قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

تفجير المسلم نفسه في حرب قائمة بين المسلمين والكفار.

مسألة رقم 226

العناوين المرادفة

1. العمليات الفدائية.
2. العمليات التفجيرية.
3. العمليات الانتحارية.
4. الهجمات الانتحارية.
5. التفجيرات الانتحارية.
6. العمليات الاستشهادية.

صورة المسألة

إذا كان المسلمون في حرب مع الكفار هل يجوز لهم استهدافهم بالانتحاريين كوسيلة لقتل مجموعة واسعة من أعدائهم، وزرع الرعب في نفوسهم والنكاية بهم أم أن ذلك لا يجوز؟
وبعبارة أخرى: هل تعد هذه العمليات في حال الحرب مع الكفار انتحارية أم استشهادية؟

حكم المسألة

أولا: تحرير محل النزاع

لا خلاف بين الفقهاء أن المجاهد يجوز له اقتحام صفوف المشركين والانغماس فيهم، وإن غلب على ظنه أنه يُقتل؛ لأنه أدعى في إثبات القوة، وأشد في إرهاب العدو وكسر شوكته، والفوز بالشهادة، كما ثبت ذلك في السنة، وعمل به آحاد الصحابة في مناسبات الجهاد.

ثانيا: اختلفوا في حكم تفجير النفس باستهداف الأعداء في حال الحرب على اتجاهين:

الأول: لا يجوز استهداف الأعداء في حال الحرب بالعمليات الانتحارية، وبهذا صدر فتوى دار الإفتاء المصرية، وأفتى به جماعة من علماء الأردن، وسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، وابن عثيمين، وسماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ والألباني، وغيرهم.

الثاني: يجوز استهداف العدو بالعمليات الانتحارية، وبه أفتى ابن جبرين، وابن منيع، وأبو إسحاق الحويني، وبعض الباحثين، إلا أن بعضهم: اشترط أن يكون ذلك تحت جهة مسؤولة، وأن يكون ذلك طريقا وحيدا للنكاية بالعدو.

دليل الاتجاه الأول:

استدل أصحاب الاتجاه الأول – القائلون بتحريم العمليات الانتحارية – بعموم الأدلة الدالة على تحريم الانتحار، والنظر إلى المفاسد والمآلات المترتبة عليها؛ ومن جملتها:

  1. قوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29].
  2. وقوله : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195].
  3. وقوله – عليه الصلاة والسلام – : (ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة) [أخرجه البخاري برقم: (6047) 8/15].
  4. وقوله: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) [أخرجه البخاري برقم: (5778) 7/139، ومسلم برقم: (175) 1/103].

وجه الدلالة: أن هذه الأدلة عامة فيدخل فيها العمليات الانتحارية في حال الحرب.

ونوقشت الأدلة السابقة: أن الآية والحديثين وردت مطلقة، وجاء تقييده في الآية الثانية: (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ) [النساء:30]

فدل ذلك على أن العلة في النهي التعدي، ومن ثم يكون من يفجّر نفسه مع الأعداء لغرض الشهادة والنكاية بهم غير متعد بدلالة مفهوم العلة.

  1. وقوله:(وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ) [آل عمران:140].

وجه الدلالة: أن الشهادة اصطفاء من الله تعالى، ومن ثم يجب على المجاهد أن لا يبادر بقتل نفسه مع الأعداء، ليكون نيله للشهادة باصطفاء من الله تعالى واختيار ذلك له.

ونوقش: أنه لا يلزم من كونه اصطفاء من الله تعالى أن تكون العمليات الاستشهادية خارجة عن اختيار الله تعالى، كما أن المقتول في الجهاد تفوته الشهادة بسبب الخلل في إخلاصه؛ وبالتالي فلا تلازم بين اصطفاء الله تعالى وبين حصول القتل من غيره.

  1. ولأن الجهاد في سبيل الله – تعالى – يقصد به إعلاء كلمة الله، والذب عن حياض المسلمين، والمنتحر يدمر نفسه، ويفقد الأمة عضوا من أعضاء المسلمين.
  2. ولأن العمليات الانتحارية – بالنظر إلى الواقع – يترتب عليها تضييق على المسلمين وإلحاق الضرر بهم بما هو أشنع، والقاعدة الشرعية: أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.

دليل الاتجاه الثاني:

استدل أصحاب الاتجاه الثاني – القائلون بجواز العمليات الانتحارية بجملة من الأدلة، أبرزها ما يأتي:

  1. قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة:111].
  2. ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [البقرة:207].

وجه الدلالة: أن من باع نفسه لله تعالى بذلها بتفجير نفسه وسط الأعداء لإرهابهم والتنكيل بهم؛ وبالتالي لا فرق بين أن يلقى الموت من عدوه برصاصة في صدره، أو يموت بحزام ينسف به الأعداء.

يؤيده أن المسلمين الأوائل كان بعضهم يدخل في صفوف المشركين في الجهاد فيعلم أنه سيقتَل فيقاتلهم حتى يقتَل، كما فعل ذلك خباب والبراء وغيرهما من الصحابة – رضي الله عنهم – في بعض غزواتهم مع المشركين.

ونوقش من وجهين:

الأول: أن الآية فيها إسناد القتل إلى غير المقتول في قوله: “فيُقتَلون” والعمليات الانتحارية يكون المنتحر فيها قاتلا لنفسه؛ وبالتالي فلا تستقيم دلالتها في صورة النزاع.

الثاني: أنه معارض بالأدلة الدالة على تحريم الانتحار، ومن أخصها بصورة النزاع: قصة الرجل الذي جاهد مع النبي – ﷺ– في بعض غزواته، فاستعجل الموت – لما جرح جرحا شديدا – فقتل نفسه، وذكر النبي – ﷺ- أنه من أهل النار. متفق عليه. [أخرجه البخاري برقم: (2829) 4/37، ومسلم برقم: (179) 1/106].

  1. وقوله:(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) [الأنفال:60]

وجه الدلالة: أن العمليات الاستشهادية من جنس ما يحقق تخويفَ الأعداء، وزرع الرعب في نفوسهم؛ فيكون ذلك داخلا في عموم الآية.

ونوقش: أن إرهاب أعداء الله في القتال مطلوب إذا لم يؤد إلى محظور شرعي، والعمليات التفجيرية تنافي ما ثبت بالأدلة القاطعة في تحريم الانتحار، وضرورة مواجهة العدو حتى الموت.

  1. القياس على الانغماس الجائز، وتحرير القياس: أن الانغماس في العدو بقصد النكابة به مع غلبة الظن على هلاك النفس جائز بالاتفاق؛ فكذا الحال في تفجير النفس في وسط العدو نكاية به، وبثا للرعب في قلوبهم.

وربما عبروا عنه بطريق العموم، وهو: أن العمليات الاستشهادية من جنس الانغماس في العدو بغرض التنكيل به وتعريض النفس للقتل؛ وذلك مما وردت به الأحاديث، وعمل به الصحابة فيما ثبت عنهم من الآثار؛ ومن جملتها:

  • حديث معاذ بن عفراء حين قال: يا رسول الله , ما يضحك الرب من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسرا قال: وألقى درعا كانت عليه فقاتل حتى قتل” [رواه ابن شيبة في مصنفه برقم: (29499) 4/223].
  • قصة البراء بن عازب – رضي الله عنه – في حرب المرتدين في موقعة اليمامة حينما اختبؤوا داخل حديقة فقال: “يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة، فاحتملوه فوق الجحف ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم من فوق سورها، فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من حيطانها وأبوابها يقتلون من فيها من المرتدة من أهل اليمامة…” [البداية والنهاية لابن كثير 6/357].

وجه الدلالة: أن البراء – رضي الله عنه – ألقى بنفسه في التهلكة، فدل ذلك على جواز تفجير النفس مع الأعداء بقصد النكاية بهم، ونيل درجة الشهادة في سبيل الله.

ج. قصة أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – لما كان بحضرة العدو، وذكر قول النبي – ﷺ- : “الجنة تحت ظلال السيوف”. فقام رجل رث الهيئة، فقال: يا أبا موسى، أنت سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول هذا؟ قال: اللهم نعم. قال: فرجع إلى أصحابه فسلم عليهم، ثم كسر جفن سيفه وشد على العدو، ثم قاتل حتى قتل”. [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم: (17922) 9/77].

ونوقش: بالفرق بين الانغماس في العدو وبين العمليات الانتحارية؛ لأن الانغماس لا يؤدي إلى الموت على سبيل القطع، والمنغمس لم يقتل نفسه؛ بخلاف العمليات الانتحارية.

  1. قصة أصحاب الأخدود: وفيها أن الغلام أرشد الملك إلى كيفية قتله بقوله: “إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به…قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، قل: باسم الله رب الغلام، ثم ارمني ” [أخرجه مسلم برقم: (3005) 8/15].

وجه الدلالة: أنه بيّن للملك الطريقة التي تؤدي إلى قتله يقينا من أجل نصرة الدين؛ فكان ذلك أصلا في جواز استهداف العدو بتفجير النفس لكسر شوكته وإعلاء كلمة الله.

ونوقش من وجوه:

الأول: أن الغلام لم يباشر قتل نفسه بيده؛ لأن توجيه الملك الكافر إلى طريقة قتله لا يخرجه عن كونه قاتلا له، والقاعدة: أن المباشرة تقطع حكم التسبب في الجناية، ومن ثم ينسب القتل إليه.

الثاني: أن القتل الحاصل للغلام – على تقدير كونه ناشئا منه – يحقق مصلحة الإسلام، ويؤدي إلى سلامة الناس، بخلاف العمليات الانتحارية فإنها تؤدي إلى نتائج عكسية.

الثالث: أن الاستدلال بهذه القصة في جواز العمليات الانتحارية استدلال بشرع من قبلنا، وقد دل شرعنا على تحريم الانتحار، فيكون مما اتفق على سقوط حجيته في شرعنا.

  1. ولقوله – صلى الله عليه وسلم – : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…) [أخرجه البخاري برقم: (1) 1/6].

وجه الدلالة: أن المقدِم على العمليات التفجيرية بذل نفسه بنية الجهاد في سبيل الله، فيدخل بهذه النية من الشهداء.

ونوقش: أن وجود نية الجهاد في سبيل الله تعالى بالعمليات التفجيرية لا تكفي بمجردها في تبرير المشروعية، ولا بد أن تنضاف إليها مشروعية الفعل ليتحقق به شرطا اعتبار العمل عند الشارع.

المراجع

1. (التقاتل بين المسلمين باسم الجهاد) (www.feqhweb.com).
2. حكم العمليات الاستشهادية، د. أحمد نجيب على الرابط:
(https://saaid.net/doat)
3. البداية والنهاية لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت774هـ).
4. دار الإفتاء المصرية: (www.dar-alifta.org) فتوى رقم: (3389).
5. دائرة الإفتاء العام الأردنية (www.aliftaa.jo) (بيان في تحريم الانتحار).
6. الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء(www.alifta.net) قرار رقم:(148).
7. شبكة الدفاع عن السنة (sunnah.net/forum).
8. العمليات الانتحارية وصلتها بالاستشهاد إعداد: خالد بن عبدالعزيز الفواز، ماجستير بجامعة نايف العربية العربية عام : 2009م.
9. مجمع الفقه الإسلامي (www.iifi.org) قرار رقم: (207).
10. مقطع: (https://www.youtube.com/watch?v=G-8XXrK75BE).
11. مقطع:(https://www.youtube.com/watch?v=K_dXBRxn)
12. موقع الشيخ عبدالكريم الخضير(ar.islamway.net) فتوى رقم:(8321).
13. موقع سؤال وجواب (islamqa.info) فتوى رقم: (217995).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى