الصكوك: وثائق متساوية القيمة، يتم إصدارها لاستخدام حصيلتها في إنشاء مشروع، أو تطوير مشروع قائم، أو تمويل نشاط على أساس عقد من عقود المشاركة أو الوكالة، أو التوريق، ويصبح المشروع أو موجودات النشاط ملكا لحملة الصكوك في حدود حصصهم.
وتداول الصك: هو التصرف في الحق الشائع الذي يمثله الصك بالبيع أو الرهن أو الهبة أو غير ذلك من التصرفات الشرعية، فتنتقل ملكية الصك من يد إلى يد.
الصك ورقة مالية لا يقوم بنفسه، بل بما يمثله من موجودات، وهذه الموجودات قد تكون نقودا أو ديونا أو أعيانا أو منافع، ويختلف حكم التداول تبعا لاختلاف هذه الموجودات.
وبيان ذلك في الحالات التالية:
- الحال الأولى: إذا كانت موجودات الصكوك نقودا محضة: وهذا يكون عادة في فترة الاكتتاب إلى ما قبل مزاولة الشركة نشاطها، أو بعد تصفية المشروع، وتداول الصكوك هنا يخضع لأحكام الصرف لأنه مبادلة نقد بنقد، فيشترط فيه شرطا الصرف، وهما:
- التقابض في المجلس.
- التماثل إذا كان العوضان من جنس واحد: فيشترط التماثل في بين سعر البيع والقيمة الاسمية إذا كان بيع الصك بنفس العملة التي صدرها به.
وبناء عليه فإن اختلال أحد الشروط يجعل المعاملة ربوية.
- الحال الثانية: إذا كانت موجودات الصكوك ديوناً محضة: ويكون ذلك إذا استثمرت حصيلة الصكوك في بيوع الآجل أو عقود السلم (سلع مؤجلة) أو عقود التوريق، وهنا يصبح حملة الصكوك حاملوا صكوكا تمثل ديونا.
والحكم هنا عدم جواز التداول، سواء مع التماثل في القيمة أو التفاضل؛ لأن الصك يمثل مبلغا نقديا مؤجلا، وبيعه بنقد هو من باب ربا النسيئة، وفي حال كانت موجودات الصك سلعا مؤجلة فسيكون من باب السلم الذي يشترط فيه قبض رأس مال السلم في مجلس العقد، ورأس المال الذي يمثله الصك مؤجل.
- الحال الثالثة: إذا كانت موجودات الصكوك أعيانا حالة ومنافع محضة: كأن تكون في مقابل منفعة، كأجرة لبيت أو أجرة عامل ونحوه، فهنا يجوز التداول في هذه الحالة؛ لأنه بيع لما يمثله الصك من عين أو منفعة، وهذه الموجودات يجوز تداولها.
والأحكام في هذه الأحوال الثلاثة ليست مثار خلاف، وقد صدر على وفقها قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، والمعايير الشرعية، وتوصيات ندوة الصكوك الإسلامية.
- الحالة الرابعة: إذا كانت موجودات الصكوك مختلطة من نقود وديون وأعيان ومنافع:
فللفقهاء المعاصرين ثلاثة اتجاهات في حكمها:
الاتجاه الأول: العبرة بالغلبة: فإذا كان الغالب أعيانا ومنافع فإنه يجوز تداول الصكوك، أما إذا كان الغالب نقودا فتراعى في التداول أحكام بيع الدين، وإذا كان الغالب ديوناً فتراعى في التداول أحكام الصرف، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي، وتوصيات ندوة الصكوك الإسلامية.
ودليل القائلين بقاعدة الغلبة: أنه إذا كان الغالب النقد أو الدين فإن التداول حينئذ سيفضي إلى بيع النقد بالنقد، أو بيع النقد بالدين دون تحقق الضوابط الشرعية، وذلك لا يجوز.
الاتجاه الثاني: العبرة بوجود الشخصية الاعتبارية للشركة: فإذا كان للشركة المصدرة للصكوك شخصية اعتبارية جاز تداول الصكوك ولو كان الغالب في الموجود النقد أو الدين؛ لأنها حينئذ تكون تابعة للشخصية الاعتبارية، والشخصية الاعتبارية فيها حقوق معنوية ذات قيمة معتبرة، وإذا لم يكن للشركة شخصية اعتبارية فيأخذ الصك حكم الأغلب في الموجودات إصدار وتداول الأسهم والصكوك والوحدات الاستثمارية المشتملة على النقود أو الديون وضوابطها الشرعية.
