قسم الأسرةباب الطلاق

تطليق القاضي غير المسلم

المسألة رقم 119

العناوين المرادفة

مدى الاعتداد بطلاق المحاكم غير الإسلامية.

صورة المسألة

إن اضطرت المرأة لطلب الطلاق من زوجها لسبب معتبر شرعاً، وامتنع الزوج من تطليقها، فهل لها أن تتحاكم إلى المحاكم المدنية في بلاد الكفر لتحصل على وثيقة الطلاق؟ وهل يقع الطلاق قانوناً وشرعاً؟
وكذا لو كان الأمر في البلاد الإسلامية وكانت المحاكم الشرعية لا تختص بمسائل الأحوال الشخصية إذا كان أحد الطرفين غير مسلم إلا بموافقة الطرفين، ففي هذه الحالة قد ينظر قاض غير مسلم في مسألة من مسائل التفريق والطلاق ويوقعها على مسلم فهل حكمها نافذ؟

حكم المسألة

اتفق الفقهاء السابقون – رحمهم الله – على تحريم التحاكم لغير المسلمين وعلى اشتراط الإسلام في القاضي([1])، وبالتالي عدم وقوع الطلاق الصادر من القاضي غير المسلم.

 

وأما المعاصرون فلهم اتجاهان في هذه المسألة:

الاتجاه الأول:

عدم وقوع الطلاق الصادر من القاضي غير المسلم، وهذا ما ذهب إليه عامة المعاصرين، وصدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا وعليه الفتوى في دائرة الإفتاء بالمملكة الأردنية وموقع الإسلام سؤال وجواب، وموقع إسلام ويب، وفتوى شيخ الأزهر، ونص عليه كثير من الباحثين.

الأدلة على ذلك:

1- قول الله – عز وجل– : ( وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا١٤١) [النساء:141].

وجه الدلالة: أن القضاء نوع ولاية، ولا ولاية لكافر على مسلم.

2- قول الله تعالى: ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)) [المائدة]. وفي الآية التالية: ( فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥) ) [المائدة] وفي الآية الأخرى: ( فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧)) [المائدة].

وجه الدلالة: ذم الله من يحتكم إلى غير الله تعالى، فوصفه بالكفر والظلم والفسوق ومن التحاكم إلى غير الله الرجوع إلى المحاكم الوضعية المدنية في أحكام الأسرة.

3- قول الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) ) [النساء].

وجه الدلالة: دلت الآية على وجوب أن يكون ولاة الأمر من المؤمنين ومن ذلك القضاة، إذ لهم نوع ولاية.

وإن فعلت المرأة ورفعت خصومتها للقاضي غير المسلم، فينظر في حال الزوج فإن تلفظ بالطلاق أو كتبه بنية الطلاق وقع تطليق الزوج لحكم القاضي وانبنت عليه أحكام الطلاق من حين طلاقه، وأما لو لم يفعل بل حكمت المحكمة بالطلاق وأصدر القاضي بذلك صكاً فإن تطليق القاضي الكافر لا يقع، وعلى الزوجين إحالة خصومتهما لمحامٍ أو محكم مسلم إن سرح النظام بهذا أو رفع خصومتهما للمراكز الإسلامية أو الهيئات الإسلامية المعتبرة والعمل بحكمها، والاقتصار على التوثيق عند الجهات غير الشرعية، لحفظ الحقوق وضمانها بعد الاحتكام للجهات الشرعية.

 

الاتجاه الثاني:

وقوع الطلاق الصادر من القاضي غير المسلم، كما جاء هذا في قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، وقال به بعض الباحثين.

ودليلهم:

1- أن المسلم الذي أجرى عقد زواجه وفق القانون غير الإسلامي قد رضي ضمناً بنتائجه، ومنها أن هذا العقد لا يحل عروته إلا القاضي، وهو ما يمكن اعتباره تفويضاً من الزوج جائزاً له شرعاً عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك.

نوقش:

أ- بأن الأعم لا إشعار له بالأخص، وأن الناكح قد يكون ذاهلاً وغافلاً عن مسألة الطلاق.

ب- أن كل ما احتاج إلى إذن فإنه يحتاج إلى صريحه، فلا يكون عاقد النكاح موكلاً في الطلاق لعدم تصريحه بذلك.

 

2- أن تنفيذ أحكام القضاء ولو كان غير إسلامي جائز من باب جلب المصالح ودفع المفاسد، وحسماً للفوضى، والضرورة داعية لذلك.

نوقش: من وجهين:

1- أن المصالح المذكورة تعارضها مفسدة كبيرة في الدين وهي الخضوع لغير شرع الله!

2- أن الضرورة غير متحققة فللزوجة أن تطلب الترافع إلى محكم مسلم عن طريق المحاكم غير الإسلامية، أو بالترافع إلى المراكز الإسلامية فلم يتعين الترافع إلى القاضي غير المسلم طريقاً لرفع الضرر.

3- على الزوج أن يُضمن عقد النكاح شرط التحكيم عند النزاع للمحاكم الإسلامية إذا كانت الزوجة غير مسلمة.

 

الملاحق:

أولاً : المجمع الفقهي الإسلامي:

جاء في قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة في القرار الثالث: مشروعية قيام المراكز الإسلامية وما في حكمها بتطليق زوجات المسلمين اللاتي ترافعن إليها أو النظر في ذلك ممن حصلن على الطلاق من محاكم غير إسلامية، وفيه:

ثانياً: التأكيد على أن المصلحة تستدعي تضمين عقود الزواج شرط التحكيم عند النزاع وفق أحكام الشريعة الإسلامية.

ثالثاً: عند حصول إنهاء الزواج لدى المحاكم المدنية في تلك البلاد، فعلى الزوجين مراجعة المراكز الإسلامية المعتمدة لاتخاذ اللازم حسب الأصول الإسلامية.

رابعاً: إذا كانت إجراءات التفريق بين الزوجين المدنية تسمح بتحويل القضية إلى المركز الإسلامي، أو محام مسلم، أو محكم يفصل في النزاع فإن الواجب قبول هذا التحويل والحرص عليه.

 

ثانياً : مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:

جاء في نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا على:

“أنه يرخص في اللجوء للقضاء الوضعي عندما يتعين سبيلاً لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه”.

وجاء فيه: “المحور السابع: مدى الاعتداد بالطلاق المدني الذي تجريه المحاكم خارج ديار الإسلام:

بيان القرار أنه إذا طلق الرجل زوجته طلاقاً شرعياً فلا حرج في توثيقه أمام المحاكم الوضعية، أما إذا تنازع الزوجان حول الطلاق فإن المراكز الإسلامية تقوم مقام القضاء الشرعي عند انعدامه بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة.

وأن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني، فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم لإتمام الأمر من الناحية الشرعية، والوجه للاحتجاج بالضرورة في هذه الحالة لتوافر المراكز الإسلامية وسهولة الرجوع إليها في مختلف المناطق”أ.هـ

 

ثالثاً : المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.

وجاء في قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث (القرار 5/3):

“الأصل أن المسلم لا يرجع في قضائه إلا إلى قاضٍ مسلم أو من يقوم مقامه، غير أنه بسبب غياب قضاء إسلامي حتى الآن يتحاكم إليه المسلمون في غير البلاد الإسلامية، فإنه يتعين على المسلم الذي أجرى عقد زواجه وفق هذا القانون غير الإسلامي، فقد رضي ضمناً بنتائجه، ومنها أن هذا العقد لا يحل عروته إلا القاضي، وهو ما يمكن اعتباره تفويضاً من الزوج جائزاً له شرعاً عند الجمهور، ولو لم يصرح بذلك، لأن القاعدة الفقهية تقول:

المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وتنفيذ أحكام القضاء ولو كان غير إسلامي جائز من باب جلب المصالح ودفع المفاسد وحسماً للفوضى، كما أفاده غير واحد من حذاق العلماء كالعز بن عبدالسلام وابن تيمية والشاطبي”.


([1]) ينظر: بدائع الصنائع 7/3، فتح القدير 7/253، التاج والإكليل 6/87، شرح الخرشي 7/138، روضة الطالبين 11/96، مغني المحتاج 4/374، الفروع 6/374، شرح الزركشي 3/366.

المراجع

– نوازل فقه الأسرة للأقليات المسلمة في غير النكاح، منال بنت محمد الدغيم، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة الإمام، العام الجامعي 1432 – 1433هـ، ص193 – 206.
– قرارات المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، في دورته العادية الخامسة، المنعقدة بدبلن في الفترة من 3 محرم – 3 صفر 1421هـ الموافق 4 – 7 مايو 2000م، القرار (5/3). موقع المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث. e-cfr.org
– حجية الأحكام الصادرة على المسلمين في الدول غير الإسلامية، القاضي د. أشرف يحيى العمري (موقع المحامي مصطفى فراج. farrajlawyer.com
– موقع الإسلام سؤال وجواب (127179). islamqa.info
– قرارات مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، المنعقد بكوبنهاجن – الدنمارك، مع الرابطة الإسلامية في الفترة 4 – 7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425هـ الموافق 22 – 25 من يونيو لعام 2004م.
– موقع إسلام ويب، مركز الفتوى (293431) (194467) (118587) fatwa.islamweb.net
– فتاوى الصاوي، أ.د صلاح الصاوي، تطليق قاضي غير مسلم امرأة من زوجها المسلم (30 يناير 2012م). fatawaalawy.com
– قرارات الدورة التاسعة عشرة لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة المقامة 22 – 27 شوال 1428هـ.
– دائرة الإفتاء العام، المملكة الأردنية الهاشمية (حكم الطلاق الصادر من المحكمة الأجنبية)، رقم الفتوى (708). aliftaa.jo
– سلسلة مقالات: شروط القاضي بين الحاضر والماضي، د. ناصر بن زيد بن داود، جريدة الاقتصادية الإلكترونية، العدد (4995) الأحد 6 مايو 2007م. www.aleqt.com
– حكم تطليق القاضي غير المسلم، فيصل مولوي، المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، موقع رسالة الإسلام main.islammessage.com
– الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع، طلاق القاضي غير المسلم. al-manee.com
– الموقع الرسمي للعلامة عبدالله بن بيه، قيام جماعة المسلمين مقام القاضي. binbayyah.net

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى