التحكم في صفات الجنين.
أطلق على التحسين الوراثي للنسل لفظة (Eugenics): وهي لفظة مشتقة من عبارة يونانية، تعني الفرد الطيب الحسب والنسب،النبيل العرق.
وقد بات أمر تحسين النسل هم كثير من الناس، رغبة في تجنيبالذرية الأمراض والتشوهات التي يعاني منها أسلافهم، وإكسابهم خصائص تساعدهم علىالحياة بصورة أفضل، وقد اتبع في هذا الصدد عدة طرق لتحقيق هذا التحسين الوراثي، بيانها فيمايلي:
الطريقة الأولى:
الاستفادة من الملاحظات الفطرية، ثم من قوانينالوراثة في اتباع وسائل تحسين النسل وراثيا،عن طريق انتقاء المرغوبفيه، واستبعاد غير المرغوب.
فالوسائل الإيجابية لتحسينالنسل: تقوم على أساس انتقاء مجموعة معينة من الأفراد الأكثر صلاحية من غيرهم، وتشجيعهم على التكاثر، ومعاونتهم على تربية ذريتهم، وقد اتخذ في سبيل ذلك نوعان منالإجراءات، يتعلق أحدهما بنوعية الجنس البشري ومحتوياته، وانتقاء جنس المولود بوسائله المتعددة ويتعلق الثاني بالزواج،ومن هذه الإجراءات: اختيار الأزواج الحاملين لصفات وراثية مرغوبة.
وأما الوسائل السلبية لتحسين النسل: فتقوم على أساس عدموجود غير المرغوب فيه، بغية الحفاظ على المرغوب فيه، ومن هذه الوسائل: التعقيم لمنبهم أمراض وراثية يخشى من انتقالها إلى ذريتهم، وهذه الوسيلة اتبعت في حق المجرمينمنذ بداية القرن الماضي من سنة 1907م، ثم استعملت مع الأفراد الذين يعانون من أمراضوراثية، ومن الدول التي أقدمت على استعماله: أمريكا، وكندا، والدانمارك منذ عام1929م، وألمانيا سنة 1933م، والنرويج سنة 1934م، والسويد وفنلندا سنة 1935م،واستونيا سنة 1939م، حيث أقدمت السويد على تعقيم 13000 شخص، واستؤصلت خصيتا تسعة منالمصابين بأمراض عقلية في مدينة بازل السويسرية، وفي سبعة آخرين بمدينة جنيف، وينصالقانون الياباني على مجموعة من الحالات المرضية الكثيرة، التي يمكن اللجوء فيهإلى تعقيم المصاب بها، وفي الصين يتم منذ سنة 1979م تعقيم كل من له سلوك اجتماعيغير سوي.
الطريقة الثانية:
استعمال تقنيات الإخصاب الخارجي لاصطفاء الجنين نوعا وصفة،وقد استخدم هذا النوع من الإخصاب في بعض الدول.
الطريقة الثالثة:
الاستنساخالجيني (غير الجنسي) للإنسان، لإنتاج نسخ للصفوة من الأفراد، الذين يتمتعون بصفاتمرغوبة، وإن كان هذا الأمر لم يتحقق بعد.
الطريقة الرابعة:
تحسين النسل عن طريق المعالجة الجينية.
من الوسائل التي ذكرها العلماء لتحسين النسل، تحسين النسل وراثيا عن طريق انتقاءالمرغوب فيه وراثيا واستبعاد غيره، وهذا وارد في الاختيار عند إرادة الزواج، بحيثيراعى عند اختيار الزوج أو الزوجة الأكثر صلاحية من النواحي الوراثية عن غيرهم،وهذا لا يمكن الوقوف عليه إلا بإجراء الفحوص الجينية على الطرفين قبل الزواج،للوقوف على مدى ما تحمله جيناتهما من تشوهات أو أمراض وراثية؛ وذلك لتجنيب نسلهماالإصابة بالأمراض والتشوهات، التي تنتقل إليهم من الوالدين، كما أن هذا الانتقاءوارد في حق الذرية كذلك، بانتخاب الخلايا الجنينية التي تخلو جيناتها من الأمراضوالتشوهات الوراثية، والتخلص مما سواها من الخلايا، أو باستبقاء الأجنة السوية فيالرحم إلى الولادة، وإجهاض الأجنة التي بها تشوهات أو أمراض وراثية، وقد يقتضيانتقاء المرغوب فيه وراثيا، تحديد جنس الجنين اصطفاء لجنسه وصفته، إذا كان أحدالجنسين (الذكر أو الأنثى) لا بد وأن ينتقل إليه جين ممرض أو مشوه من أحد والديه،دون الجنس الآخر، أو استنساخ المرغوب فيه جينيًا.
