قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

تزوير تاريخ الأدوية والعقاقير

مسألة رقم 34

صورة المسألة

تزوير تاريخ الأدوية والعقاقير يقصد به: التغيير والتحريف في الأرقام القديمة والبيانات المدونة على العقار الطبي، والتي تثبت انتهاء مدة صلاحيته للاستعمال، واستبدالها بأرقام جديدة؛ ليتأتى تسويقه مرة أخرى.
التزوير في الأدوية والعقاقير على صور متعددة، منها:
• التزوير في الأرقام والبيانات الظاهرة.
• التزوير في اسم البلد المنتج للعقار.
• التزوير في العلامة التجارية.
• التزوير في بيانات عناصر التركيب ومقاديرها.
• خلط المنتج الطبي بمنتجات أخرى.
• إنقاص جزء من العناصر التي تدخل في تركيب العقار.
• استحداث منتج شبيه جداً من حيث الشكل بالمنتج الأصلي.

حكم المسألة

هذا الفعل لا شك في تحريمه، واعتبار فاعله جان يستحق العقاب؛ فهو جامع بين التزوير والكذب المحرمين شرعاً، وأكل أموال الناس بالباطل، والحصول على المكاسب غير المشروعة، والإضرار بمصالح المجتمع الاقتصادية، حيث يصرف الناس أموالهم في أدوية فاسدة ضررها غالبٌ على نفعها، وإن كان هذا الضرر قد لا يظهر في حينه.

ثم إن الدواء إنما أبيح تناوله؛ لتُستجلب به الصحة، ويُستدفع به السقم والألم، فإن أضر بصحة المستهلك وسلامة بدنه، وتسبب في تعريض الأنفس للتلف والأرواح للخطر، فالمتاجرة به ضرب من ضروب الجريمة المنظمة؛ إذ لا تعدو المتاجرة به حينئذ المتاجرة بغيره من السموم والخبائث المحرمة لضررها.

وإذا كانت الصور المذكورة صور تغيير وتشويه تحدث بفعل الإنسان، فإن هناك صوراً ترجع إلى أسباب خارجة عن إرادة الإنسان، ومن ثم لا يمكن اعتبارها جريمة تزوير وغش يعاقب عليها، كما لو فسد العقار من تلقاء نفسه، أو لسوء نقله وتخزينه، لكن إن عرض الصيدلي العقار للبيع مع علمه بفساده فيعاقب على جريمة عرض العقار للبيع مع العلم بفساده لا بجريمة التزوير.

وحالات التزوير في الأدوية والعقاقير الطبية لا تصح المعاقبة عليها إلا عند عرضها للبيع مع العلم بكونها مغشوشة أو مسمومة أو فاسدة، أو مقلدة، وأما ما قبل ذلك فلا؛ إذ الضرر المترتب عليها لا يحصل إلا بعد عرضها للبيع فوجب ترتيب العقوبة عليه.

وتقع المسؤولية الجنائية هنا؛ لأن التزوير والغش في الصور يفترض أن يكون بسبب تدخل البشر، سواء أكانوا أشخاصاً حقيقيين؛ كالأطباء والصيادلة والموزعين، أو معنويين؛ كمصانع وشركات إنتاج الأدوية الطبية والمؤسسات التجارية أو الصناعية.

وإذا تقرر أن التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات كما ذكر، فإن التحريف المفتعل في البيانات والأرقام والأوزان والنسب الموجودة في الملصق على ظاهر المنتج الطبي بالطمس أو الحك أو التغيير أو التبديل أو الإزالة يعني فقهاً وقوع عملية تزوير فإن تمت عمليات إضافة عناصر أخرى للعقار أو السحب من مركباته، أو الاستحداث الجزئي أو الكلي لمنتج يشابه تماماً في ظاهره المنتج الطبي الأصلي، فالعملية هنا وإن كانت داخلة أيضاً في مسمى التزوير والتزييف في معناهما اللغوي، إلا أنها من الناحية النظامية لا يطلق عليها ذلك؛ لعدم حصول عملية التحريف والتغيير في مستند أو محرر، ولذا فهذه الجريمة جريمة غش وتدليس، والعقار الطبي في هذه الخال مغشوش مدلس.

والغش جريمة عرفتها البشرية منذ القدم، ويراد به فقها: أن يوهم وجود مفقود مقصود وجوده في المبيع، أو يكتم وجود موجود مقصود فقده.

وفي نصوص النظام يراد به: كل لجوء إلى التلاعب أو المعالحة غير المشروعة، التي لا تتفق مع التنظيم، وتؤدي بطبيعتها إلى التحريف في التركيب المادي للمنتج.

والتدليس عند الفقهاء: أن يعلم البائع أن بسلعته عيباً، فيكتمه عن المشتري وقت العقد مع ذكره، وهو نوعان: الأول: فعل ما يزيد به الثمن، والثاني: كتمان العيب.

وأيّاً كان فإن الشريعة الإسلامية جاءت بتحريم الغش والتدليس، والنهي عنهما، وهذا مما اتفق عليه العلماء؛ لما جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مر ذات يوم برجل يببيع طعاماً قيل إنه تمر أو حنطة، فأعجبه، فأدخل يده فيه، فرأى بللاً، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟»، قال الرجل: أصابته السماء يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس، مَن غش فليس مني» [رواه مسلم (102)].

كما أن في الغش والتدليس ما في التزوير من المكر والحيلة؛ لأكل أموال الناس بالباطل، والتوصل إليها بغير حق، كما أن فيهما تضييعاً للأمانة، وإضراراً بصحة الناس، ومخاطرة بأرواحهم، وتغريراً بهم، وخداعاً لهم، وتطاولاً على صاحب السلعة الأصلية، والمنتج الحقيقي لها إن كان المزور أو الغاش غيره، كما يترتب عليها فقدان المبتاع ثقته بصدق البائع وسلامة السلعة.

وعليه، فكل فعل يؤثر على جودة المنتج الطبي بلا عملية تحريف مكتوب على ظاهر المنتج يصنف ضمن جرائم الغش والخداع، وهما بمعنى واحد في الجملة، باعتبار أن جريمة الغش تقع على مادة أو سلعة معدة للبيع في حين أن الخداع يقع على الشخص المتعاقد الآخر، باعتبار أن الغاية من تجريم الغش هي المحافظة على الصحة العامة، وفي حين أن الغاية من تجريم الخداع هي: ضمان سلامة العقود والاتفاقات.

 

المراجع

• نوازل الجرائم الطبية (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. أمل الدباسي (181)، فما بعدها.
• شرح جرائم الغش في بيع السلع والتدليس في المواد الغذائية والطبية، محمد بودالي(27).
• جرائم الخطأ الطبي، د. شريف الطباخ (89).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى