لتولي مؤسسات أهلية جمع الزكوات وإيصالها للمستحقين سواء كانت جمعيات خيرية أو مراكز إسلامية أو غيرها، فما التخريج الفقهي لذلك ؟ وهل هذه المؤسسات نائبة عن المزكي أو عن الفقير ؟
اتفق الفقهاء على مشروعية التوكيل في إخراج الزكاة([1])، واستدلوا على ذلك بما يأتي:
- أن النبي ﷺ كان يبعث عماله لجباية الزكاة من أرباب الأموال ثم توزيعها على مستحقيها كما جاء في حديث معاذ ؓ عندما بعثه إلى اليمن وجاء فيه: (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، [البخاري (1395) ومسلم (19)].
ووجه الدلالة: أن النبي ﷺ أمر معاذا رضي الله عنه بأن يخبرهم بأن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم نيابة عنهم, وهذا يدل على جواز النيابة في تفريق الزكاة، وإذا جازت النيابة بغير طلب من المنوب عنه جازت الوكالة من باب أولى.
- أن الزكاة عبادة مالية محضة فيجوز للمالك أن يوكل غيره في إخراجها كما يجوز له أن يوكل في قضاء ما عليه من الدين والكفارة.
- أن الحاجة قد تدعو إلى الوكالة لتعذر قيام المالك بإخراج الزكاة في بعض الأحوال.
وإذا كان التوكيل للجمعيات الخيرية في بلاد المسلمين فلها حالان:
الحال الأولى: أن تكون نائبة عن المزكي والفقير معا، وذلك إذا كانت جهة الزكاة حكومية أو مكلفة من الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها أو مأذونا لها بذلك، فتكون وكيلة عن الغني لكونه دفع الزكاة لها وطلب منها توزيعها على المستحقين، وتكون نائبة عن الفقير لكونها مكلفة من الإمام وهو نائب عن الفقراء لا سيما إن كان الفقراء غير معينين لدى تلك الجمعيات.
ومن أبرز من قال بذلك من العلماء المعاصرين الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، حيث قال: “يجوز دفع الزكاة لجمعيات البر المصرح بها من الدولة، وعندها إذن منها وهي نائبة عن الدولة، والدولة نائبة عن الفقراء، وعلى هذا إذا وصلتهم الفطرة في وقتها أجزأت، ولو لم تصرف للفقراء إلا بعد العيد؛ لأنهم قد يرون المصلحة تأخير صرفها”.
الحال الثانية: أن تكون نائبة عن المزكي فقط وذلك هو الغالب في الجهات الخيرية التي لم تكلف من قبل الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها ولم يؤذن لها بذلك ويتحقق التوكيل بدفع المزكي الزكاة للجمعية لتوزيعها على الفقراء, أو بأن يدفع لها المبلغ النقدي لتقوم بشراء زكاة الفطر وتوزيعها فيكون المزكي في تلك الحالة معينا بخلاف الفقير فهو غير معين مما يمتنع معه التوكيل منه.
وقد صدر بهذا فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برقم 13231) وجاء فيها: – يجب على الجمعية صرف زكاة الفطر للمستحقين لها قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأدائها للفقراء قبل صلاة العيد، والجمعية بمثابة الوكيل عن المزكي وليس للجمعية أن تقبض من زكاة الفطر إلا بقدر ما تستطيع صرفه للفقراء قبل صلاة العيد، ولا يجوز إخراج زكاة الفطر نقودا؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعاما، ولا يجوز العدول عن الأدلة الشرعية لقول أحد من الناس، وإذا دفع أهل الزكاة إلى الجمعية نقودا لتشتري بها طعاما للفقراء وجب عليها تنفيذ ذلك قبل صلاة العيد، ولم يجز لها إخراج النقود).
وفي هذه الحال يجوز تقديم زكاة الفطر قبل العيد ولو بمدة طويلة من المزكي إلى الجمعية الخيرية المأذون لها بجمع الزكاة وتوزيعها لأنه ليس إخراجا وإنما الإخراج هو بإقباض الجمعية للفقير وأما تأخير إخراجها من الجمعية عن يوم العيد فإنه لا يجوز في هذه الحال التي تكون فيها الجمعية نائبة عن المزكي فقط.
وأما المراكز الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فالظاهر إلحاقها بالحال الأولى فتكون نائبة عن الإمام في القيام بجمع الزكاة وتفريقها على مستحقيها لعدم وجود إمام للمسلمين في بلاد الكفار والإمام نائب عن الفقراء مع كونها نائبة عن المزكي أيضا.
([1]) المبسوط (3/35), بلغة السالك (1/665), مغني المحتاج (2/129), الفروع (2/549).
1. أبحاث وأعمال الندوة السادسة لقضايا الزكاة المعاصرة ص(239, 245, 247).
2. استثمار أموال الزكاة، صالح بن محمد الفوزان ص(111).
3. الشرح الممتع على زاد المستقنع، ابن عثيمين (6/175).
4. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (9/377).
5. نوازل الزكاة للغفيلي ص(511-514).