الوسائل المستخدمة في هذه الطريقة:
الوسيلة الأولى: اختيار الأزواج الحاملين لصفات وراثية مرغوبة
لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية الزواج، وفي مشروعية اختيار الأزواج الحاملين للصفات الوراثية المرغوب فيها، والأدلة على ذلك كثيرة مشتهرة، ومن ذلك:
- رغب الشارع في الزواج، لأن به يتحقق النسل الذي تعمر به الأرض، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: “وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني”، أخرجه البخاري (ح 4776).
- كما رغب كل من يريد الزواج باختيار الزوج الذي يتحقق بالزواج منهتحقيق المقصود الشرعي من الزواج، ومن الصفات التي رغب الشارع في توخيها عند اختيارالزوج: الدين، والصلاح، والعفة، والكفاءة، والخصوبة، وحسن الخلق، والبكارة، ورغبعمر رضي الله عنه في الزواج من غير القريبات، ومن النصوص الدالة على ذلك ماورد عن عائشة رضي الله عنها أنالنبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم”.أخرجهما ابن ماجه (ح 1968)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (ح 1067).
وجه الدلالة من هذه النصوص:
أن هذه النصوص أفادت أن الشارع وإن رغب في الزواج، إلا أنه رغب في توخيبعض الصفات في الطرف الذي يراد الزواج منه؛لتحقق دوام العشرة بين الزوجين، وتحقيق مقصود الشارع من إنجاب النسل الكثير الصالح، الذي يتحقق به إعمار الأرض.
وتحقيق ما رغب فيه الشارع من هذه الصفات، لا يتأتى إلا باختيار وانتخاب الصالحمن الأزواج، دينا، وكفاءة، وخلقًا، وصلاحًا، وعفة، وبكارة، وخصوبة.
ولماكان إنجاب النسل القوي أمرًا مشروعا، فقد استحدث من وسائل الفحص الجيني، ما يمكن بهمعرفة ما إذا كان الزواج بين اثنين، يحملان جينات معينة، يترتب عليه إنجاب نسل سوي،أو به أمراض أو تشوهات وراثية تضعف منه، ولذا فإن هذا الفحص الجيني مشروع، لأنهوسيلة إلى تحقيق مقصود شرعي، ولهذا فليس ثمة ما يمنع شرعا من توخي الصفات الوراثيةكذلك في مريد الزواج ذكرا كان أو أنثى، قياسا على الصفات السابقة، التي رغب الشارعفيها في النصوص السابقة، لأن توخي الصفات الوراثية يتحقق به إنجاب الذرية القويةالتي تعمر الأرض، ويتحقق بها مقصود الشارع من الزواج.
الوسيلة الثانية: الإخصاب الطبي لاصطفاء الأجنة.
إن هذا الاصطفاء لا يتحقق إلابالإخصاب الطبي الخارجي، باعتباره الذي يمكن معه الكشف عن الخلايا، وانتخاب أفضلها،وتختلف صور الإخصاب الطبي الخارجي وتتنوع، بحسب صاحب النطفة الذكرية وعلاقته بصاحبةالبويضة، وصاحبة الرحم الذي تنقل إليه اللقيحة، ولها صور عدة، يأتي بيانها وخلاف العلماء في ذلك في باب التلقيح.
