قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

تنفيذ العقوبة بغير السيف

مسألة رقم 258

العناوين المرادفة

1. تنفيذ القصاص بالوسائل الحديثة.
2. تنفيذ عقوبة القتل بالآلات الحديثة.
3. استخدام التقنية الحديثة في الإعدام.

صورة المسألة

تطورت وسائل القتل في الوقت الراهن، فظهرت آلات حديثة تؤدي إلى إزهاق الروح بصورة مختلفة عن السيف، وأبرزها: الكرسي الكهربائي، والحقنة القاتلة، والمقصلة، والرمي بالرصاص، والشنق… فهل يجوز تنفيذ عقوبة القتل بهذه الوسائل؟

حكم المسألة

اتفق الفقهاء – رحمهم الله تعالى – على أن الزاني المحصن يجب رجمه حتى الموت، كما هو ثابت في السنة، وكذلك المرتد عن دين الله – عز وجل – يجب قتله بالسيف عند القائلين به بعد استتابته ثلاثا، وتماديه على الردة.

واختلفوا فيمن ثبت قتله قصاصا هل يلزم قتله بالسيف على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن القاتل يقتل بمثل ما قتل به المجني عليه، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية، وقول عند الحنابلة، وقال به أبو ثور وعمر بن العزيز، واختاره ابن تيمية وابن القيم.

الاتجاه الثاني: أن القاتل لا يقتل إلا بالسيف حصرا، سواء قتل به أو بغيره، وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وقال به عطاء والثوري، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية.

استدل أصحاب الاتجاه الأول (القائلون بوجوب المماثلة في استيفاء القصاص) بجملة من الأدلة، أبرزها:

  1. قوله تعالى: ( فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) ]البقرة: 194[.
  2. وقوله : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ) ]النحل: 126[.
  3. وقوله: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) ]الإسراء: 33[.

وجه الدلالة: أن اعتبار المماثلة في القصاص الوارد في هذه النصوص يستلزم المساواة في الجزاء؛ بأن يكون فعل الثاني في القصاص مساويا لفعل الأول في الجناية، وبهذا يبطل لزوم السيف.

نوقش: أن هذه الأدلة عامة، وقد ورد أنه: “لا قود إلا بالسيف”؛ فيكون مخصصا له.

  1. ولما رواه الشيخان في رضّ النبي – ﷺ – لرأس اليهودي الذي رض رأس الجارية. [أخرجه البخاري برقم: (2413) 3/121، ومسلم برقم: (1672) 3/1300].
  2. وروى البراء بن عازي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من حرّق حرقناه، ومن غرّق غرقناه) [أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار برقم: (17185) 12/409، وفي إسناده مجهول، وضعفه الماوردي في الحاوي الكبير 12/140].

وجه الدلالة: أن الحديثين يدلان على إثبات مشروعية المماثلة في استيفاء القصاص في القتل؛ وذلك ثابت بفعله -ﷺ– في صورة الحديث الأول، وبقوله في صورة الحديث الثاني.

نوقشت: الأدلة السابقة بدعوى ثبوت النسخ في مشروعية المماثلة في القصاص بما ثبت من الأدلة في لزوم السيف باعتبار أنه نص خاص، ونظرا لكونه أسرع في إزهاق الروح.

ونوقش الحديث الأول بوجه خاص: أن في متنه اضطرابا؛ وذلك لأنه قد ورد بلفظ: الرض، والرضخ، والرجم، وأطلق موضع الضرب في بعض الروايات، وحدّ في بعضها بالرأس، وبعض الروايات ذكرت: حجرين بالتثنية، وبعضها: الحجارة بصيغة الجمع.

  1. ولأن مبنى القصاص على المماثلة في الفعل باعتباره جزاء له؛ فيجب أن يكون بمثل الفعل الأول تحقيقا للمساواة في الفعل، وانسجاما مع مبدأ التشفي في القصاص.
  2. ولأن القتل لحق الله تعالى لما تنوع إلى نوعين، بالحديد تارة كما في قتل المرتد، وبالمثقل تارة أخرى كما في رجم الزاني المحصن، وجب أن يتنوع في حقوق الآدميين بمثقل وغير مثقل.

وبعبارة أخرى: أن القتل بالسيف قصاصا أحد نوعي القتل الثابت لحق آدمي؛ فوجب أن يتنوع استيفاؤه نوعين؛ كالقتل في حقوق الله تعالى لما تنوع ما يوجبه تنوع طريق استيفائه.

استدل أصحاب الاتجاه الثاني: (القائلون بلزوم السيف في القصاص) بجملة من الأدلة، أبرزها:

  1. حديث: (لا قود إلا بالسيف) [أخرجه ابن ماجه برقم: (2667) 2/889 ].

وجه الدلالة: أن لا النافية للجنس تدل على الحصر، ومن ثم لا يجوز القتل بغير السيف.

  1. وحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة…) [أخرجه مسلم برقم: (1955) 3/1547].

وجه الدلالة: أن الحديث دليل على وجوب الإحسان في القتل؛ وذلك لا يتم إلا بالسيف.

