يستخدم أعداء الإسلام نوعا من الغزو لا يقل خطورة عن الغزو العسكري وهو الغزو الفكري، وينفقون أموالا طائلة في سبيل تحقيق ذلك مما يحتم على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه, وإعلاء كلمة الله بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم ومن ذلك مكاتب ومراكز الدعوة إلى الله تعالى.. فهل يجوز الصرف على هذه المكاتب والمراكز من مصرف في سبيل الله من الزكاة؟
اختلف العلماء في المراد بمصرف (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ )، فمنهم من خصه بالجهاد في سبيل الله وهم جمهور العلماء، ومنهم من جعله عاما في جميع وجوه البر. ثم الذين خصوه بالجهاد اختلفوا هل يختص الجهاد بالجهاد بالسلاح أو يشمل الجهاد بالسلاح وجهاد الدعوة إلى الله، وينبني على هذا الخلاف الخلاف في تمويل مكاتب ومراكز الدعوة إلى الله من أموال الزكاة من هذا المصرف (في سبيل الله)، فمن خص مصرف (في سبيل الله) بالجهاد بالسلاح رأى أنه لا يجوز تمويل مكاتب ومراكز الدعوة من أموال الزكاة، ويمكن تمويلها من الصدقات العامة والتبرعات الأخرى، أما بقية العلماء – سواء من يرى أن مصرف (في سبيل الله) يشمل جميع وجوه البر أو خاص بالجهاد لكن الجهاد يشمل الجهاد بالسلاح وجهاد الدعوة- فيرون أنه يجوز تمويل مكاتب ومراكز الدعوة من الزكاة باعتبارها داخلة في مصرف (في سبيل الله).
وقد درس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي موضوع (المراد بمصرف (في سبيل الله) وأصدر فيه قرارا، وجاء فيه: – (.. .وبعد اطلاع المجلس، على ترجمة الاستفتاء الذي يطلب فيه الإفادة، هل أحد مصارف الزكاة الثمانية، المذكورة في الآية الكريمة، وهو: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ). يقصر معناه على الغزاة في سبيل الله، أم أن سبيل الله عام لكل وجه من وجوه البر، من المرافق، والمصالح العامة، من بناء المساجد، والربط، والقناطر، وتعليم العلم، وبث الدعاة….إلخ. وبعد دراسة الموضوع، ومناقشته، وتداول الرأي فيه، ظهر أن للعلماء في المسألة قولين:
أحدهما: قصر معنى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ). في الآية الكريمة على الغزاة في سبيل الله، وهذا رأي جمهور العلماء. وأصحاب هذا القول يريدون قصر نصيب (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) من الزكاة، على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى.
القول الثاني: أن سبيل الله شامل، عام لكل طرق الخير، والمرافق العامة للمسلمين: من بناء المساجد وصيانتها، وبناء المدارس، والربط، وفتح الطرق، وبناء الجسور، وإعداد المؤن الحربية، وبث الدعاة، وغير ذلك من المرافق العامة، مما ينفع الدين، وينفع المسلمين، وهذا قول قلة من المتقدمين، وقد ارتضاه واختاره كثير من المتأخرين.
وبعد تداول الرأي ومناقشة أدلة الفريقين قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
- نظرا إلى أن القول الثاني قد قال به طائفة من علماء المسلمين وأن له حظا من النظر في بعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [البقرة: 262] ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في سنن أبي داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي ﷺ : (اركبيها فإن الحج في سبيل الله).
- ونظرا إلى أن القصد من الجهاد بالسلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى وأن إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون أيضا بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه بإعداد الدعاة ودعمهم ومساعدتهم على أداء مهمتهم فيكون كلا الأمرين جهادا لما روى الإمام أحمد والنسائي وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم).
- ونظرا إلى أن الإسلام محارب بالغزو الفكري والعقدي من الملاحدة واليهود والنصارى وسائر أعداء الدين وأن لهؤلاء من يدعمهم الدعم المادي والمعنوي فإنه يتعين على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام وبما هو أنكى منه.
- ونظرا إلى أن الحروب في البلاد الإسلامية أصبح لها وزارات خاصة بها ولها بنود مالية في ميزانية كل دولة بخلاف الجهاد بالدعوة فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدول مساعدة ولا عون.
- لذلك كله فإن المجلس يقرر بالأكثرية المطلقة دخول الدعوة إلى الله تعالى وما يعين عليها ويدعم أعمالها في معنى (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) في الآية الكريمة)
كما صدرت بذلك فتوى الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة في مصرف في سبيل الله، وجاء فيها: ( إن مصرف في سبيل الله يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء بما مفاده حفظ الدين وإعلاء كلمة الله ويشمل مع القتال الدعوة إلى الإسلام والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد التيارات المعادية له وبهذا لا يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي:
- أ- تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية الإسلام وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم.
- ب- تمويل مراكز الدعوة إلى الإٍسلام التي يقوم عليها رجال صادقون في البلاد غير الإسلامية بهدف نشر الإسلام بمختلف الطرق الصحيحة التي تلائم العصر وينطبق هذا على كل مسجد يقام في بلد غير إسلامي يكون مقرا للدعوة الإسلامية.
- ت- تمويل الجهود التي تثبت الإٍسلام بين الأقليات الإسلامية في الديار التي تسلط عليها غير المسلمين على رقاب المسلمين والتي تتعرض لخطط تذويب البقية من المسلمين في تلك الديار).
1. فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص(25)، بحث بعنوان (مصرف في سبيل الله) للدكتور سعود الفنيسان.
2. قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، العدد:3 ص(211).
3. مصرف في سبيل الله، مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية، العدد الثاني (23-57).