وقد اختلف العلماء في حكم إجراء هذاالتخصيب، ولهم فيه اتجاهان يأتيان بالتفصيل والأدلة في مصطلح (التلقيح الصناعي)، ونشير هنا إيهما:
الاتجاه الأول:ذهب جمهور العلماء المعاصرين، وأقره أكثر الأعضاء في مؤتمرات المجامع الفقهية فيالعالم الإسلامي، والندوات التي عقدتها الهيئات والمنظمات واللجان المختلفة فيالدول الإسلامية إلى جواز إجراء التخصيبالخارجي، بضـوابط يجب التزامها عند إجرائه وهي: أن يكون علاج انعدام الخصوبة بينالزوجين حال قيام الزوجية الصحيحة بينهما، وأن يكون برضاهما، وأن يكون في حالالضرورة، بألا يمكن علاج عدم إنجاب الزوجين بطريقة أخرى لا يترتب عليها كشفالعورة أو الوقوع في محرم، وأن يتم التأكد من خصوبة الزوج الآخر، وأن تتخذ كافةالاحتياطات اللازمة حتى لا تختلط النطف والبويضات الخاصة بزوجين بنطف وبويضاتالآخرين، وألا يتم كشف عورة المرأة المسلمة إلا للضرورة القصوى، على أن تقوم بهذاالكشف طبيبة مسلمة، وإلا فطبيبة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم، فإن لم يتيسر فطبيبغير مسلم ثقة في عمله، وأن يتم تخصيب بويضة المرأة بنطفة زوجها خارجيًا، بحيث تعادالبويضة المخصبة إلى رحم الزوجة التي أخذت منها البويضة، فلا يجوز استخدام طرف ثالثفي عمليات الإخصاب بين الزوجين، لتؤخذ منه النطفة الذكرية أو البويضة، أو تنقلالبويضة المخصبة من الزوجين إلى رحمها، وأن يؤمن اختلاط الأنساب عند إجراء هذاالتلقيح، وأن يكون الحصول على النطفة الذكرية من الزوج بطريق مشروع.
الاتجاه الثاني:عدم جواز إجراء هذا التخصيب وإن كانبين زوجين.
الطريقة الثالثة: الاستنساخ الجيني للمصطفين جينيا.
يقصد بالاستنساخ الجيني: ” تكوين جنين جديد يكون نسخة جينية طبق الأصل من صاحبالخلية الجسدية”، وفي هذا النوع من الاستنساخ يتم أخذ خلية بشرية غير جنسية، من بدنذكر أو أنثى، وغرسها في بويضة امرأة، مفرغة من محتواها الجيني، بتحريض هذه الخليةبذبذبات كهربائية قبل غرسها في البويضة، ثم تحفيزها كهربائيا بعد غرسها لتندمج فيهذه البويضة، ويتولى (السيتوبلازم) المحيط بالنواة الجديدة في البويضة حثها علىالانقسام مكونة الخلايا الجنينية، لتنقل البويضة بعد ذلك إلى رحم المرأة، ثم تكملنموها فيها إلى الولادة، فينتج عن ذلك مولود مطابق للأصل الذي أخذت منه الخليةالجسدية، في شكله وتكوينه وصفاته وخصائصه.
وتحسين النسل عن هذا الطريق، يقصد بهاستنساخ أفراد يحملون صفات وراثية مرغوبة، كالخلو من الجينات الممرضة أو المشوهة،أو التمتع بالصفات الجسدية المبتغاة: كقوة البنية، والضخامة، وطول القامة، ونحو ذلك.
وهذا النوع من الاستنساخ لم يتوصل العلماء إلى تحقيقه، وما زال في مرحلةالتجربة والبحث، وقد أصدرت حكومات كثيرة قوانين تمنع إجراءه في مجال الإنسان.
واتفقت آراء علماء المسلمين على تحريم هذا النوع من الاستنساخ، وانتهتالمؤتمرات والندوات الفقهية، أو الفقهية الطبية، التي انعقدت في العالم الإسلامي،إلى تحريمه في جميع الظروف والأحوال، ومن هذه الندوات والمؤتمرات: مؤتمر مجمع الفقهالإسلامي الدولي في دورته العاشرة، المنعقدة بجدة في الفترة من 28/6-3/7/1997م،والندوة الفقهية الطبية التاسعة، التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبيةالكويتية، بالدار البيضاء في المدة من 14-17/6/1997م، وندوة الإنجاب في ضوء الإسلام،التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الكويتية بالكويت في 24/5/1983م، وندوةاستنساخ البشر وتداعياته، المنعقدة بنقابة الأطباء المصرية في 16/3/1997م، وندوةالاستنساخ البيولوجي بين الرفض والقبول، المنعقدة بكلية العلوم – جامعة الكويت في 23/03/1997 م، وندوة التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في القرن المقبل، التينظمتها جامعة الإمارات بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، والمنعقدة بالإماراتفي المدة من 20-22/12/1997م، وندوة قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية،التي عقدتها جمعية العلوم الطبية الإسلامية الأردنية، بعمان في سنة 1992م.
