نزع أجهزة الإنعاش من الخديج
بعد التطور السريع والتقدم في التقنية الطبية وُجدت أجهزة تعين في المساعدة على استقرار حياة الطفل المولود قبل موعد الولادة المتوقع، والذي يغلب على الظن عدم قدرته في الاعتماد على نفسه في التنفس أو الرضاعة بصورةٍ طبيعية، وقد يعرض لهذا الإجراء اتخاذ قرارٍ من قبيل الطبيب بترك استخدام أجهزة الإنعاش لهذا الطفل الخديج، فما حكم هذا التصرف، وما الذي يترتب عليه من عقوبةٍ؟
تركيب أجهزة الإنعاش للخديج تكون على صنفين:
الأول: الخديج الذي تجاوز حمله ستة أشهر.
الثاني: الخديج الذي لم يتجاوز ستة أشهر.
أما الصنف الأول: فإن الأجهزة تعين على استمرار بقائه والحفاظ على حياته، ويمكنه الاستفادة من أجهزة الإنعاش إلى حين اكتمال نمو أعضائه، فيجب المحافظة على الحياة الموجودة فيها، ويعتبر استئثار الطبيب ومن في معناه بالبت في عدم إنعاشه جريمة طبية يسأل عنها؛ لما تقرر من ضرورة السعي في إحياء الأنفس المعصومة وصيانتها من التلف، وكون ذلك أحد أهم مقاصدها التي جاءت لتحقيقها.
أما الصنف الثاني: ففيه قولان:
القول الأول: عدم وجوب إنعاشه؛ لأن هذا الصنف لا جدوى من بقائه تحت أجهزة الإنعاش؛ لكونه في سن أقل من السن الأدنى الذي يمكن أن يعيش به المولود وحياته موهومة، فلا بأس من ترك إنعاشه إذا قرر طبيبان عدم الجدوى من إنعاشه؛ إذ لا فائدة من هذا الإجراء؛ لأن مثله لا تستمر حياته في الأعم الأغلب، ولأن هذا الترك ليس جريمة بقدر ما هو ترك لإجراء لا طائل من ورائه في شخص يحتضر، لاسيما مع ارتفاع التكاليف والنفقات التي يتطلبها الإنعاش، مما قد يؤثر سلباً على الخدمات المقدمة على بقية المرضى، بالإضافة إلى أن هذه الأجهزة تطيل معاناة الخديج وآلامه، وتلحق العنت والمشقة بوالديه جراء التردد على المستشفى لبقاء الخديج فترة زمنية تحت هذه الأجهزة بلا نتيجة تذكر، كما أن العنت يلحق بالطاقم الطبي بسبب الخدمة المكثفة والعناية المركزة بمن لا ترجى حياته من الخدج.
وقد أفتت هيئة كبار العلماء بأن إنعاش الخديج لا يجب إلا عند خروجه في مرحلة يمكنه أن يحيا فيها حياة مستقلة عن أمه، وهي مرحلة بلوغه شهره السادس فما فوق من العمر الرحمي للجنين، على اعتبار أن هذا العمر الحملي هو العمر الذي يمكن لحياة الجنين أن تستمر فيه مستقلة عن رحم الأم، وأما قبل فلا، اعتماداً على قوله تعالى: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) [الأحقاف: 15]، مع قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) [البقرة: 233]، فإذا استقر أن مدة الرضاع حولان كاملان أي (24) شهراً، فالمدة المتبقية وهي ستة أشهر هي أقل مدة يمكن أن تستمر فيها حياة الوليد، وهذا ما استقر عليه رأي الفقهاء.
وبناء على ما سبق فإن ترك إنعاش الخدج بعد الشهر الحملي السادس يعتبر جريمة طبية عمدية توصف بأنها جريمة قتل نفس، ولكنها من الجرائم السلبية أي جرائم الامتناع.
وتخرّج هذه المسألة من حيث المسؤولية الجنائية على وجوب القود على القابلة التي تتعمد ترك قطع سرة الوليد.
القول الثاني: وجوب إنعاش الخديج الذي من هذا الصنف، بناء على إلحاقه بالأحياء الكبار، وإنعاش مثل هؤلاء من إنقاذ المعصوم من الهلكة وذلك واجب.
• النوازل الفقهية في الجنايات والحدود وتطبيقاتها القضائية (بحث تكميلي في مرحلة الماجستير ـ الفقه المقارن ـ المعهد العالي للقضاء)، سعد الجلعود (162).
• أحكام النوازل في الإنجاب (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ قسم الفقه)، محمد المدحجي (1240).
• إنعاش الخديج ( دراسة فقهية تأصيلية )، د. صالح بن عبد العزيز الغليقة، منشور ضمن السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني بجامعة الإمام 1431هـ.