يقدم بعض الموظفين في الجهات المتعددة هدايا للمدير المسؤول, وتختلف أهداف الموظفين من تقديمهم لتلك الهدايا.
للفقهاء المعاصرين تفصيل, حيث قالوا:
أولا: الواجب على الرئيس ألا يقبل الهدايا، فقد تكون رشوة، ووسيلة إلى المداهنة والخيانة إلا إذا كانت لمصلحة العمل، والأحوط ردها، ولا يقبلها له ولا للجهة التي يرأسها؛ لأن ذلك قد يجره إلى أخذها لنفسه، وقد يساء به الظن، وقد يكون للمهدي بسببها جرأة عليه، وتطلع لمعاملته أحسن من معاملة غيره؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما بعث بعض الناس لجمع الزكاة، قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فأنكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وخطب في الناس، وقال: (ما بال الرجل منكم نستعمله على أمر من أمر الله، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، ألا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، فينظر هل يهدى إليه؟)، رواه مسلم (2597). وهذا الحديث يدل على أن الواجب على الموظف في أي عمل من أعمال الدولة أن يؤدي ما وكل إليه، وليس له أن يأخذ هدايا فيما يتعلق بعمله، وإذا أخذها فليضعها في بيت المال، ولا يجوز له أخذها لنفسه؛ لهذا الحديث الصحيح، ولأنها وسيلة للشر والإخلال بالأمانة.
ثانيا: إذا كان القصد منها المودة والمحبة وإزالة ما في النفوس من الظنون السيئة، كما ورد الحديث بلفظ: (تهادوا تحابوا، فإن الهدية تسل السخيمة)، رواه البخاري في الأدب المفرد (594).
فهي مستحبة أما إذا كان القصد من هذه الهدية كسب قلب الرئيس حتى يقدم المهدي على غيره، أو يتجاوز عن تقصيره, فإنها لا تجوز، ولا يجوز للرئيس قبولها إذا علم قصد المهدي, ولو تحقق أنه لا يتأثر بها حتى ينقطع طمع المهدي فيما يؤمله، ويبقى أسوة لغيره من العمال.
ثالثا: الأصل في هدايا العمال المنع والتحريم؛ حسمًا لمادة الفساد، وقطعًا لدابر السوء يلوح للفقيه البصير بأحوال الناس، والباحث المطلع على وقائعهم وقضاياهم، ثمة قضايا ونوازل قد قامت فيها صفات، وبرزت لها أحوال، واحتفت بها قرائن تنهض لرفعها عن هذا الأصل.
ولما كان إطلاق الأمر بذلك من شأنه فلت الزمام، وإرخاء العنان، وإشاعة الفوضى في شأنٍ منع منه الشارع وحرّمه، وجرّم فاعله؛ كان من واجب الفقيه أن يحدد لذلك ضوابط تضبطه، وتكفل عدم تجاوزه لمرتع المنكر والحرام. من تلك الضوابط ما يأتي:
- إذا وافقت جهة عمل الموظف على تملكه للهدية؛ جاز له قبولها.
- إذا كانت الهدية ممن يهدي إليه قبل العمل فيجوز قبولها.
- إن كانت الهدية ممن هو أعلى منه في الوظيفة جاز قبولها؛ لانتفاء التهمة.
- كل هدية تمحضت لذات المهدى إليه بصرف النظر عن عمله، وتيقن قطع علائقها بالعمل أو غلب الظن بذلك جاز قبولها. فمن قدم الهدية لاسم الموظف وشخصه لا وصفه وعمله، بحيث لو ترك العمل أو تغير لم تتأثر الهدية جاز بذلها حينئذ وقبولها.
- إن كانت أثناء معاملة قائمة، أو مناقصة منظورة، أو عقد بين يدي الموظف ونحو ذلك فلا يجوز أخذ الهدية ولو تحقق فيها بعض الضوابط الأخرى؛ لأن التهمة قائمة.
- تباح الهدية عند انقضاء العمل وانتهائه من غير شرط ملفوظ،أو ملحوظ، أو معروف. فإن كان هناك شرط صريح، أو مواطأة، أو جرت عادة الموظف أن من يقصده يعطيه، فهذا محرم.
- ما جرى العرف بإهدائه فيجوز بذله وقبوله. وغالبًا ما يكون يسيرًا، مثل: الدروع التذكارية، وشهادات الشكر والتقدير، حيث إن العرف قد جرى بأن هذه الأمور لا أثر لها على المهدى إليه، بل اعتاد الناس على فعلها بذلاً وقبولاً، ولا يجدون لها أثرًا في منعٍ أو إعطاء أو موافقة أو غير ذلك؛ فدل على أن هذه الأمور اليسيرة لا حرج فيها.
- لا يدخل في الهدية قبول دعوة ولائم العرس، فهي مستثناة من المنع؛ لعموم النص بوجوب إجابة الدعوة.
- الهدية التي تكون من غير من له عليه ولاية، فهي غير داخلة في النهي، ولا يشملها المنع. ولهذا فيجوز تقديمها وإن كانت لغير التودد، وإنما لأجل حاجة، لكن بشرط ألا تكون لمن له على المهدي ولاية.
- الهدية إن كانت ممن مثله يهادي، وقد طرأ سببها بعد تولي العامل العمل، مثل: طروء مصاهرة أو صداقة فيجوز قبولها؛ لانتفاء التهمة.
- إذا لم تتوافر الضوابط السابقة، فيجوز للعامل قبول الهدية إذا أخذها لأجل مصلحة العمل، لا لمصلحة نفسه، وأخبر المهدي بذلك.
وبالجملة كل ما انتفت التهمة والريبة قوي القول بالإباحة، وضعف القول بالمنع، والعكس كذلك. وفي كل الأحوال إذا قلنا بجواز قبول الهدية بهذه الضوابط أو بعضها، فيتأكد في حق المهدى إليه تأكداً شديداً أن يكافئ على الهدية، ويثيب عليها حتى لا تكون النفس أسيرة للهدية، كسيرة لظلالها.
1. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للشيخ ابن باز 20/66
2. حكم قبول العامل في القطاع الصحي الهدايا من شركات الأدوية, للدكتور عبدالرحمن ن عبدالله السند.
3. موقع الشيخ عبد الله الجبرين, الفتوى رقم: (11101):
ibn-jebreen.com/ftawa. =11101