نوقش الحديث الأول: بالضعف، وعلى تقدير صحته يكون القود بالسيف لازما في القتل الواقع بالسيف تحقيقا للمساواة في القصاص، وجمعا بين الأدلة العامة والخاصة.

ونوقش الحديث الثاني: أن استيفاء القصاص بقتل الجاني بمثل ما فعل بالمجني عليه يحقق المماثلة في القصاص؛ وذلك أبلغ في حماية النفوس وتحقيق مقصود الشارع في الزجر.

  1. ولأن قتله بالسيف – إن لم يقتل به – قد يفضي إلى المثلة، والمثلة منهي عنها شرعا.
  2. ولأن استحقاق القتل يمنع من استيفائه بغير السيف قياسا على المرتد والقاتل بالسيف لما استحقا القتل كان استيفاؤه منهما بالسيف دون غيره.

نوقش: بالفرق؛ لأن القصاص مشروع على سبيل المماثلة، فاشترط فيه المساواة في الفعل عند الاستفاء، بخلاف المرتد، فإنه مقتول على سبيل الحد، ومن ثم يختلف المعني المقتضي للحكم في الصورتين.

  1. ولأن النفوس لا يجوز تفويتها بغير المحدد كما في الذبائح، ونفوس الآدميين أغلظ حرمة من البهائم؛ فيلزم من إتلافها أن يكون بالسيف حماية لكرامتها المقررة.

نوقش القياس من وجهين

الأول: أنه ينتقض بالزاني المحصن، لثبوت رجمه بالحجارة حتى الموت رغم استحقاقه للقتل.

الثاني: الفرق؛ لأن محل الذبح معين؛ فجاز أن تكون الآلة معينة، بخلاف القصاص، فإنه لما اعتبرت المماثلة في محل الجناية اعتبرت كذلك في آلتها تحقيقا للمساواة والعدل.

وبعد دراسة المسألة كما هي واقعة في كتب الفقهاء المتقدمين يمكن أن يقال: إن السيف مشروع في تنفيذ القصاص عند القائلين بلزومه باعتبار أنه أسرع في إزهاق الروح، وأرفق بالجاني كما عللوه، فهل يجوز على هذا التقدير استعمال الوسائل الحديثة في تنفيذ القصاص والجرائم التعزيرية إذا قلنا: إن التعزير قد يصل إلى القتل؟

والجواب عنه يتبين بتصوير أشهر الوسائل الحديثة، وبيان كيفية إزهاقها للروح، وموقف المعاصرين من استعمال هذه الوسائل في تنفيذ عقوبة الإعدام، وبيان ذلك فيما يلي:

أولا: بيان أشهر الوسائل الحديثة في تنفيذ عقوبة الإعدام

  1. الكرسي الكهربائي: ويتم القتل به بإرسال التيار الكهربائي عبر جهاز التحكم في جسم الإنسان مما يسبب تهيجا يصيب الأنسجة الحية، يترافق معه التقلص التشنجي غير الإرادي.

ويكون تأثيره الأولي بصعوبة التنفس نتيجة نقص الأكسجين مما يؤدي إلى إيقاف القلب عن العمل وتعطيل الدورة الدموية، وظهور تأثيره الحراري على شكل حروق بسيطة أو شديدة.

والموت في الكرسي الكهربائي يحصل بعد الصعقة الثالثة؛ إذ الأولى تسبب للجاني ألما عضليا حادا، ويستمر ذلك بعد الصعقة الثانية مع فقدان بعض الوعي، ويموت في الثالثة بعد غياب الوعي؛ مما يجعل عملية الصعق الكهربائي تستغرق حوالي ربع ساعة تقريبا، وقد يتعذر في بعض الحالات فصل التيار الكهربي عن الجثة مما يحولها إلى كتلة صغيرة متفحمة.

  1. الحقنة القاتلة (الحقن الجرثومي): وهو أن يتم حقن الجاني في وريده بحقنة تحتوي على المواد الكيماوية يغيب وعيه بعدها بلحظات، ولا يشعر بألم سوى الوخز بالإبرة. والقتل بهذه الطريقة يستخدم في ولاية تكساس الأمريكية، وهو يعتمد على إحداث شلل كامل للجسم بعد الجرعة الثالثة مما يؤدي إلى إيقاف نبضات القلب، وحصول الوفاة.
  2. الخنق بالغاز: وهو أن يتم إدخال الجاني في غرفة مغلقة، يفتح بعدها الغاز مزيجا بالروائح المستحسنة، ويؤدي بقاؤه فيها إلى تعطيل خلايا الرئة مما يسبب احتباس الغاز السام وثاني أكسيد الكربون في خلايا الجسم، ويفضي به إلى الموت السريع.

وعوامل القتل فيها تبدأ بالإحساس بدوار الرأس، ثم غياب الوعي تدريجيا إلى أن يفارق الحياة بعد ربع ساعة من استنشاق الغار، وقد تطول المدة أو تكثر حسب كمية الغاز.