ومما استدل به العلماء على حرمة إجراء هذا النوع من الاستنساخ ما يلي:
1.أنه يهدم كيان الأسرة، بما يترتب عليه من الاستغناء عن الرجل الذي هو عمادها.
2.أنه يخلب التوازن البشري في الطبيعة، إذ الخلية المغروسة في بويضة المرأة إن أخذت من ذكركان الناتج ذكرًا، وإن أخذت من أنثى كان الناتج أنثى، ويترتب على هذا زيادة أحدالنوعين عن الآخر، وفي هذا فساد عظيم.
3.أنه مخالف للفطرة البشرية التي فطرالله الناس عليها، من تحقق النسل باجتماع رجل وامرأة، والذي دلت عليه آيات كثيرة، ويعد هذا الاستنساخ منافيا لها، منها: قول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ )[سورة الحجرات الآية: 13 ] فهذهالآية وغيرها تدل على أن سنة الله تعالى في خلقه جرت على خلق الذرية من ذكر وأنثىبينهما تزاوج، وأما الاستنساخ الجيني فليس فيه مثل ذلك، إذ يمكن تحقق الإنجاب بهبدون تزاوج.
4.أنه يؤدي إلى الإخلال بالهيكل الاجتماعي المستقر، ويعصف بأسس القرابات والأنساب، وصلات الأرحام، والهياكل الأسرية المتعارف عليها على مدى التاريخ الإسلامي، كما اعتمدتها الشريعة الإسلامية وسائر الأديان أساسا للعلائق بين الأفراد والعائلات، والمجتمع كله، بما في ذلك من انعكاسات على أحكام القرابات،والزواج، والمواريث، وغيرها.
5.أن هذا الاستنساخ ستتولد عنه مشكلات دينية واجتماعية، قد يحار العلماء في إيجاد حكم لها أو حل، ومن ذلك: نسبة الفرد المستنسخ إلى أب وأم، وتحديد درجة قرابته، وإرثه والإرث منه، وزواجه أو التزوج منه أو منذريته، وأحق الناس بحضانته والولاية عليه، ونحو ذلك.
ومن ثم فإن استنساخ المصطفين جينيًا أو نحوهم لا يقره الشرع، ولا مجال لإجرائه كوسيلة لتحسين النسل،مهما كانت الدوافع إليه.(راجع مصطلح: استنساخ)
الطريقة الرابعة:تحسين النسل عن طريق المعالجة الجينية.
إن التدخل في الخلايا الجنسية (الحيوان المنوي، أو البويضة ) يترتب عليه انتقال الصفات الوراثية للأجيال اللاحقة، فالتدخل في الجين لا يؤثر على الشخص المعالج فقط، بل على ذريته؛ حيث إن هذا التدخل ينتقل إليهم عن طريق الوراثة، والتدخل في علاج هذه الخلايا إذا كانت حاملة لجينات ممرضة أو مشوَّهة، قديكون بنقل جينات سليمة إليها من الآخرين، سواء على سبيل الاستبدال، أو الإضافة، وقد يكون بإصلاح الجين المعيب دون إضافة أو استبدالو إنكان الغالب في العلاج الجيني إضافة نسخة سليمة من الجين إلى الخلية المحتوية على الجين المعيب، وعند إتمام هذا النقل تتغير المعلومات الوراثية في الخلية، عندما يبدأ الجين المنقول إليها في التعبير عن نفسه، وقديكون الجين المدْخل إلى الخلية من نفس الشخص، وقد يكون الجين المدْخل إلى الخلية من شخص آخر، فإن كان من شخص آخر، فقد اختلف الباحثون المعاصرون في حكم هذه الحالة على اتجاهين:
الاتجاه الأول:الجواز بشرط عدم تغيير التكوين الوراثي للخلية، وقال به بعض الباحثين.
واستدلوا: بأن هذا العلاج يعيد الخلية إلى خلقتها السوية التي أوجدها الله عليها، فحقيقتها أنها تختص بإدخال جين أجنبي جديد يحل محل جين لا يعمل، أما باقي التكوين والترتيب الوراثي فهو على حاله لم يتغير.