وأصحاب هذا القول نظروا إلى أن المالك للصك ملكية مباشرة هي الشركة ذات الشخصية الاعتبارية، وأما حملة الصكوك فإن ملكيتهم تابعة لملكيتهم حصة شائعة في الشخصية الاعتبارية.
الاتجاه الثالث: الأخذ بمبدأ الأصالة والتبعية: فإذا كانت الأعيان هي المقصودة فالتداول يأحذ حكم بيع الأعيان، وإذا كانت النقود هي المقصودة فالتداول يأخذ حكم بيع النقد بالنقد، وإن كانت الديون هي المقصودة فالتداول يأخذ حكم بيع الديون.
والذي يحدد كون الأعيان أو النقود أو الديون هي المقصودة هو نشاط الشركة وغرضها المصرح به في نظامها الأساسي، فإذا كان نشاط الشرك في الأعيان والمنافع جاز التداول دون مراعاة أحكام الصرف والدين، وإذا كان نشاطها في الذهب والفضة والعملات جاز التداول مع مراعاة أحكام الصرف، وإذا كان نشاطها في الديون فيشترط لجواز التداول مراعاة أحكام الديون.
وهذا الاتجاه اعتمد في المعايير الشرعية، وبه صدر قرار ندوة البركة الثانية.
واستدل هؤلاء بدليلين:
الدليل الأول: حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا: (من ابتاع عبدا فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع) [أخرجه البخاري (رقم 2379)، ومسلم (رقم 1543)]، فإذا اشترطه المبتاع كان ذلك منه شراء لعين ونقد بالنقد، وقد يكون المال الذي بحوزة العبد أكثر من قيمته فيغتفر لكون النقد هنا تابعا.
الدليل الثاني: حديث فضالة بن عبيد: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم تباع، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهب بالذهب وزنا بوزن) [أخرجه مسلم (رقم 1591)].
ووجه الاستدلال: أن الذهب في الذي في القلادة مقصود للمشتري فمنع النبي صلى الله عليه وسلم من بيعه بجنسه متفاضلا بخلاف المال الذي مع العبد فإنه ليس مقصودا للمشتري فجاز شراء العبد بغض النظر عن مقدار المال الذي معه.
الملاحق:
قرار مجمع الفقه الإسلامي:
“إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخر 1408هـ الموافق6-11 شباط (فبراير)1988م، بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع سندات المقارضة وسندات الاستثمار … قرر ما يلي:
مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول: يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية، إن وجدت، بالضوابط الشرعية، وذلك وفقاً لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة، وفقاً لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه”.
هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية:
المعيار رقم (17) وفيه:
5/2 تداول الصكوك واستردادها:
1/2/5 يجوز تداول الصكوك واستردادها إذا كانت تمثل حصة شائعة في ملكية موجودات من أعيان أو منافع أو خدمات، بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط، أما قبل بدء النشاط فتراعى الضوابط الشرعية لعقد الصرف، كما تراعى أحكام الديون إذا تمت التصفية وكانت الموجودات ديونا، أو تم بيع ما تمثله الصكوك بثمن مؤجل.
2/2/5 في الصكوك القابلة للتداول يجوز أن يتعهد مصدر الصك في نشرة إصدار الصكوك، بشراء ما يعرض عليه من هذه الصكوك، بعد إتمام عملية الإصدار، بسعر السوق، ولكن لا يجوز أن يكون وعد الشراء بالقيمة الاسمية للصك.
3/2/5 يجوز تداول الصكوك بأي طريقة متعارف عليها فيما لا يخالف الشرع، مثل القيد في السجلات، أو الوسائل الإلكترونية، أو المناولة إذا كانت لحاملها([1]).
توصيات ندوة الصكوك الإسلامية عرض وتقويم:
ضوابط تداول الأوراق المالية الإسلامية: (أسهم الشركات المتوافقة مع الشريعة، صكوك الاستثمار ووحدات الصناديق الاستثمارية):
يراعى عند الأوراق المالية من أسهم أو وحدات استثمار أو صكوك استثماري ما يلي:
مواضع الاتفاق: وهي تأكيد لما صدر به قرار المجمع رقم: (30/3/4):
- إذا كانت موجودات الأوراق المالية نقودا محضة، فيجب مراعاة أحكام الصرف عند تداولها، وإذا كانت موجوداتها ديونا محضة، فيجب مراعاة أحكام بيع الديون عند تداولها.
- إذا كانت موجودات الأوراق المالية من الأعيان والمنافع والحقوق أو من بعضها وليس فيها نقود أو ديون، فيجوز تداولها دون مراعاة أحكام الصرف أو بيع الديون.
- إذا كانت موجودات الأوراق المالية مختلطة من الأعيان والمنافع والحقوق والنقود والديون، وكانت الغلبة للأعيان والمنافع أو الحقوق، فإنه يجوز التداول وفقا للسعر المتراضى عليه.
موضع الخلاف:
إذا كانت الغلبة للنقود أو للديون، ففي ذلك اتجاهان:
الاتجاه الأول: إذا كانت موجودات الأوراق المالية مختلطة من الأعيان والمنافع والحقوق والنقود والديون وكانت الغلبة للنقود أو الديون، فيجوز تداولها عملا بمبدأ التبعية، دون مراعاة أحكام الصرف، أو بيع الديون، إذا كان النشراط الرئيس للشركة أو الصندوق أو الوعاء الاستثماري هو في: المتاجرة بالأعيان أو المنافع أو الحقوق، مع مراعاة أن جواز التداول يكون بعد الشروع في العمل بنسة لا تقل عن 10%.
الاتجاه الثاني: يرى عدم جواز تداول الصكوك والأسهم والصناديق الاستثمارية، إذا كانت مكونات موجوداتها مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع، مع كون الغالب نقودا أو ديونا، لما في ذلك من الوقوع في مبادلة النقد بالنقد، دون تحقق الضوابط الشرعية فيه، وهو نص قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (30/3/4)، ولما فيه من بيع الدين لغير من عليه، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم: 101 (4/11)، الذي ينص على أنه لا يجوز بيع الدين المؤجل من غير المدين بنقد معجل من جنسه أو غير جنسه لأنه من بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه شرعا. ولا فرق في ذلك بين كون الدين ناشئا عن قرض أو بيع أجل([2]) .
قرارات وتوصيات ندوة البركة:
جاء في القرار العشرين ما نصه: في حالة اشتمال الوعاء الاستثماري (من شركات أو صناديق أو صكوك) على أعيان ومنافع وديون ونقود، فإن المبدأ الذي يلائم أوضاع تلك الأوعية الاستثمارية التي يتعذر عليها تطبيق مبدأ غلبة الأعيان والمنافع على الديون والنقود هو مبدأ اعتبار ما هو مقصود التعامل وإلحاق ما هو تابع له، وعليه فإنه يجوز التداول في أسهم الشركات ووحدات الصناديق أو الصكوك الاستثمارية بالسعر المتراضي عليه، إذا اشتملت أصولها على أعيان (موجودات مادية معنوية) ومنافع ونقود، دون النظر إلى نسبة كل منها ما دامت الديون والنقود غير مقصودة بالتعامل بأن كانت تابعة للأعيان والمنافع([3])
([1]) المعايير الشرعية، رقم 17: (3/6/3) ، المعايير الشرعية، المعيار الشرعي رقم 17 ص290، المعيار رقم 21 ص299.
1. مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الرابع، المجلد الثالث.
2. المعايير الشرعية، النص الكامل للمعايير الشرعية التي تم اعتمادها حتى 1439 هـ نوفمبر 2017م. هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
3. توصيات ندوة الصكوك الإسلامية عرض وتقويم، جامعة الملك عبد العزيز 1431هـ/2010م.
4. صكوك الوكالة بالاستثمار، دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية ، عبد القادر محمد حقوص عبد القادر، رسالة ماجستير، المعهد العالي للقضاء 1434 – 1435 هـ.
5. العقود المبتكرة للتمويل والاستثمار بالصكوك الإسلامية. خالد بن سعود الرشود، كرسي سابك لدراسات الأسواق المالية الإسلامية 1434 هـ/ 2013 م.
6. الدليل الفقهي للتداول وإصدار الصكوك، مجموعة البركة.
7. بحوث في فقه البنوك الإسلامية، علي محي الدين القره داغي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1/6/2007م.