قسم العباداتباب الحج

تحلل من أحرم ثم منع من نسكه لعدم حمله تصريحاً

مسألة رقم 142

صورة المسألة

اقتضت المصلحة في الأزمان المتأخرة تحديد عدد الحجاج القادمين من الداخل والخارج, وتحديد مرات الحج بأن لا تتجاوز مرة كل خمس سنوات, وأن يحمل الحاج تصريحاً بالحج في كل مرة يحج, فمن خالف وأحرم بالحج ثم منع من نسكه لعدم حمله تصريحاً, فما حكمه؟

حكم المسألة

من أحرم بالحج ثم منع من نسكه لعدم حمله تصريحاً, فإنه لا يخرج عن إحدى الحالتين:

الأولى: أن يشترط في إحرامه بأن يتحلل إذا منع من إتمام نسكه؛ فهنا يحل ولا فدية عليه لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله ﷺ على ضباعة بنت الزبير فقال لها: لعلك أردت الحج ؟ قالت: والله لا أجدني إلا وجعة, فقال لها: حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني.. .) [البخاري (5089), مسلم (1207)].

 

الثانية: أن لا يكون مشترطاً في إحرامه, فهنا يبنى حكمه على الخلاف في حكم الإحصار بغير العدو؛ حيث اختلف أهل العلم في المحرم الذي لم يشترط إذا منع من نسكه بغير عدو, هل يحق له أن يحل من إحرامه كمن حصر بعدو أو لا؟ على قولين([1]):

القول الأول: لا حصر إلا حصر العدو, وكل مانع عدا العدو لا يحل من إحرامه بسببه إلا بعمرة. وهو مذهب المالكية, والشافعية, والحنابلة. واستدلوا بأدلة منها:

الدليل الأول: قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ….فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ ) [البقرة: 196].

وجه الاستدلال: من وجهين:

الأول: أن قوله تعالى: ( فَإِذَا أَمِنتُمْ ) يدل على أن الإحصار للعدو.

الثاني: أن هذه الآية نزلت في غزوة الحديبية, والرسول ﷺ في الحديبية إنما أحصر بالعدو, فدل على أن الإحصار إحصار العدو.

 

الدليل الثاني: أن من أحصر بغير العدو كالمرض ونحوه؛ فإنه لا يستفيد بتحلله التخلص من الأذى الذي هو فيه, فوجب أن لا يجوز له التحلل كضال الطريق؛ بخلاف من منع بعدو؛ فإنه يتخلص بالتحلل من أذى العدو, وينصرف إلى أهله.

 

القول الثاني: أن الحصر يحصل بكل مانع يمنع المحرم عن إتمام نسكه, فيحل به كالمحصر بعدو سواء بسواء. وهو مذهب الحنفية, ورواية عن الإمام أحمد, واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية, وصدرت به فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء. واستدل له بأدلة منها:

الدليل الأول: قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة: 196].

وجه الاستدلال: من وجهين:

الأول: بما قاله أهل اللغة([2]): الإحصار للمرض والحصر للعدو, فيدخل حصر المرض للآية دخولاً أوليا.

الثاني: أن الله تعالى أطلق لفظ الإحصار في الآية, ولم يقيده بعدو أو غيره؛ فيبقى على إطلاقه.

 

الدليل الثاني: ما رواه الحجاج بن عمرو الأنصاري, قال: قال رسول الله ﷺ: (من كسر أو عرج فقد حل, وعليه الحج من قابل) [أبوداود (1862), الترمذي (940), النسائي (2860), ابن ماجه (3078)].

وجه الاستدلال: أن الحديث ظاهر الدلالة في أن المريض ونحوه يحل من حجه إذا أحصر؛ وأن الحصر لا يقتصر على العدو.

 

الدليل الثالث: أن المعنى الموجود في حصر العدو موجود في المنع بغيره, والمعنى هو منع زيادة مدة الإحرام على المحرم ولا يختلف المنع بالعدو عن المنع بغيره في هذا المعنى.

وعليه فإن منع من إتمام نسكه لعدم حمله تصريحاً ولم يشترط فحكمه مبني على هذا الخلاف.

فمن قصر الحصر على الإحصار بالعدو؛ فإنه يوجب عليه البقاء محرماً حتى يحل بعمره.

ومن وسع دائرة الحصر حتى تشمل الحصر بكل مانع؛ فإنه يجيز له أن يتحلل من إحرامه إذا منع من إتمام نسكه.


([1]) المبسوط (4/108), فتح القدير (3/51), التمهيد (15/192), المجموع (8/309), المغني (5/204), الاختيارات للبعلي ص(20).

([2]) تهذيب اللغة (4/136), جمهرة العرب (1/514).

المراجع

1. فتاوى ابن عثيمين (23/434).
2. فتاوى اللجنة الدائمة (11/351).
3. النوازل في الحج للشلعان ص(178).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى