الأصل في الطلاق أنه بيد الزوج، واشتراط المرأة جعل العصمة بيدها في أثناء العقد، أو توكيل الزوج لها بذلك بعد العقد من المسائل الفقهية التي بحثها الفقهاء وفصلوا في حكمها، ولكنها كانت من القضايا النادرة والمهجورة في المجتمعات الإسلامية، ولكن مع تسارع وتيرة التغريب في العالم الإسلامي وخاصة بعد توقيع معظم الدول الإسلامية على الاتفاقيات الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة! أخذت قضية اشتراط العصمة تأخذ شكل الظاهرة المتنامية يوماً بعد يوم، فكان لا بد من بيان حكم هذا الشرط في العقد، وحكم التفويض بعده بإيجاز يزيل الخلط واللبس في المسألة.
جعل الطلاق بيد المرأة لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: تفويض أو توكيل الزوج زوجته في طلاق نفسها بعد العقد.
الحالة الثانية: جعل العصمة بيد الزوجة بشرط في العقد متى شاءت طلقت نفسها.
الحالة الأولى: تفويض الزوجة بطلاق نفسها بعد العقد:
يباح تفويض الزوجة في تطليق نفسها، عند عامة الفقهاء مع التأكيد على أن هذا التفويض لا يسقط حق الزوج في الطلاق، ولا يمنعه من استعماله متى شاء.
وهذا التفويض مقيد عند جمهور الفقهاء بمجلس التفويض وهو عند الحنابلة على التأبيد([1]).
الأدلة على ذلك:
1) ما جاء في حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: أن رسول الله ﷺ جاء حين أمر الله أن يُخير أزواجه فبدأ بي فقال: “إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك أن لا تس)تعجلي حتى تستأمري أبويك، وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت ثم قال: إن الله قال: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ) [الأحزاب: 28] إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة” [متفق عليه (البخاري 4507، ومسلم 1475)].
وجه الدلالة: أن الأمر بالتخيير دليل على أن اختيار الفرقة له أثر في إيقاع الطلاق، وإلا لم يكن للتخيير معنى.
2) أن الزوج له حق استدامة النكاح أو الفراق، فيملك أن يوكل في حقوقه بأن يجعل الأمر بيدها في الطلاق.
الحالة الثانية:
اشتراط المرأة جعل العصمة بيدها عند العقد ليس تخييرا أو تمليكا محدوداً بزمن بل المراد اشتراط مطلق لهذا التخيير عند العقد، وللفقهاء –رحمهم الله- اتجاهان في هذا :
الاتجاه الأول:
أن شرط جعل العصمة بيد الزوجة متى شاءت طلقت نفسها شرط باطل، لكونه يخالف مقتضى العقد وهذا قول عامة الفقهاء([2]).
بل قال المالكية بأنه شرط باطل مبطل للعقد إن لم يدخل بها([3]).
وعند الشافعية باطل ويبطل به العقد مطلقاً ([4]).
وعند الحنفية إذا كانت البداية من الزوجة فقالت: زوجتك نفسي على أن أمري بيدي وقبل الزوج ذلك جاز لها أن تطلق نفسها، أما إذا بدأ الزوج فقال تزوجتك على أن أمرك بيدك فالنكاح صحيح ولا يكون أمرها بيدها، لأنه تمليك قبل تمام عقد النكاح([5]).
وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ببطلان هذا الشرط، وكذا الشيخ ابن باز وابن عثيمين –رحمهما الله -، وعليه الفتوى في عدد من المواقع الإسلامية، ونص على ذلك كثير من المعاصرين.
ومن الأدلة على بطلان هذا الشرط:
1- قول الله – تعالى –: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) [النساء: 34].
وجه الدلالة: أن الطلاق فرع عن القوامة، فهو من حق الرجل لا المرأة.
2- قول النبي ﷺ: “كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط” متفق عليه [البخاري (2584)، مسلم (1504)].
وجه الدلالة: أن عقد النكاح يقتضي جعل العصمة بيد الزوج، واشتراط خلافه منافٍ لمقتضى العقد فيكون باطلاً.