الاتجاه الثاني: أن هذا النقل محرّم،وهذا هو قول أكثرالمعاصرين، وبه صدرتتوصية ندوة: ” الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” حيث جاء فيها ما نصه: “منع استخدام الهندسة الوراثية على الخلايا الجنسية، لما فيه من محاذير شرعية”.
والأدلة على تحريم هذاالنوع من التدخل ما يلي:
1ـ عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي ﷺ ، أنه أتى بامرأة مجح(حامل)على باب فسطاط، فقال: “لعله يريد أن يلم بها ” فقالوا: نعم، فقال رسول الله ﷺ : “لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيفيورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟”.أخرجه مسلم (ح 1441).
ووجه الاستدلال: أن النهي عنوطء الجارية المسبية، خوف اختلاط الأنساب، وهذا حاصل في عملية إحلال جين من خلاياشخص مكان جين آخر في الخلايا التناسلية لشخص آخر.
2-حديث عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: “مَنْ ادَّعَى إِلَى غَيْرأَبِيهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ؛ فَالْجَنَّةُ عَلَيْه حَرَامٌ”. أخرجه البخاري (ح 6385).
ووجه الاستدلال: أن الوعيد الوارد في الحديث دل على اهتمام الشارع بحفظ الأنساب، وأن تعمّد الخلط فيها من كبائر الذنوب، وفي العلاج الجيني إذا كان بإحلال جين من شخص آخر اختلاط للأنساب، وتضييع لها، فصاحبه معرّض لهذاالوعيد.
ـ وإن كان الجين المدخل إلى الخلية من الشخص نفسه،ففيه اتجاهان للعلماءالمعاصرين:
الاتجاه الأول:أنه لا يجوز، وهو قول جمهور المعاصرين. وهو الذي وردتبه توصية ندوة: “الوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤيةإسلامية” كما سبق.
الاتجاه الثاني:أنه جائز، وهو قول لبعضالمعاصرين.
الأدلة:
استدل القائلون بتحريم التدخل الوراثي في الخلايا الجنسيةبما يلي:
- أن الدخول في علاج الخلايا الجنسية بالعلاج الوراثي يفضي إلى مفاسدتتعلق بالأنساب راعى الشارع الحكيم درأها.
- أن العلاج الجيني للخلايا الجنسيةغير ضروري، لوجود تقنيات أسهل يمكن استخدامها لمنع الجين المسبب للمرض من أن يورث،وذلك باستخدام تشخيص البويضة الملقحة قبل الغرس في الرحم، عن طريق التلقيح الاصطناعي، فنقوم باستبعاد البويضات المريضة، وغرس السليمة.
- قاعدة: لا ضرر ولا ضرار.
ووجه الدلالة من القاعدة: أن العلماء لم يتمكنوا من التحكم بهذا العلاج إلى الآن، فأي ضرر يحصل للمعالج فإنه سينتقل إلى نسله من بعده، وهذا من الضرر الذي يجبرفعه.
واستدل القائلون بجواز التدخل الوراثي في الخلايا الجنسية إذا كان الجين من الشخص نفسه:
بأن الحيوان المنوي والبويضة يحملان صفات الأبوين كلها، وفي العلاج الوراثي للخلايا الجنسية إدخال لبعض هذه الصفات، فليس هناك عنصر غريب.
حكم استخدام العلاج الجيني في تحسين النسل:
التدخل الجيني قد يكون لتعديل صفة وراثية في الشخص من أجل الحصول على نسل محسّن ذي صفات معيّنة، كتغيير لون البشرة، أوالعين، أو الطول، أو زيادة الذكاء، ونحو هذا.
وقد اختلف العلماء المعاصرون فيحكم هذا التدخل لهذا الغرض على اتجاهين:
الاتجاه الأول: تحريم هذا النوع من التدخل الوراثي، وهو قول أكثر المعاصرين.
وبه صدرت توصية ندوة: ” الوراثة والهندسةالوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني – رؤية إسلامية ” حيث جاء في توصيتها مانصه: “كذلك ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية سياسة لتبديل البنيةالجينية فيما يسمى بتحسين السلالة البشرية، ولذا فإن أي محاولة للعبث الجيني بشخصيةالإنسان، أو التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعًا”.
وصدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الخامسة عشرة، حيث جاء فيها ما نصه: “لا يجوز استخدام أيمن أدوات علم الهندسة الوراثية ووسائله للعبث بشخصية الإنسان، ومسؤوليته الفردية،أو للتدخل في بنية المورثات (الجينات) بدعوى تحسين السلالة البشرية”.
الاتجاه الثاني:إباحة الانتفاع بالتدخل الوراثي بغية تغيير المقاييس بالطول، أو القصر، أوالجمال، ونحوها. وهو قول لبعض المعاصرين.
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول القائلين بالمنع بما يلي:
1ـ قوله تعالى: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ )سورة النساء الآية 119، وجه الاستدلال: أن الله تعالى ذم الذين يغيرون خلق الله، وهذا العلاجالوراثي من تغيير خلق الله، فيكون داخلًا في الذم.
2ـ قوله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) سورة التين الآية: 4، وجه الاستدلال: حيث دلت الآية أنه لا مجال للإنسان أن يستدرك على الله تبارك وتعالى فيأن يحسّن فيما خلق، فأي تدخل من الإنسان بعد ذلك فإنه يدخل في الإفساد.
3ـ قوله صلى الله عليه وسلم: ” لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ،وَالْمستوشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ….” الحديث.أخرجه البخاري (ح 5587).
وجه الاستدلال: أن هذا الحديث يدل على تحريم الأمور المذكورة معللةبتغيير الخلق طلبًا للحسن والجمال، والعلاج الوراثي على الصفة المذكورة هو تغييرللخلق بغية الحسن والجمال، فيكون داخلًا تحت الوعيد الوارد في الحديث.
واستدل أصحاب القول الثاني القائلين بالجواز بما يلي:
1.قول النبي”:ﷺ إن الله جميل يحب الجمال”. أخرجه مسلم (ح 91).
ووجهالاستدلال: أن الحديث دل على مشروعية طلب الجمال، والعلاج على الصفة المذكورةالمراد به طلب الجمال، فيكون مشروعًا.
2.أن الأصل فيالأشياء الإباحة ما لم يرد حظر، ولم يرد حظر في هذا التغيير طلبا للجمال.
3.القياس علىجواز عمليات التجميل التحسينية.
1ـ تحسين النسل، بحث محكم منشور على الشبكة العنكبوتية، أ.د. ماجدة محمود أحمد هزاع، أستاذ ورئيس قسمالفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، جامعة الأزهر.
2ـ الاختيار الجيني والوقاية من الأمراض الوراثية من منظور إسلامي، د. عارف بن علي عارف، مجلة التجديد، العدد الخامس،شوال، 1419.
3ـ حكم التدخل في صفات الجنين في الشريعة الإسلامية، د. محمد حسن أبو يحيى، منشور ضمن بحوث مؤتمر الهندسة الوراثية بين الشريعة والقانون.
4ـ حكم زواج الأقارب، د. رجب سعيد شهوان، بحث منشور في مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية، العدد 6، 1414.
5ـ زواج الأقارب إيجابياته وسلبياته، د. سالم نجم، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، السنة التاسعة، العدد الحادي عشر، 1419.
6ـ الأحكام الفقهيةالمتعلّقة بتحسين النسل، د. عبدالله بن جابر مسلم الجهني، أستاذ مساعد بقسمالفقهبالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.بحث منشور على الشبكة العنكبوتية.
7ـ أحكام الهندسة الوراثية، د. سعد بن عبدالعزيز الشويرخ، ط.كنوز اشبيليا، الأولى 1428.
9ـ مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورةالخامسة عشرة.
10-الهندسة الوراثية في ضوء الشريعة الإسلامية، د. نور الدين الخادمي، مكتبة الرشد، الرياض، ط-1427.
11- العلاج الجيني في ضوء الضوابط الشرعية، د. عبدالناصر أبو البصل، بحث مقدم لندوة الانعكاسات الأخلاقية للعلاج الجيني، كلية العلوم، جامعة قطر (2001).
12-الهندسة الوراثية والجينوم البشري الجيني (رؤية فقهية)، أ.د عبدالرحمن بن أحمد الجرعي، بحث فقهي مقدم للدورة العشرين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، بالجزائر، عام 1433.