  1. الرصاص: وهو أن يتم إطلاق بعض الطلقات النارية بنحو مسدس على مقاتل الجاني ليلقى حفته على الفور؛ ولكنها إذا أخطأت مقاتل الإنسان قد تسبب آلاما، وتقطع أعضاء جسده بما يؤدي إلى خروج الأشلاء، وتمثيل الجثة.
  2. الشنق: ويتم فيه تعليق رقبة الجاني بحبل غليظ يُضغَط من الجهتين، وينتج عن ذلك ضيق في التنفس يتطور تدريجيا إلى أن يتوقف بشكل نهائي نتيجة تعطل الدورة الدموية، وكسر الفقرات العنقية..
  3. المقصلة: وهي آلة ذات شفرة حادة تستخدم في الإعدام فتفصل الرأس عن الجسد.

 

ثانيا: بيان موقف المعاصرين من القتل بالآلات الحديثة

وباستقراء المعاني العامة التي تقتضيها النصوص الواردة بشأن عقوبة القتل يلاحظ فيها ضرورة مراعاة بعض الضوابط عند تنفيذه، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

  1. أن تتميز الوسيلة بالقدرة على إنهاء الحياة بصورة سريعة حتى لا تتضمن التعذيب.
  2. أن تراعي الكرامة الإنسانية المقررة بحيث لا تفضي إلى التمثيل بالجثة أو تشويهها.
  3. أن لا تكون الوسيلة محرمة في ذاتها، كالقتل بالنار الذي ثبت النهي عنه في الآثار.

 

وعلى ضوء هذه الضوابط اختلفوا في تحقيق مناط الحكم على ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: الجواز مطلقا، وبه صدر فتوى لجنة الأزهر، ولازم قرار مجمع الفقه الإسلامي حيث قالوا: بجوازها إذا سنتها تشريعات الدول باعتبار أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، واختاره كثير من الباحثين.

وسندهم في ذلك: أنهم يرون أن استعمال هذه الآلات الحديثة لا تخالف هذه الضوابط.

الاتجاه الثاني: المنع مطلقا، وقد اختاره بعض الباحثين.

وسندهم في المنع: أنهم يرون أن هذه الوسائل تنافي الضوابط الشرعية في تنفيذ عقوبة القتل.

 

الاتجاه الثالث: التفصيل بين هذه الآلات، وسنده: أن منهم من يرى أن بعض هذه الآلات يتحقق فيها ضوابط الجواز المذكورة؛ فيجيزها، ومنهم من يمنع من استعمال بعضها بناء تخلفها بصورة كلية أو جزئية.

 

 

ملحق المسألة: قرار مجمع الفقه بشأن عقوبة الإعدام في النظر الإسلامي.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قرار رقم: (192) (7/20).

بشأن عقوبة الإعدام في النظر الإسلامي

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره العشرين بوهران (الجمهورية الجزائريــة الديمقراطية الشعبية) خلال الفترة من 26 شوال إلى 2 من ذي القعدة 1433هـ، الموافق 13-18 سبتمبر (أيلول) 2012م،

بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى أمانة المجمع في موضوع عقوبة الإعدام في النظر الإسلامي، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،

وبعد التأكيد بأن الإسلام من منطلق أصوله الأخلاقية الحامية لحقوق الإنسان، قام بدور تاريخي فاعل ومؤثر في تقليل وتقليص حالات الإعدام وسيما في الظروف القاسية التي كانت تتسع دائرتها عند الكثير من الأمم، وذلك عبر تأصيل وتأسيس قواعد كقاعدة حرمة الدم وقاعدة درء الحدود بالشبهات، وقاعدة الاحتياط في الدماء، قرر ما يأتي:

وجاء في البند السابع من القرار:

(7) يُترك اختيار وسيلة تنفيذ عقوبة الإعدام لتشريعات الدول الإسلامية في إطار القواعد العامة للشريعة الإسلامية ومقاصدها.

والله أعلم.

المراجع

1. بدائع الصنائع لعلاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي(ت 587 هـ)
2. البيان والتحصيل لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت 450 هـ)
3. التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، إعداد: عبد القادر عودة.
4. الحاوي الكبير لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد الماوردي الشافعي (ت: 450 هـ)
5. حكم استخدام التقنية الحديثة في تنفيذ عقوبة الإعدام، د. هشام بن عبدالملك آل الشيخ (fiqh.islammessage.com).
6. حكم تنفيذ القصاص والإعدام بالوسائل الحديثة في الفقه الإسلامي، د.حمزة بن عبدالكريم حماد (almoslim.net).
7. عقوبة الإعدام – دراسة مقارنة في القانون الوضعي والشريعة الإسلامية، تأليف: محمد عبد العال.
8. الفقه الإسلامي وأدلته، للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي.
9. المبدع في شرح المقنع لإبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي (ت 884 هـ).
10. مجلة الأزهر، فتوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، عدد رجب 1356هـ / 1937 م.
11. المغني لأبي عبدالله أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (ت 620 هـ).
12. موقع مجمع الفقه الإسلامي الدولي: (www.iifa-aifi.org) قرار رقم: (192).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى