جراحة تحديد الجنس
الجراحة الكشفية.
تصحيح الجنس: إجراء عملية لتحديد جنس الخنثى، وهو الذي لا يخلص لذكر ولا أنثى، أو الذي له ما للرجال والنساء جميعًا، والجمع خناثى وخناث، وأصل الانخثاث: التثني والتكسر( )، ولول أنه اصطلاح لكانت التسمية بخلاف هذا أولى؛ لأن التصحيح يشعر بوجود خطأ، وليس الأمر كذلك، ولكنه علاج جنس الخنثى.
تعريف الخنثى في الفقه:
عرف الفقهاء الخنثى بتعاريف عديدة منها: أنه من كان له ذكر وفرج امرأة، أو من لم يكن له ذكر ولا فرج( ).
والخنثى عند الفقهاء على نوعين:
أحدهما: الخنثى المشكل: وهو الذي لا يمكن معرفة جنسه بشيء من العلامات.
والثاني: الخنثى غير المشكل: وهو ما تبين فيه علامات الذكورة أو الأنوثة، ويعتبر بمباله -أي موضع بوله- في الصغر، فإن بال من حيث يبول الرجال فهو رجل وإن كان يبول من موضع بول المرأة فهو امرأة، وإذا كبر اعتبر بعلامات البلوغ كإنبات اللحية، والحيض وغيرها.
وعند الأطباء المعاصرين أن الخنثى على نوعين:
النوع الأول: الخنثى الكاذبة (PseudeHermaphrodite)
وهي التي تكون غدتها التناسلية إما مبيضًا أو خصية ولا تجتمع معًا، ولكن تكون الأعضاء التناسلية الظاهرة غامضة، وكثيرًا ما تكون على خلاف الغدة التناسلية فمثلًا إذا كانت الغدة مبيضًا تكون الأعضاء الظاهرية ذكرية على هيئة قضيب.
النوع الثاني: الخنثى الحقيقية (True Hermaohrodite)
وهي التي يجتمع فيها مبيض وخصية معًا، وهي حالات نادرة جدًا.
والتفصيل في تحديد نوعي الخنثى كالتالي:
أولا: علاج الخنثى الكاذبة
وهذا النوع من الخنثى إما أن يكون ذكرًا وإما أن يكون أنثى على النحو الآتي:
(1)الخنثى الأنثى الكاذبة:
وهذا غالب الأنواع من الخنثى الكاذبة، حيث تكون هذه الخنثى في حقيقتها أنثى، ولكن مظهرها الخارجي يبدو كالذكر، فيكون البظر متضحًابأنه قضيب، وهذا الخنثى يملك جميع الأعضاء التناسلية الأنثوية، لكنها مختفية داخل الجسم، ويمكن إظهار هذه الأعضاء الأنثوية بعملية تصحيحية مع تصغير المتضخم من الأعضاء،وتستدعي هذه العملية إجراء بعض الفحوصات الطبية المهمة قبل إجراء العملية مثل فحص الجينات وإجراء بعض التحاليل والأشعة الصوتية للتحقق من الجنس.
(2) الخنثى الذكرية الكاذبة:
وهذا النوع قليل الحدوث مقارنة بالنوع السابق، وفيه تكون الخنثى أنثى في مظهرها الخارجي وبعد الفحوصات يتبين أنها تمتلك خصيتين مما يدل على أن حقيقتها ذكر.
هذا النوع من التصحيح بالعمليات الجراحية جائز شرعًا، وقد صدر به فتوى عن دار الإفتاء المصرية، وأفتى به بعض المعاصرين ومما يدل على الجواز ما يأتي:
- عموم أدلة جواز التداوي والمعالجة بالجراحة وغيرها؛لإزالة العيوب والتشوهات الحاصلة في الجسم، وما يحصل من تصحيح للجنس فهو من هذا الباب، لا من باب تغيير خلق الله تعالى.
- أن بقاء الخنثى الكاذبة على حالتها فيه ضرر معنوي ظاهر؛ لأنها قد تكون رجلًا في الحقيقة لكن لها بعض أعضاء الأنثى الظاهرة، فتعامل على أنها أنثى، وفي ذلك من المعاناة النفسية والضرر ما لا يخفى، وفي عملية تصحيح الجنس إزالة لهذا الضرر.
- أن الشريعة كلفت كلًا من الذكر والأنثى بواجبات تختلف باختلاف الجنس، فيجب على الذكر مالا يجب على الأنثى، والعكس كذلك، ففي بقاء الخنثى على حالها تفويت لهذه الواجبات، ويقال مثل ذلك في الحقوق المترتبة على كل منهما، والتي يختلف فيها الذكر عن الأنثى.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى وجوب علاج الخنثى الأنثى الكاذبة خاصة، وهي التي تكون أعضاؤها الداخلية وصيغتها الصبغية أنثى، لكن مظهرها الخارجي يوهم أنها ذكر؛لكبر البظر، فيجرى لها عملية تصغير البظر، وتصحح الأعضاء الجنسية؛لتعود كالمرأة الطبيعية، ومما يدل على الوجوب –عند القائلين به-ما يلي:
- أن بقاءها دون تصحيح يلزم منه معاملتها كالرجل ولذلك لوازم كثيرة منها:
- أ. أنها ستكلف بواجبات لا تجب على النساء، كالجهاد والجمع والجماعات.
- ب. أنها ستمنح حقوق الرجل كما في الإرث والإمامة مع أنها امرأة وليس لها ذلك شرعًا.
- ج. التعامل معها في الاختلاط والخلوة ونحوها، وهذا يفضي إلى مفاسد كثيرة.
- أن بقاء هذه الخنثى ذكرًا يفضي إلى عدم قيامه بوظيفته الجنسية، فضلاً عن إصابته بالعقم وما يتبع ذلك من أضرار نفسية، وفي تصحيح الجنس؛لتصبح امرأة تمكين لها من الزواج والإنجاب، ومن المعلوم أن الاستمتاع وتحصيل الولد من أعظم مصالح النكاح، ولا يتم ذلك إلا بتصحيح جنس الخنثى لتكون امرأة، ففي هذه العملية تحصيل مصالح أعظم ودفع مفاسد أكثر، والشرع قد جاء بتحصيل المصالح ودفع المفاسد.
ثانيا: علاج الخنثى الحقيقية
يقصد بالخنثى الحقيقية عند الأطباء-كما تقدم-: ما يشتمل على المبيض والخصية. وهي في الواقع نادرة الحدوث.
ولا يقصد بها الخنثى المشكل عند الفقهاء السابقين بل هو أخص منه؛ إذ أن ما كان يعد مشكلًا عندهم قد يكون واضحًا عند الأطباء في هذا العصر بسبب التقدم الطبي.
أما تصحيح جنس الخنثى الحقيقي فيعد من المسائل المستجدة في هذا العصر، ولم يتناوله البحث الفقهي المعاصر إلا قليلًا بسبب ندرة الحالات الواقعة.
وقد صدر من بعض الجهات العلمية الشرعية ما يدل على جواز علاج هذه الحالات بالعمليات الجراحية الطبية لإظهار حقيقة الجنس وهو ما صدر عن المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة، والمنعقدة في مكة المكرمة، وصدر به قرار المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وأفتى به بعض العلماء المعاصرين.
فقد جاء في قرار المجمع الفقهي للرابطة ما نصه ” أما من اجتمعت في أعضائه علامات النساء والرجال فينظر إلى الغالب من حاله، فإن غلبت عليه الذكورة جاز علاجه طبيًا بما يزيل الاشتباه في ذكورته، ومن غلبت عليه علامات الأنوثة جاز علاجه طبيًا بما يزيل الاشتباه في أنوثته، سواءً أكان العلاج بالجراحة أم بالهرمونات.
من الأدلة على الجواز:
- أن الله خلق الناس وجبلهم على جنسين (الذكر والأنثى)، وليس ثمة جنس ثالث قال تعالى (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (39)) (سورة القيامة39:38)
وهذا يعني أن الخنثى إما أن يكون ذكرًا أو أنثى، لكن حصل له تشوه خلقي ففي عملية تصحيح الجنس تحقيق لجنسه وإزالة للتشوهالحاصل له.
- أن إبقائه على حاله فيه تعطيل لكثير من الأحكام المتعلقة به، فإنه يعامل بالاحتياط فقها، وكثير ما يأخذ أحكام الأنثى، وفي عملية تصحيح الجنس كشف لحقيقة جنسه، وإعطائه الحقوق الخاصة به دون بخس أو زيادة.
- أن إبقاء الخنثى على حاله يعد إبقاءً لعيب فيه ونقصًا في أهليته، كما أن وجود الخنوثة ضرر حسي، فهي عاهة وتشوه، وإزالتها مشروعة؛ لأنها نوع من العلاج وليست من تغيير الخلق المنهي عنه في النصوص الشرعية.
شروط جواز عمليات تصحيح الجنس للخنثى (بنوعيها الحقيقية والكاذبة)
بالإضافة إلى شروط جراحة التجميل المذكورة في مسألة (التجميل الجراحي)فإنه يشترط لجواز عمليات تصحيح الجنس للخنثى ما يلي:
- التحقق من وجود الخنوثة، فقد تتشوه بعض الأعضاء الجنسية، لكن ليس هناك خفاء في الجنس فلا تجوز عملية التصحيح حينئذ، لما في ذلك من المحاذير ككشف العورات والتخدير.
- أن تكون الجراحة أو العملية هي الوسيلة الوحيدة لعلاج الخنثى، فإن أمكن العلاج بدونها كالعلاج بالهرمونات، لم تجز العملية.
- أن يغلب على الظن نجاح العملية الجراحية.
- رضا الخنثى بإجراء العملية الجراحية أو رضا وليه إن كان قاصرًا، فإن أبى فهل يجوز إجباره على العملية؟
ذهب بعض المعاصرين إلى الجواز في حالات خاصة، كما لو كانت حالة الخنثى كاذبة وجنسها معروف طبيًا، لكن صاحبها يصر على البقاء على جنسه الظاهر؛رغبة في الحصول على بعض الحقوق التي لا تحل لجنسه الحقيقي.
1. المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، د. محمد عبدالجواد النتشة، إصدار مجلة الحكمة، بريطانيا، ط.1 1422.
2. الجراحة التجميلية، عرض طبي، دراسة فقهية مفصّلة، د. صالح بن محمد الفوزان، دار التدمرية، الرياض.
3. الطبيب أدبه وفقهه، د. زهير السباعي، ود. محمد علي البار، دار القلم، بيروت، الدار الشامية، بيروت، ط.2، 1418.
4. الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، دار النفائس، بيروت، ط.1، 1422.
5. جراحات الذكورة والأنوثة في ضوء الطب والفقه الإسلامي، لمحمد شافعي مفتاح بوشيه، رسالة ماجستير، الناشر: دار الفلاح، مصر.
6. ندوة: الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية المعاصرة، المنعقدة يوم السبت 20/8/ 1407، ط: المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، 1407.