لو عمد من ليس من أهل الطب إلى تزوير وثيقة رسمية تثبت حصوله على الشهادة العلمية في المجال الطبي؛ ليتمكن من ممارسة مهنة الطب بالشكل المعتبر نظاماً، أو يكون التزوير ممن له علم بالطب ومصرح له بمزاولة المهنة، لكن يزور من الشهادات العلمية ما يمنحه درجة أعلى ومستوى يفوق ما هو عليه، أو يثبت له صفة طبية وظيفية غير حقيقية، وقد لا يعمد إلى تزوير شهادة علمية، لكنه يكتفي بمنح نفسه لقباً طبياً يشتهر به، وهو ما يعرف بانتحال اللقب الطبي، ومثله أيضاً: تزوير شهادات الخبرة والتفوق، وشهادات حضور الدورات التدريبية، وخطابات الشكر والتقدير، واستخدام أسلوب الدعاية والإعلان؛ كتعليق لوحة على المنشأة الطبية تصفه بالطبيب أو بدرجة علمية معينة موهومة.
سائر الوسائل الكاذبة وأفعال الزور التي تبعث على اعتقاد الناس أهلية مزاولة المهنة، أو تمنحه أمراً مادياً أو معنوياً زائداً من غير وجه حق محرمة في الشريعة الإسلامية، موجبة للعقوبة، وللمسؤولية الجنائية؛ إذ العرف لم يجر بمطالبة المريض للطبيب بمستنداته الثبوتية، أو شهاداته العلمية الدالة على أنه طبيب، أو على أنه استشاري مثلاً، فيستحق المزور المساءلة والمؤاخذة بمجرد وجود ما يدل على وصفه نفسه بصفة لا يستحقها.
وقد يدفع لممارسة جريمة تزوير الشهادة العلمية الرغبة في الحصول على الترخيص الطبي الذي يسمح بمزاولة المهنة، كما يدفع لممارسة جريمة انتحال اللقب الطبي الأعلى: الرغبة في مضاعفة الربح، أو تحصيل الشهرة، أو إثبات النجاح، أو إشعار الجمهور بقدرته على مزاولة المهنة والحذق بها، أو ما سبق مجتمعاً.
والعلة في تجريم هذا العمل هي ذات العلة في تجريم مزور الترخيص الطبي، والقول كالقول هناك.
ومن يزور الشهادات العلمية يوصف فقهياً بأنه مزور إن كان التزوير من طبيب لإثبات درجة علمية لا يستحقها، فإن كان التزوير من جاهل فهو في الوصف الفقهي مزور ومتطبب جاهل، فإن مارس ما يجهل من الطب؛ بناء على تلك الشهادة العلمية فجنى على نفس أو طرف فجنايته عمد.
أما من ينتحل الألقاب الطبية فإن كان الانتحال بناء على شهادات مزورة فالقول فيها كسابقتها، وإن كان الانتحال من غير وثائق مزورة، وبلا شهادات علمية مختلفة تثبت حصوله على اللقب، فإن كان لا علم له بالطب، وأطلق على نفسه لقباً من الألقاب عرفه الناس به كمن يطلق على نفسه مع جهله لقب (دكتور) لمجرد ممارسته التطبيب فيوصف مثل هذا في الفقه الإسلامي بالمتطبب الجاهل، وفي نصوص النظام: هو من يزاول المهنة دون ترخيص.
وإن كان من أهل الطب ولديه ترخيص بممارسة المهنة، لكنه منح نفسه لقباً لا يستحقه، وادعى مرتبة أعلى من مرتبته ادعاء مجرداً من الشهادات المفتعلة، والوثائق المزورة مما يثبت بها دعواه، فهذه الجريمة وإن اعتبرتها الشريعة الإسلامية من قول الزور، ومن باب الغش والتدليس على الآخرين فلا يمكن وصفها بكونها جريمة تزوير نظاماً، لعدم وجود الركن المادي للجريمة، وهو المحرَّر المزور، والذي نصت على اشتراطه بعض الأنظمة، ومن ذلك قولهم في تعريف التزوير: (التحريف المفتعل للحقيقة في الوقائع والبينات التي يراد إثباتها بصك أو بأي مخطوط آخر يشكل مستنداً قد ينجم عنه منفعة للنفس، أو ضرر للغير مادي أو معنوي أو اجتماعي)، ولذا تدرج هذه الجريمة الطبية إذا خلت من الوثائق والمحررات في نصوص النظام ضمن جرائم النصب والاحتيال.
وعموماً فقول الزور والنصب والاحتيال كلها ألفاظ لا تعني سوى الكذب والميل عن الحق، ولامشاحة في الاصطلاح؛ إذ العبرة في استحقاق فاعل ما سبق العقوبة التعزيرية غير المقدرة، والتي جعل تقديرها للقاضي في الشريعة الإسلامية حسب اجتهاده، وما يرى.
• جرائم النوازل الطبية (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. أمل الدباسي (170) فما بعدها.
• جرائم التزوير في المملكة العربية السعودية، د. أحمد مرعي.
• التزوير في الشهادات الطبية، د. سعاد عمير.