ونوقش: بأن الزوج إذا ملك الحق فله تمليكه باختياره أو بموجب شرط، فصاحب الحق له أن يستوفي حقه بنفسه أو بغيره.
3- أن جعل الطلاق في يد الرجل هو المتوافق مع الفطرة، فالرجل هو الراعي للأسرة وهو أقدر في الغالب على ضبط عواطفه وانفعالاته وتحكيم عقله، خاصة عند المشكلات والأزمات.
الاتجاه الثاني:
أن شرط جعل العصمة بيد الزوجة عند العقد شرط صحيح، يضيف للمرأة حق تطليق نفسها، ولا يسلب حق الزوج في الطلاق، ولا يعني إلغاء قوامته، وهذا مذهب الحنفية إذا كان هذا الشرط مع الإيجاب حال العقد، وتم قبول الزوج بعده، وهو قول لبعض المالكية([6]) وصدرت به فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء، وقال به الشيخ عبدالله بن منيع، وبعض علماء الأزهر، وموقع الإسلام أون لاين .
الأدلة :
- قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج” . [البخاري (2572)، ومسلم (1418)].
وجه الدلالة: حث الشارع على الوفاء بالشروط التي تتعلق بعقد النكاح، وهذا يشمل كل ما شرط في العقد ترغيباً للمرأة في النكاح مالم يكن محظوراً.
- القياس على إباحة تفويض المرأة بالطلاق بعد العقد.
الملاحق:
المجلس الأوروبي للإفتاء:
جاء في قرار للمجلس الأوروبي للإفتاء بشأن طلاق المرأة نفسها برقم( 2/5) في الدورة الخامسة المنعقدة بتاريخ 30 محرم إلى 3 صفر 1421 هجري ” وفي مسألة مدى جواز طلاق المرأة نفسها فإن المجلس قد قرر بعد بحث مستفيض ما يلي :
أولاً : أن الطلاق من حيث الأساس حق أعطاه الإسلام للرجل.
ثانياً: يمكن أن تطلق المرأة نفسها إذا اشترطت ذلك في عقد الزواج أو إذا فوضها زوجها بذلك بعد العقد.
..
رابعاً : يمكن للمرأة أن تتفق مع زوجها على الطلاق ضمن أي شروط مشروعة يتراضيان عليها.
([1]) وحكى بعضهم الإجماع على ذلك، ينظر: المبسوط 6/210، فتح القدير 4/76، البحر الرائق 3/342، حاشية الدسوقي 2/406، منح الجليل 4/158، نهاية المحتاج 6/438، المغني 7/308.
([2]) ينظر: التاج والإكليل 3/444، الحاوي الكبير 9/506، المغني 7/72.
([3]) ينظر: التاج والإكليل 3/444، مواهب الجليل 3/446.
([4]) ينظر: الحاوي الكبير 9/506 .
([5]) ينظر: البحر الرائق 3/343، حاشية ابن عابدين 3/27.
([6]) ينظر: المبسوط 19/124، البحر الرائق 3/343 ، مواهب الجليل 4/96-97 .
– نوازل فقه الأسرة للأقليات المسلمة في غير النكاح، منال بنت محمد الدغيم، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص175 – 188.
– الشرح الممتع، الشيخ محمد بن عثيمين 12/187 .
– اشتراط المرأة جعل عصمة النكاح بيدها، دراسة فقهية . د. فهد بن عبدالعزيز الداود units.imamu.edu.sa
– موقع إسلام ويب، مركز الفتوى (110758) (129021) (111122) (236398) fatwa.islamweb.net
– موقع الإسلام سؤال وجواب، (151276) islamqa.info.
– فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (5245) (17883). alifta.com
– موقع طريق الإسلام، فتوى العصمة الزوجية إذا كانت بيد المرأة، خالد عبدالمنعم الرفاعي. or.islamway.net
– الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، العصمة في يد الزوجة. binbaz.org.sa
– موقع وفاء لحقوق المرأة، المرأة واشتراط العصمة، شريف عبدالعزيز. wafa.com.sa
– موقع إسلام أون لاين – فتوى fatwa.islamonline.net
– موقع أون إسلام www.onislam.net
– صحيفة الحياة 1/2/2013 alhayat.com